عندما أصبح الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك مغرما بمدينة تارودانت، كان قصر «الغزالة الذهبية» المكان الذي يقضي فيه أجمل اللحظات، الأمر الذي دفعه إلى تدوين ذلك في الكتاب الذهبي قائلا «إن البقعة التي بني عليها هذا القصر بقعة حظيت برضى الله تعالى وجمعت كل الناس من مسيحيين ومسلمين...». قصر الغزالة الذي تم تدشينه بداية الخمسينيات من القرن الماضي بمدينة تارودانت من طرف أحد البارونات الفرنسيين كان قبلة لكبار الشخصيات من عالم السياسة والاقتصاد والمخابرات الدولية. وراء أسواره العالية نسجت قصص أقرب إلى الخيال. أغرم به نجوم هوليود، ووجد فيه كبار رجالات الدولة البريطانية مكانا يستريحون فيه من عناء قيادة العالم. كما شهد نقاشا بين أمراء سعوديين وسياسيين فرنسيين حول حرب الخليج بداية التسعينيات، وكان وجهة لضيوف الحسن الثاني المميزين. قضى به محمد السادس أياما وصفها بالجميلة في طفولته الأولى، وعندما زارته الأميرة للاسلمى أبدت إعجابها بسحر المكان، وكتبت بأن الزمن توقف بهذه البقعة من الأرض. في هذه السلسلة سنحكي بعضا من القصص التي شهدها هذا القصر، الذي تحول مع مرور الزمن إلى معلمة وطنية تلعب أدوارا كبرى في الديبلوماسية الدولية، وتخفي وراء غرفها المحدودة أسرار السياسة الدولية. في واحدة من ليالي سنة 1972 غادر «جون بيلانك» دنيا الناس هذه بعد إصابته بسكتة قلبية، وترك وراءه زوجته الأمريكية وابنته الوحيدة، وكانت بجوار هذا الفندق قطعة أرضية تبلغ مساحتها 50 هكتارا. وكان «جون بيلانك» قد أهداها في وقت سابق لإحدى عشيقاته، وعند وفاة هذا الأخير قررت العشيقة مغادرة أرض الوطن، وبالتالي بيع تلك الأرض. وحدث أن حضر أحد رجال الأعمال المغاربة المشهورين بمدينة الدارالبيضاء وكان برفقته شخص آخر سبق أن شغل منصبا في الوزارة وكذا سفيرا للمغرب في سويسرا، من أجل شراء تلك البقعة الأرضية إلا أنها وأثناء التجول في المكان لاحظا وجود الفندق وهما اللذان يعرفان قيمة الفندق، الذي ذاع صيته في وسط رجال المال والأعمال والسياسة، فقررا الدخول كشريكين مع أرملة «جون بيلانك». مرت السنة الأولى، وخلصت فيها هذه الأخيرة إلى أنها غير قادرة على مجاراة الشركاء الجدد، فقررت المغادرة وترك الشريكين بعد أن قامت بتفويت الفندق لهما، وبقيت رغم ذلك تزور المكان مرات عدة، نظرا لارتباط المكان بذكريات جميلة بالنسبة لها. وكانت آخر مرة قررت فيها زيارة هذا الفندق خلال سنة 1991 من أجل تخليد الذكرى الثلاثين لافتتاح الفندق، إلا أن اندلاع حرب الخليج حال دون ذلك، خاصة بعد أن صدرت أوامر لجميع الأمريكيين من أجل عدم مغادرة أمريكا في اتجاه أي دولة عربية. ومنذ ذلك الحين انقطعت صلة زوجة البارون الفرنسي بالفندق وأصبح تدبيره موكولا إلى مالكين مغاربة، ورغم ذلك حافظ على طابعه الأرستقراطي، وإلى حدود سنة 1981 بدأ الخلاف يدب بين الشريكين المغربيين حول طريقة تدبير الفندق فضلا عن وجود تفاصيل أخرى لم يتم الكشف عنها بعد، فقررا بيع الفندق. وفي الوقت الذي بدأ الشريكان في البحث عن مالك جديد للفندق كانت سليلة عمر التازي صاحب قصر التازي المعلمة التاريخية التي تم تأسيسها في عهد المولى عبد العزيز، حيث كان الحاج عمر التازي أحد وزراء كل من السلطان المولى عبد العزيز والمولى يوسف، حاضرة. كانت هذه السيدة التي تدعى، حسب الوثائق الرسمية، «غيثة بنيس» قد قدمت استقالتها من السفارة المغربية بلندن بعد أن كانت ملحقة بهذه السفارة، وكانت من خلال ذلك قد نسجت شبكة من العلاقات مع كبار رجال الأعمال والدبلوماسيين ورجال المخابرات العالمية، حيث قررت مغادرة السفارة والتفرغ لأبنائها، بعد أن ارتبطت بزوجها الإيطالي واستقرت مع أسرتها الصغيرة بوسط العاصمة البريطانية لندن، إلا أنها من حين لآخر كانت تزور المغرب وظلت علاقتها بالمغرب متينة وكانت من حين لآخر تراودها فكرة العودة إلى المغرب من خلال أحد المشاريع الاستثمارية، خاصة أن الاستثمارات الأجنبية مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي كانت لا تزال جد محدودة في المغرب، وكانت الرغبة تحذوها لاستقطاب مستثمرين إلى بلادها. في واحد من تلك الصالونات اللندنية حيث كانت خيوط التماس بين الدبلوماسية وشبكة المخابرات الدولية، تعرفت «غيثة بنيس « على الشيخ كمال إبراهيم أدهم وكان ساعتها الذراع الأيمن للملك فيصل بن سعود ومؤسس جهاز المخابرات السعودية على عهده، وكمال إبراهيم أدهم من أصل تركي، كان والده يعمل ضمن سلك الشرطة بالعاصمة التركية، وكانت شقيقته زوجة للملك فيصل، وعندما انتقلت للعيش في كنف الملك السعودي نقلت معها شقيقها كمال إبراهيم أدهم حيث درس بالجامعة الأمريكية، ثم انتقل بعد ذلك للدراسة في المملكة المتحدة، وبحكم أنه كان يتمتع بذكاء وفطنة كبيرين فقد كان بمثابة العين التي لا تنام للملك فيصل بن سعود وكان ذراعه الأيمن حيث عهد إليه بتأسيس جهاز المخابرات الدولية وتنسيق العلاقات السرية للمملكة العربية السعودية، حيث امتدت علاقاته إلى جميع الأجهزة المخابراتية الدولية، كما أنه كان يشرف على أكبر الصفقات وأكثرها حساسية وتعقيدا. وقد كان كمال إبراهيم أدهم صديقا مقربا للراحل الحسن الثاني وكان بين الرجلين تقدير واحترام كبيران إلى درجة أن بعض الحيثيات تشير إلى أن وفاة الحسن الثاني كانت من بين العوامل التي أثرت كثيرا في نفسية كمال إبراهيم أدهم وسرعت بوفاته، حيث أصيب بسكتة قلبية في مقر إقامته بالقاهرة سنة 1999 أشهرا قليلة بعد وفاة الحسن الثاني.