العدوان الإسرائيلي، المستمر منذ أربعة أيام على قطاع غزة والذي أوقع حتى الآن ما يقرب من مائة شهيد وأعدادا كبيرة من الجرحى، ممكن أن يشكل فرصة ذهبية للقيادة المصرية الجديدة لتحقيق المصالحة الوطنية، واستعادة دورها الإقليمي والدولي ومكانتها في قلوب وعقول العرب والمسلمين، بتصديها لهذا العدوان بقوة وشجاعة، والوقوف إلى جانب الضحية ونصرتها، ولكنها مترددة في ذلك ولا نفهم أسباب هذا التردد ومبرراته حتى الآن. ما كنا نتمنى أن تقدم هذه القيادة على فتح معبر رفح أمام الجرحى والمرضى للعلاج في المستشفيات المصرية بعد أن ضاقت بهم مستشفيات القطاع الفقيرة بالكفاءات والأدوية، والمزدحمة بالضحايا، بناء على طلب بان كي مون، أمين عام الأممالمتحدة، فمثل هذه الخطوة الإنسانية والأخلاقية يجب أن تتخذ بوازع وطني، وهذا المعبر، المنفذ الوحيد لأكثر من مليوني إنسان، ما كان يجب أن يغلق ليوم واحد من الأساس. ندرك جيدا أن القيادة المصرية الجديدة تكن كرها لحركة «حماس» أكثر من كراهية نتنياهو لها، ولكن الذي يدفع الثمن في قطاع غزة ليس حركة «حماس» وإنما الأبرياء من أبنائه، ثم إن الذين يقاومون هذا العدوان الوحشي خليط من فصائل مقاومة عديدة، بعضُها على علاقة طيبة بمصر. مصر عزيزة على قلب كل إنسان عربي، والفلسطيني على وجه الخصوص، ويتوقعون من قيادتها أن تكون دائما في طليعة المدافعين عن كرامة هذه الأمة وقضاياها العادلة، والمنتصرين لآهات الجرحى وأهالي الشهداء، ووضع كل الخلافات جانبا عندما يكون المعتدي إسرائيليا والضحايا عربا ومسلمين وفي مثل هذا الشهر الفضيل. يقول المدافعون عن هذه «الكراهية» إن حركة «حماس» تعاونت مع حركة الإخوان المسلمين، وانحازت إلى النظام الذي ولد من رحمها، ولكن أليس الرئيس محمد مرسي عندما انحازت إليه وإلى حكمه هذه الحركة مصريا، ومنتخبا بطريقة شرعية نزيهة من الأغلبية المصرية؟ وأليس هذا الرئيس هو الذي اختار الرئيس الحالي المشير عبد الفتاح السيسي قائدا للجيش المصري ووزيرا للدفاع؟ المتحدثون باسم النظام المصري يقولون، أيضا، إنه لا توجد دولة في العالم تقبل بوجود أنفاق تحت حدودها، وهذا صحيح، ولكن ألم يسأل هؤلاء أنفسهم سؤالا بسيطا، وهو عن الأسباب التي دفعت أهل قطاع غزة، أو حفنه منهم، إلى اللجوء إلى حفر هذه الأنفاق، أليس الحصارُ المزدوج الظالم من قبل إسرائيل والسلطات المصرية معا وإغلاقُ المعبر لأشهر متواصلة السببَ في ذلك؟ قطاع غزة ليس دولة جارة، وإنما امتدادا حيويا أصيلا للأمن القومي المصري، وقاعدة للمقاومة في مواجهة الاحتلال، الذي يتلذذ بقتل العرب والمسلمين وسرقة الأرض وإقامة المستوطنات عليها وهدم المقدسات وحرق الأطفال، سواء بإجبارهم على شرب البنزين وإشعال النيران في أجسادهم الطاهرة أو بقنابل الفوسفور الأبيض. هذه المقاومة تقوم بما عجزت عنه كل الجيوش العربية بالتصدي لمحتلي المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والحرم الإبراهيمي، وكل الأراضي الفلسطينية؛ فعندما تصل صواريخ هذه المقاومة إلى القدسالمحتلة، وتدفع بمئات الآلاف من مستوطنيها إلى الملاجئ خوفا وذعرا، وقبلها في تل أبيب وحيفا وديمونا، فإن هذه الجيوش العربية وجنرالاتها التي أنفقت مئات المليارات على تسليحها وتدريبها يجب أن تشعر بالخجل. المقاومة التي وأدتها مبادرة السلام العربية والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربيةالمحتلة، لن توأد في قطاع غزة، وستظل نقطة إشعاع مشرفة في نفق هذه الأمة المظلم. سيقف أهل القطاع العزل، المحاصرين من الأشقاء قبل الأعداء، وحدهم في هذه المواجهة، ولن ينحنوا إلا لله، وإذا استشهدوا فسيستشهدون واقفين شامخين في شهر التضحية والفداء، أما الآخرون الذين يدّعون التقوى والصلاح فهم الخاسرون دينا ودنيا، ولن تغفر لهم شعوبهم تواطؤهم مع العدو والانحياز إلى العدوان بصمتهم عليه. نكتب بعاطفية.. نعم.. فعندما نرى أهلنا يذبحون بصواريخ الطائرات الإسرائيلية، ووجوه الشهداء الطاهرة في مشارح المستشفيات التي ضاقت بهم.. فلا مكان للتحليل وصف الكلمات، فلسنا ولن نكون محايدين.. أو نقف في خندق الصامتين المتواطئين. عبد الباري عطوان