الأرقام الجديدة المتعلقة بالبطالة تكشف أن وصفات الحكومة لاجتثاث منابع هذه المعضلة الاجتماعية ما فتئت تفشل الواحدة تلو الأخرى، في وقت يذهب الخبراء إلى أن التشبث بالبرامج والاستراتيجيات القديمة التي أثبتت فشلها، سابقا، هو السبب الرئيس في استمرار هذا الإخفاق، كما أن استمرار رئيس الحكومة في نهج أسلوب التحدي و»العين الحمرا» في معالجة ملفات المعطلين يهدد بتفاقم الوضع الاجتماعي المزري وبلوغه درجه الانفجار في أي وقت. أعادت أرقام البطالة، التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط، مؤخرا، الجدل من جديد حول نجاح الحكومة في إيجاد الوصفة السحرية لمواجهة جحافل العاطلين، الذين تحولوا إلى قنبلة موقوتة تهدد السلم الاجتماعي للبلاد. في وقت تؤكد فيه المعطيات أن تراجع مستوى النمو في القطاعات الاقتصادية سيكون ثمنه ارتفاعا متزايدا في أعداد العاطلين، وهو الأمر الذي دفع صندوق النقد الدولي ونقابة «الباطرونا» إلى دق ناقوس الخطر. البطالة في أعلى مستوياتها منذ سنوات لم تجد وعود بنكيران بخفض معدل البطالة في المغرب إلى 8 في المائة طريقها نحو التحقق، بل على العكس من ذلك سجلت الحكومة انتكاسة قوية في مجال محاربة هذه المعضلة الاجتماعية منذ بداية السنة الجارية، بعد أن قفز عدد العاطلين في المغرب بحوالي 10.7 في المائة، لينتقل من مليون و77 ألفا خلال الفصل الأول من سنة 2013 إلى مليون و191 ألف عاطل خلال نفس الفصل من السنة الجارية، أي بزيادة قدرها 114 ألف عاطل، منهم 74 ألفا بالوسط الحضري و40 ألفا بالوسط القروي. وقد ساهمت هذه الوضعية، حسب المذكرة الإخبارية الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط، حول وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2014، في تفاقم معدل البطالة، حيث قفز من 9.4 في المائة خلال 2013، إلى 10.2 في المائة خلال الفصل الأول من 2014. وحسب وسط الإقامة، انتقل هذا المعدل من 13.7 إلى 14.6 في المائة بالوسط الحضري، ومن 4.4 إلى 5.1 في المائة بالوسط القروي. وسجلت أهم الارتفاعات بالوسط الحضري لدى الحاصلين على شهادة (1.7 نقطة) والنساء (1.4 نقطة) والشباب البالغين من العمر ما بين 15 و24 سنة (1.1 نقطة)، أما بالوسط القروي فقد شمل هذا الارتفاع أساسا الأشخاص البالغين من العمر ما بين 35 و44 سنة (1.1 نقطة). ولم يتمكن الاقتصاد الوطني من تقليص مستوى البطالة ما بين الفصل الأول من سنة 2013 ونفس الفترة من سنة 2014، رغم خلقه لحوالي 89 ألف منصب شغل جديد، 46 ألفا بالوسط الحضري و43 ألفا بالوسط القروي، منها 85 ألف منصب لصالح النساء. تحذيرات من صندوق النقد ونقابة «الباطرونا» وقد أعادت الأرقام المقلقة الجديدة حول البطالة الجدل من جديد حول نجاح الحكومة في إيجاد الوصفة السحرية لمواجهة جحافل العاطلين، الذين تحولوا إلى قنبلة موقوتة تهدد السلم الاجتماعي للبلاد. وهو الأمر الذي دفع مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، خلال زيارتها الأخيرة إلى المغرب، إلى دق ناقوس الخطر جراء البطالة في صفوف الشباب، التي قالت إنها تبقى في مستويات مهمة، مشيرة إلى أنها تناولت الموضوع مع المسؤولين المغاربة للنظر في الحلول التي يمكن أن تساعد على الحد منها. غير أن لاغارد اعترفت بأنه ليس لديها أي «حل سحري» لإنهاء نسبة البطالة المتفشية في صفوف الشباب، مؤكدة أن الشيء الوحيد الذي يمكن التأكيد عليه هو أن معالجة البطالة، خاصة بين الشباب، تمثل أولوية قصوى على مستوى السياسات العمومية، رغم تباين التحديات التي تواجه كل بلد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومن جهتها، حذرت الأرقام التي تضمنها بارومتر الظرفية لدى المقاولات الصادر عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، من زيادة ملحوظة في أعداد المعطلين في الشهور الأخيرة، حيث أكدت 25 في