الجيوش الأوروبية تصل إلى 60% في نسبة الاعتماد على الأسلحة الأميركية    أمطار إضافية متوقعة في المغرب    إدارة سجن بني ملال تعلق على وفاة    "نساء متوسطيات" يمنحن مراكش أمسية موسيقية ساحرة    قلة النوم لدى المراهقين تؤدي إلى مشاكل لاحقة في القلب    في تناقض فاضح مع تصريحاته.. تبون يأمر باستيراد أضاحي العيد    توقيف شاب بحوزته 600 قرص مخدر بمحطة القطار بطنجة    ذكرى وفاة جلالة المغفور له محمد الخامس.. مناسبة لاستحضار التضحيات الجسام التي بذلها محرر الأمة من أجل الحرية والاستقلال    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    134 ‬حكمًا ‬في ‬غسل ‬الأموال ‬أبرز ‬معطيات ‬النيابة ‬العامة    الكوكب يبسط سيطرته على الصدارة و"سطاد" يستعد له بثنائية في شباك اليوسفية    200 مباراة في الليغا.. فالفيردي يعزز أرقامه مع ريال مدريد    في رثاء سيدة الطرب المغاربي نعيمة سميح    هَل المَرأةُ إنْسَان؟... عَلَيْكُنَّ "الثَّامِن مِنْ مَارِسْ" إلَى يَوْمِ الدِّينْ    غاستون باشلار وصور الخيال الهوائي :''من لايصعد يسقط !''    "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..؟" !!(1)    أدت ‬ببعضها ‬إلى ‬الانسحاب.. شركات مالية ‬مغربية ‬تواجه ‬أوضاعا ‬صعبة ‬بموريتانيا    ترامب: التعليم في أمريكا هو الأسوأ في العالم    الأمطار الأخيرة تنعش حقينة سدود المملكة    كل «التَّلْفات» تؤدي إلى روما: عندما يسعى نظام الجزائر إلى لعب ورقة إيطاليا في خصوماته مع الشركاء الأوروبيين!    التطوع من أجل نشر القراءة.. حملة ينظمها حزب الاستقلال بالقصر الكبير    الحوار السياسي في موريتانيا خطوة نحو التوافق أم مناورة لاحتواء المعارضة    تعليق الدراسة في عدد من الأقاليم المغربية بسبب الأحوال الجوية    وفد إسرائيلي يتوجه الى الدوحة الإثنين لمباحثات بشأن الهدنة في غزة    كندا.. المصرفي السابق مارك كارني سيخلف جاستن ترودو في منصب رئيس الوزراء    المرأة المغربية في عيدها العالمي وقفة سريعة مع سنة 2024    المغاربة مطالبون بتغليب مصالح وطنهم في مواجهة الحملات المغرضة    نهضة بركان على بعد خطوة من تحقيق أول لقب له بالبطولة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    كيوسك الإثنين | انخفاض معدل الاعتقال الاحتياطي ب 37,56 % عند متم 2023    عمر هلالي يعلق على أنباء اهتمام برشلونة    كوريا الجنوبية/الولايات المتحدة: انطلاق التدريبات العسكرية المشتركة "درع الحرية"    الصين تعزز الحماية القضائية لحقوق الملكية الفكرية لدعم التكنولوجيات والصناعات الرئيسية    دراسة: الكوابيس علامة مبكرة لخطر الإصابة بالخرف    ساكنة تجزئة العالية بالجديدة يحتجون من جديد على مشروع بناء حمام وسط حيهم    أبطال أوروبا .. موعد مباراة برشلونة ضد بنفيكا والقنوات الناقلة    رجاء القاسمي.. الخبرة السينوتقنية بلمسة نسائية في ميناء طنجة المدينة    إسرائيلي من أصول مغربية يتولى منصب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي    بطل في الملاكمة وبتدخله البطولي ينقذ امرأة من الموت المحقق … !    الشركة متعددة الخدمات الدار البيضاء سطات.. جهود مكثفة لتفادي تجمعات مياه الأمطار وتيسير حركة المرور    جثة امرأة تنتظر التشريح في سطات    مبعوث أمريكي يدّعي أن حماس اقترحت هدنة من 5 إلى 10 أعوام بغزة    نهضة بركان تفوز بثنائية في تطوان    أسعار الخضر والفواكه تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في أسواق سوس ماسة والمواطنون يطالبون بتدخل السلطات    8 مارس ... تكريم حقيقي للمرأة أم مجرد شعارات زائفة؟    