مرت الآن أزيد من أسبوعين على الفاجعة التي أودت بحياة أربعة عمال في منطقة طنجة المتوسط خلال عمليات حفر لإقامة مشروع مرتبط بميناء طنجة المتوسط، ولم يظهر إلى حد الآن أي تقرير رسمي أو غير رسمي يحدد المسؤوليات ويدين الجهات المتورطة. وكان أربعة عمال لقوا حتفهم في حادثة غير مسبوقة حينما انهارت أطنان من الأتربة خلال عمليات حفر في منطقة قصر المجاز، المجاورة للميناء المتوسطي، الذي يوصف بأنه أكبر مشروع اقتصادي في المغرب الحديث، والذي ترتبط به مئات المقاولات في المنطقة وفي عدد من المدن المغربية. وبينت التحقيقات الأولية أن عمليات الحفر كانت تجري من دون أية إجراءات وقائية، حيث كان العمال يقومون بالحفر بطريقة عشوائية، ولم توفر لهم الجهات المالكة للمشروع أي نوع من الحماية، غير أن التحقيقات توقفت عند هذا الحد، مما يطرح أسئلة كثيرة حول ظروف وأسباب توقف التحقيقات. وكان مشروع الحفر في ملكية مستشار جماعي بالمنطقة يدعى عبد السلام الحسناوي، والذي يملك عددا من المشاريع المرتبطة بالميناء المتوسطي، التي يثار حولها الكثير من الجدل. وتقول مصادر من المنطقة إن المشروع الذي كان يزمع إقامته في المكان المعرض للانهيار لم يخضع لأية دراسة تقنية، إذ بدأ عشرات العمال الحفر من دون أية إجراءات وقائية، وأكثر من هذا من دون أية ضمانات مهنية أو قانونية. ووصفت هذه المصادر هذا المشروع بأنه غير قانوني بالمرة، وأن نفوذ صاحبه جعل أعين السلطات تغمض عنه العين، وهو النفوذ الذي دفع أيضا إلى إقبار تبعات الحادث وإسكات أهالي الضحايا من أجل عدم الكشف عن جبل الجليد الذي يقبع تحت الماء. وأماطت هذه الحادثة اللثام عن أوجه خفية بمنطقة طنجة المتوسط، التي تعرف خلق مشاريع عملاقة لها ارتباط بالاقتصاد العالمي، غير أن أبسط وسائل الوقاية منعدمة، بما فيها الوسائل التي ينبغي توفرها لأفراد الوقاية المدنية. وعند وقوع الحادث اضطر العمال الناجون إلى البحث عن رفاقهم تحت الأنقاض عبر استعمال الوسائل نفسها التي كانوا يحفرون بها. وعندما حضر أفراد الوقاية المدنية متأخرين فإنهم استعملوا أيضا وسائل بدائية في البحث عن المفقودين تحت الأنقاض، وهو ما يطرح تساؤلات محيرة حول منطقة تدور في فلكها آلاف الملايير، بينما لا تتوفر أجهزة الوقاية المدنية على سوائل عصرية لانتشال عمال تحت التراب، بل إن منطقة طنجة المتوسط بكاملها لا تتوفر على مصلحة للوقاية المدنية. وكان من المؤلم لمئات السكان الذين كانوا يعاينون عمليات البحث، أن يتدخل «طراكس» لانتشال الجثث من تحت التراب، وهو ما أدى إلى تمزيق جسد أحد العمال بواسطة «الأسنان» الحديدية العملاقة لهذه الآلة، حيث لم يعرف إن كان مازال حيا عندما مزقه «الطراكس» أم كان جثة هامدة. لكن الشيء الأكثر غرابة في هذا الحادث هو أن اثنين من العمال الناجين، من بين خمسة كانوا تحت الأنقاض، تم نقلهم إلى مستشفى محمد الخامس بطنجة، على بعد أزيد من 40 كيلومترا من مكان الحادث، لأن المنطقة القريبة من ميناء طنجة المتوسط لا تتوفر على أي مستشفى. ويوجد في جماعة قصر المجاز مستوصف لا يستحق أصلا أن يحمل هذا الاسم، حيث يوجد فيه ممرض واحد وغائب طوال الوقت، كما أنه يتم استدعاؤه في كثير من المرات للعمل في داخل الميناء المتوسطي، وهو ما يطرح أسئلة محيرة حول كيف يشتغل ممرض أو طبيب عمومي مع مؤسسة خصوصية، في الوقت الذي يبقى فيه آلاف السكان في المنطقة من دون أية عناية طبية. وكان السكان يتوقعون أن تكون للحادثة الأليمة التي أدت إلى وفاة أربعة عمال، تبعات قانونية من حيث إنزال العقاب بالمسؤولين عنها ومحاسبتهم على البدء في أشغال لا تتوفر على أدنى إجراءات الحماية، بالإضافة إلى محاسبة سلطات المنطقة التي سمحت بهذه الأشغال المخالفة للقانون. ووفق مصادر بالمنطقة فإن الوكالة الحضرية كان من المفترض أن تقوم بمراقبة الأشغال التي تجري في المنطقة وتتبع طريقة إنجازها، غير أن ذلك لم يحدث. ووفق معلومات حصلت عليها «المساء» فإن مشروع المستشار الجماعي، عبد السلام الحسناوي، كان يفتقر لكل المقومات التقنية والقانونية لإنجازه، غير أن الطريقة التي تجري بها الكثير من المشاريع في محيط ميناء طنجة المتوسط تدفع إلى الاعتقاد بأن هذا الشخص استطاع بدء مشروعه بالطريقة نفسها التي أقام بها من قبل فندقا مجاورا للميناء، وهو فندق تم بناؤه من دون الحصول على أية رخصة، قبل أن يتمكن الحسناوي، في وقت لاحق وفي ظروف غامضة، من الحصول على رخصة استثنائية. اليوم، يسود صمت غريب بعد تلك الحادثة المفجعة، وأهالي الضحايا دفنوا أمواتهم في ظروف مثيرة للاستغراب، بينما تنتشر إشاعات كثيرة في المنطقة، وهو ما يثبت أن ما يجري في محيط ميناء طنجة المتوسط تحكمه قواعد استثنائية لا تحكم باقي الأشياء في باقي مناطق المغرب.