المائة من المقاولات أنها قامت خلال الفصل الأول من السنة الجارية بتسريح بعض عمالها، في حين توقعت 16 في المائة من المقاولات أن تلجأ إلى عمليات تسريح جديدة للعمال خلال الشهور الثلاثة المقبلة. وحسب البارومتر، فإن قطاع البناء والأشغال العمومية كان الأكثر تأثرا بعملية تسريح العمال، حيث إن 39 في المائة من المقاولات قامت بخفض عدد مستخدميها. وارتبطت عمليات التسريح بالخصوص بتراجع مستوى الاستثمار لدى المقاولات التي تأثرت بالأزمة وبضعف موارد التمويل، حيث صرحت 72 في المائة من المقاولات بأنها عجزت عن الاستثمار خلال الشهور الثلاثة من السنة الجارية، بينما توقعت 50 في المائة من المقاولات أنها لن تقوم بأي استثمارات خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. وقد انعكست الأرقام الجديدة للبطالة على ثقة المغاربة في إيجاد فرص عمل خلال الفترة المقبلة، حيث كشفت المذكرة الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط حول توقعات الظرفية لدى الأسر، أنه خلال الفصل الأول من 2014، توقعت 77.4 في المائة من الأسر ارتفاعا في عدد العاطلين خلال 12 شهرا المقبلة، مقابل 75.4 في المائة في الفصل السابق و72.4 في المائة في السنة الماضية. دعوات إلى تحرك عاجل للحكومة وبينما يرى العديد من الاقتصاديين أن الظرفية الحالية لن تسمح نهائيا بتحقيق مزيد من المكاسب على مستوى محاربة البطالة، خاصة أن الاتجاه العام للبطالة في العالم يتجه نحو الارتفاع، فمعدل البطالة يستقر مثلا في أوربا في حدود 10.1 في المائة. يعتقد هؤلاء أن الحكومة ستجد صعوبة كبيرة في تحقيق معدل النمو الكافي لتجفيف منابع البطالة، وبالتالي لن يكون الطريق إلى محاربة هذه المعضلة مفروشا بالورود، خاصة أن كل المؤشرات تدل على تراجع في الإنتاج خلال السنة الجارية. وبالمقابل، يطرح الاقتصاديون علامات استفهام كثيرة حول أسباب فشل برامج التشغيل التي أطلقتها الحكومة للتقليص من عدد العاطلين، مؤكدين في الوقت ذاته أنه من خلال دراسة بسيطة للوضع الراهن، فإن تشبث الحكومة بالاستراتيجيات والبرامج الفاشلة هو السبب الرئيسي وراء استمرار الوضع على ما هو عليه. وأعلن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، أنه بصدد إعداد أول استراتيجية وطنية للتشغيل، لمعالجة هذه الإشكالية وفق مقاربة أفقية شمولية ومندمجة. ويطالب المراقبون الحكومة بتنزيل الاستراتيجية الجديدة، التي أعلن عنها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران منذ شهور، والتي قال إنها تهدف إلى التوفر على رؤية ووضع إطار تنسيقي لمختلف المتدخلين والفاعلين المعنيين بالتشغيل، وإدماج أهداف التشغيل ضمن السياسات الاقتصادية، وملاءمة الإطار القانوني المتعلق بسوق الشغل وبعلاقات الشغل، انطلاقا من تشخيص دقيق لواقع التشغيل بالمغرب. وكان بنكيران صرح بأنه شرع في إعداد جيل جديد من الإجراءات لإنعاش التشغيل، تستهدف بالأساس تحسين قابلية التشغيل وملاءمة مؤهلات الباحثين عن الشغل مع حاجيات المقاولات، مضيفا أن الحكومة تعمل على إنعاش وتنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني باعتباره اقتصادا للقرب، من خلال الأنشطة المدرة للدخل، بهدف إنعاش التشغيل محليا. وأشار إلى أن الحكومة تعمل بالتنسيق مع مختلف المتدخلين، على تشجيع الإدماج المباشر في القطاع الخاص وتطوير السياسة الإرادية لإنعاش التشغيل عبر مواصلة تنفيذ البرامج الإرادية لإنعاش التشغيل مع تطويرها وتحسين أدائها على ضوء نتائج الدراسات التقييمية التي قامت بها الحكومة، مبرزا أن الأمر يتعلق ببرنامج «إدماج» وبرنامج «تأهيل» وبرنامج «مقاولتي». وذكر بأن هذه البرامج مكنت منذ إحداثها إلى غاية متم شهر غشت 2013 من إدماج 377 ألف شخص وتأهيل 101.500 شاب باحث عن العمل، 45 في المائة منهم إناث ومواكبة أزيد من 30.500 حامل مشروع وإحداث