التساقطات المطرية تساهم في الرفع من حقينة سدود المملكة    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    السمنة .. وباء عالمي    اتحاد طنجة يخطف تعادلا من العاصمة العلمية    ملاعب للقرب تفتح أبوابها للشباب بمقاطعة سيدي البرنوصي    حقيقة الأخبار المتداولة حول خطورة لحوم الأغنام على صحة المغاربة..    نورة الولتيتي.. مسار فني متألق في السينما الأمازيغية    أمسية رمضانية أدبية احتفالا بإبداع الكاتب جمال الفقير    رحلت عنا مولات "جريت وجاريت"    تسجيل أزيد من 24 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2025    اضطراب الشراهة عند تناول الطعام: المرض النفسي الذي يحوله تجار المكملات الغذائية إلى سوق استهلاكي    مقاصد الصيام.. من تحقيق التقوى إلى بناء التوازن الروحي والاجتماعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشليح.. «جوهرة الحمراء» التي أعطت في القانون والملحون
أول من أحدث تخصص الكفاءات وحافظ على التراث الشعبي منذ 1964
نشر في المساء يوم 25 - 07 - 2014

تسلط «المساء» الضوء على رجالات صنعوا مجد مدينة مراكش، وأخرجتهم من الظل إلى مشاركة الرأي العام المراكشي والوطني هموم قضية حملوها على عواتقهم. عمدت «المساء» إلى الاقتراب من ثلة من خيرة رجالات، تركوا بصمات في المدينة الحمراء، وأغلبهم تواروا إلى الظل بعيدا عن عدسات المصورين أو كاميرات الإعلاميين، أو حتى مقالات الصحافيين. واتصلت بالجدد منهم، منهم من اعتذر نظرا لمرضه، ومنهم من فضل عدم الظهور تواضعا، فكانت «المساء» صلة وصل بينهم وبين قراء أرادوا معرفة الكثير عنهم، لأنهم كانوا يعملون أكثر مما يتكلمون ..
تم تكريم هذا الرجل الفذ، الذي اجتمع فيه ما تفرق في غيره، إذ برز في أكثر من مجال، حيث يشهد له مساره ونهج سيرته بالفضل الكبير في أكثر من مجال (الفن، المحاماة، العمل الجمعوي، الصحافة، التعليم، السياسة...)، إضافة إلى مكارم الأخلاق. الحديث معه شيق، والوقت بمجالسته ضيق، بقيمة هذا الرجل الذي وجدت «المساء» صعوبة بالغة في الكتابة عنه لأنه قال في حديث للجريدة: «إنكم بثنائكم علي تكونون قد قصمتم ظهري».
ولد الأستاذ عبد الله الشليح بمدينة مراكش، في يوليوز 1931، في أحضان أسرة ربانية كريمة عريقة (أبا وأما)، امتزج في دمائها النسب الأمازيغي بالعربي. فكانت بيت الشليح (الأب) وبوركية (الأم) بيت أصيل مشهود له بالصلاح والتقوى والفضل والكرامة.
فوج محمد الخامس
تلقى عبد الله تعليمه الأولي الذي حفظ خلاله القرآن الكريم على يد الفقيه مولاي سعيد، قبل أن يلتحق بجامعة ابن يوسف حيث سينال له الحظ الأوفى من علم الشريعة الإسلامية، ويطلع على أمهات المتون على يد شيوخها ما بين 1947 و1957، ليتابع دراسته فيها على مدى عشر سنوات. التحق بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط سنة 1957، ليكون ضمن أول فوج تخرج من هذه المؤسسة، سنة 1960، وهو الفوج الذي حظي باستقبال من طرف الملك الراحل محمد الخامس، الذي أطلق على هذا الفوج «فوج محمد الخامس».
بعد سنتين سيحصل على شهادة الدراسات العليا في القانون المدني، ليتحمل بعدها مسؤولية القسم العربي بخزانة نفس المؤسسة التي تخرج منها، على مدى سنتي 1961 و1962، قبل أن يمارس التدريس، حيث لقن الطلبة المدخل لدراسة القانون بالبيضاء والرباط وفاس، والقانون الاجتماعي والدولي الخاص بمراكش. تخرج على يديه ثلة من الطلبة والطالبات في أسلاك مختلفة في المعرفة القانونية، كما أن له الفضل على كثير من المحامين ورجال القضاء من خلال الدفاع عن القانون وسبر أغوار المرجعية الفقهية والقانونية.
