عرض أمس الخميس على الساعة السابعة والنصف العرض ما قبل الأول للفيلم الوثائقي «على الحبل» لمخرجه وحيد المثنى بالمعهد الثقافي الفرنسي بالدار البيضاء، بعد العرض ما قبل الأول الذي خص به المخرج جمهور الرباط بمسرح محمد الخامس في الثاني من أبريل الجاري، وخلق تجاوبا كبيرا مع الجمهور، لطبيعة الموضوع الذي يدور حول أطفال الشوارع، الذين أخذتهم المغامرة، بفضل جمعية اجتماعية، إلى عالم السيرك للعب فوق الحبل. من هنا جاءت تسمية الفيلم ب«فوق الحبل» كصيغة استعارية، يقول وحيد المثنى، في تصريح ل «المساء»، إذ هناك تشابه بين عالم الشارع وعالم السيرك، ففي كليهما تكمن المخاطرة والمغامرة، الخوف، الضرر، الألم، السقوط، التعلم، التحفز للمفاجأة. ويضيف المخرج« هكذا تبدو عوالم الشارع: المطاردة البوليسية للأطفال، مطاردات اللصوص، الأذى، السقوط والنهوض لمواجهة المخاطر من جديد». إذن الفيلم ينسج حكايته بمرافقة بطلين من الشارع إلى السيرك، الشخص الأول عاش تجربة الجمعية، فيما تعتبر الطفلة حديثة العهد بهذه المؤسسة. طفلة في سن العاشرة وجدت نفسها تتحمل عبء أختها الرضيعة التي تركتها أمها وذهبت إلى العالم الآخر، لتواجه اليتم في ظل وجود الأب الذي فتح عشا جديدا للزوجية وترك الطفلتين لحالهما. راحت الطفلة تبيع المناديل عند نقط إشارات المرور، متسكعة ومعرضة لجميع الآفات، الاعتداء، المخدرات، التدخين..... الشخصية الثانية طفل عاش محروما من الوالدين إلا جده الكناوي، الذي كان يرافقه في درب الحياة. و قد عاش الطفل بين الجد وسطوة الشارع، ليظل، حتى وإن ابتعد عن الشارع، مثله مثل هاجر، يقول مخرج الفيلم، يحملان آثار وندوب تلك المرحلة في كيانها الروحي والجسدي، بصمات تترك آثارها ويصعب التخلص منها أو نسيانها،ويردف وحيد، و ملامستها في النظرات وفي لغتهم، حيث يشعران بأنهما ليسا كباقي الأطفال. من حيث المعاناة و الطاقة الايجابية و الإرداة ورفع التحدي، هذه العناصر الأخيرة برزت بقوة في تجربتهما في مجال السيرك، فقد سبقهما أطفال ولم يفلحوا، فيما برهنا عن تألقهما في هذا العالم الغريب والتآلف مع أجوائه. في هذا السياق، يعرض الفيلم لهذه التجربة الرائعة من خلال عرض لسيرك وظف بعض عناصر الفرجة المسرحية وكان من إخراج لوران كاشيه، وقد اختار له فضاء باخرة كبيرة ترسو على نهر أبي رقراق، والجمهور يتابع ذلك من ضفتي سلاوالرباط، وقد قدمت فيه كل ألعاب السيرك البهلوانية والرياضية وألعاب الحركة والخفة وغيرها، شارك فيها فنانون من البرتغال وإسبانيا وفنزويلا وفرنسا، إضافة إلى الطفلين بطلي الفيلم، اللذين وجدا نفسيهما وسط هؤلاء المحترفين. وتدور قصة العرض حول قراصنة استلهمهم المخرج من تاريخ مدينة سلا القديم. فيلم «فوق الحبل» الذي رصد هذه التجربة لطفولة تخطت الواقع المعيش بملامحه اللا طفولية، سبق أن أثير موضوعه مع نبيل عيوش في»علي زاوا» في إطار معالجة روائية، وهذا الأخير هو من قام بإنتاج هذا الفيلم عبر شركة عليان. يقول مخرج «الحبل» ل»المساء» إنه حاول أن يستعيد تجربة الطفلين ليس عبر الحكي بالصور اعتمادا على تمثيل الأحداث، بل اعتمادا على حكي الشخصيات كحالة حقيقية ليضمن التلقائية قي القول والتعبير، ويعطي مساحة للأحاسيس في أن تنسج لقطاتها في قلب الشخصيات وتتصيد المنفلت والتلقائي، ولا تفرض عليها التموقع أمامها خدمة للموضوع، وهي عملية رتب لها المخرج من خلال نسج علاقة حميمة مع الطفلين وكسب صداقتهما قبل أن ينطلق التصوير الذي دام مدة شهرين. المخرج عثمان الناصري في تعليقه على الفيلم، يلاحظ أن «أسلوب المثنى خاص ومتفرد و يجمع بين رهافة الحس والكوميديا، كما نلمس هذا في اللقطة التي صور فيها هاجر وهي مقلوبة ومعلقة في الحبل وفي نفس الآن تجري حوارا مع المخرج. إنه يحاول دائما الاقتراب من شخوصه، ويعطيهم قيمتهم الحقيقية بالشكل الذي يصدم المتفرج الذي يكون في ذهنه صورة نمطية حول هؤلاء الشخوص، وبالتالي فهو يدعوهم ليعيدوا النظر من زاوية أخرى». ويضيف أنه يحتفي بالموسيقى ويوظفها في البناء الدرامي في اللحظة والحين وكأنه يستشعر أن المتفرج في تلك اللحظة يكون في حالة انتظار، وبذلك يخلق المفاجأة. ويعد هذا ثاني فيلم لوحيد المثنى بعد فيلمه الأول «الكومبارس» الذي صوره بورزازات ومثل به المغرب في مهرجان الجزيرة للفيلم الوثائقي في نسخته الثالثة.