أكثر من 5.100 مقاولة صغرى ساهمت في توفير ما يناهز 14.120 منصب شغل. وقال بنكيران إنه سيتواصل تفعيل هذه البرامج التي ستمكن برسم سنة 2014، من «إدماج» 55 ألف مستفيد و»تأهيل» 18 ألف باحث عن الشغل ومواكبة 1.500 حامل للمشروع في إطار التشغيل الذاتي، مضيفا أنه بالنظر لأهمية هذه البرامج والاعتمادات المخصصة لها في إطار صندوق دعم تشغيل الشباب، والتي تقدر ب 2.28 مليار درهم برسم سنوات 2012-2014، فإن فعاليتها تبقى نسبية، حيث تستفيد منها مقاولات كبرى ليست في حاجة إليها، في حين لا تستفيد منها كثير من المقاولات الصغرى والمتوسطة، رغم دورها في إحداث مناصب الشغل، لذلك، فإن الحكومة بصدد تقييمها من أجل العمل على مراجعتها. توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمحاربة البطالة في مهب الريح يبدو أن حكومة بنكيران لا تستفيد من التقارير والتوصيات المحذرة من معضلة البطالة، خاصة في صفوف الشباب، فقد اعتبر تقرير سابق صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أن تشغيل الشباب يظل «هشا وغير مستقر»، لأن مناصب الشغل التي يشغلها الشباب غالبا ما تكون أقل أجرا من غيرها، ونادرا ما تكون تعاقدية وقلما تتمتع بنظام الحماية الاجتماعية، ذلك أن أكثر من 40 في المائة من الشباب العاملين يشتغلون بدون أجر، وأقل من 10 بالمائة يستفيد من التغطية الصحية، وأكثر من 8 شباب أجراء من أصل 10 يشتغلون بدون عقد عمل. وأوضح التقرير، الذي صادق عليه المجلس في دورته العادية العاشرة، أن نسبة البطالة بلغت 14.8 بالمائة عند الشباب من الفئة العمرية 15-34 سنة، و16.7 بالمائة عند الشباب من فئة 15-24 سنة، مضيفا أن تشغيل الشباب ما بين 15 و34 سنة، والذين يمثلون أكثر من نصف السكان في سن العمل، يتميز بنسبة نشاط منخفضة لا تتجاوز 48 في المائة. ولاحظ التقرير أن تشغيل الشباب في المغرب يتميز بطول مدة البطالة، بحكم أن 65.8 في المائة من الشباب العاطلين يعانون من البطالة منذ أزيد من سنة، علما أن هذه النسبة ترتفع إلى 74.4 في المائة بين صفوف حاملي الشهادات العليا. كما أن ثلاثة أرباع الشباب العاطلين في الوسط الحضري يعانون من البطالة منذ سنة. وأكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن الشباب حاملي الشهادات هم الأكثر تضررا من البطالة، حيث بلغت نسبة البطالة سنة 2010 في صفوف هذه الفئة (التعليم العالي) 18.1 في المائة، مقابل 4.5 في المائة في صفوف من هم بدون شهادة. ولمواجهة هذا الوضع، حث تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي على ضرورة إحداث تغيير ملموس في نموذج النمو الاقتصادي من أجل تقديم جواب دائم لقضية تشغيل الشباب، وإدخال إصلاح عميق على نظام التربية والتكوين بكل مكوناته، لاسيما من خلال دعم التناسب ما بين التكوين والشغل وتطوير الجسور ما بين الجامعة والمقاولة، واعتماد حكامة ترابية تحرر الطاقات وتعبئ المبادرات المحلية عبر تنزيل سياسات التشغيل حسب خصوصيات كل جهة. واقترح التقرير عشرة إجراءات من شأنها أن تشكل حلولا أولية، تساهم في إعادة الثقة لفئات عريضة من الشباب المغربي. وتهم هذه الاقترحات، على وجه الخصوص، ضبط حكامة سوق الشغل، والتدخلات في مجالات عروض وطلبات الشغل، وتقويم سوق الشغل. وأوصى المجلس بضرورة إعادة النظر في حكامة منظومة إنعاش الشغل في اتجاه التجانس العام لمكوناتها، ووضع آليات الحكامة المدعمة بمرصد وطني للتكوين والشغل وإصلاح الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل، وتطوير التدبير الترابي للسياسات العمومية المرتبطة بإنعاش التشغيل، وإشراك الفاعلين المعنيين. كما أوصى التقرير بتحسين الإطار القانوني العام لإنعاش التشغيل من أجل التحفيز على إحداث مناصب شغل لائقة في بعض القطاعات، وبتشجيع التشغيل الذاتي وإحداث المقاولات الصغيرة جدا وتطوير الأنشطة المدرة للدخل.