وكان الأستاذ عبد الله الشليح من الرعيل الأول الذي كان له شرف التأطير التربوي في كلية الحقوق بمراكش، بعد أن عمل بمؤسسات وطنية ككليتي الحقوق بالرباط والدارالبيضاء، إلى أن التحق بكلية مراكش مؤسسا فيها تخصص الكفاءات لأول مرة سنة 1962 مما ساهم في تخريج عدد من رجال القضاء والمحاماة. كما مارس المحاماة منذ 1964، فكان المحامي المقتدر الذي تشهد له حنكته وخبرته الطويلة في حماية الحق والقانون والدفاع عنهما، واحترام جلال أسرة القضاء وتقديرها في مرافعاته الرصينة.
فلسطين والبر والإحسان
خاض الشليح غمار العمل السياسي، فكان من أبرز مناضلي حزب الشورى والاستقلال، وعمل مراسلا لجريدة «الرأي العام» في الخمسينات، كما شغل منصب قائد ثم مندوب منظمة الكشفية المغربية الإسلامية بمراكش، خلال الفترة ما بين 1950 و1962، ومثل المغرب في المؤتمر الكشفي العربي بالإسكندرية عام 1956. عبد الله الشليح، إضافة إلى هذا هو فاعل جمعوي نشيط في عدد من الجمعيات الوطنية، حيث شغل منصب كاتب عام لجمعية «الوعي» بمراكش، من 1965 إلى 1982، ورئيسا ل»رابطة العمل لجمعيات الشباب» بمراكش في الستينات، ومستشارا ب»الجمعية الخيرية الإسلامية» منذ 1979، ومستشارا قضائيا بمؤسسة «دار البر والإحسان» منذ 1987، ورئيسا لتعاونية الحمراء للاستهلاك التابعة لجامعة القاضي عياض، وعضوا بالفرع المحلي للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وكاتبا عاما لفرع «الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، التي كانت تعقد لقاءاتها في مكتبه الخاص بالمحاماة، ويعد للحاضرين الشاي ب»السالمية»، يقول أحد المراكشيين ل»المساء».
وفي سنة 1974 ترأس جمعية «هواة الملحون» بمراكش، فدافع عن تدريس الملحون بالمعاهد الموسيقية بالمملكة، كما ساهم في تنظيم أول مؤتمر وطني لرجال الملحون بمراكش في ماي 1970. هذه الخلفية الفنية، جعلت الأستاذ عبد الله الشليح يساهم في توجيه عدد كبير من طلبة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش وكليات أخرى، ممن تفرغوا في إطار بحوثهم الجامعية للأدب الشعبي بصفة عامة وفن الملحون خاصة، فكانت خزانته الخاصة تكمل دور خزانات الكليات في هذا الباب، موجها ومؤطرا، فكان له فيها الشكر والثناء والعرفان.
الجوهرة الحمراء
وما يميز مسار عبد الله الشليح الذي لا طول ولا عرض له، هو النفس الطويل الذي منحه لجمعية «هواة الملحون»، التي تأسست سنة 1964، ولاتزال تقيم تجمعها في منازل من المنازل كل يوم جمعة، حاملا على عاتقه استمرار هذه السنة الحميدة. ولع الأستاذ عبد الله الشليح بالملحون لم يقف عند هذه التضحية التي تبدو للبعض بسيطة، لكن أن تمنح هذه «الجوهرة الحمراء» مبلغا ماليا لكل شاب حفظ قصيدة من فن الملحون يبدو أنه «جهاد» بالمال بعد النفس. تضحيات هذا الرجل الشهم لم تقتصر على هذا البذل، فقد كان يتحول مكتبه للمحاماة بالقنارية قبل أن يصير بشارع محمد السادس، قاعة انتظار يقصدها كل من يعدم وسيلة للنقل إلى منزل الحفل، حيث يأخذهم بسيارته، وأحيانا كان يعود لأخذ فوج آخر دون ملل، ويتكرر هذا المشهد عند نهاية الحفل، فيوصل البعض إلى الداوديات والبعض إلى باب أيلان، والبعض الآخر إلى الزاوية. قلما يعرف كثيرون واجهة أخرى من واجهات التميز في شخصية الأستاذ المقتدر عبد الله الشليح. فهو الأديب اللغوي المالك لناصية اللغة العربية، وأشعارها وآدابها، كما أنه الباحث الذي لا يشق له غبار في الأدب الشعبي المغربي، كيف لا وهو عاشر شيوخه، ونشأ في حي من أحيائه المعروفة بالفن في مراكش وهي حومة «زاوية الحضر».
أحيلت «جوهرة الحمراء» على التقاعد في شتنبر 1992 بعد أن قضى في حقل التدريس والتكوين سنوات، كلها تفان وعمل أهلته لأن يمنحه الملك الراحل الحسن الثاني وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة بتاريخ 3 مارس 1992، وهو اليوم يزاول مهنة لا تقل عن التدريس شرفا، ألا وهي المحاماة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.