لم يكن أشد المتشائمين يرسم في مخيلته السيناريو التراجيدي الذي آلت إليه مباراة المنتخب المغربي ونظيره الغابوني، فكل شيء كان مصمما على مقاس الانتصار، والجميع نصب خيام الفرح ونصب نفسه زعيما للمجموعة الأولى مباشرة بعد انهزام المنتخب الكاميروني أمام الطوغو، قبل أن يطلق الحكم السينغالي دياتا بدرة في صافرته معلنا بداية المباراة. انهزم المنتخب المغربي في عقر داره أمام المنتخب الغابوني بهدفين مقابل هدف واحد، وتبين أن هواة الرهان الرياضي خسروا كل شيء، لأنه على الورق كان الفوز حليف المغاربة وعلى العشب انقلب كل شيء، فضربت الهزينة في الصميم أنفة المغاربة وتاريخهم وما تبقى من كبريائهم. توالت النكبات على المنتخب منذ أن حل بالدارالبيضاء، تداريب تخللتها حالات توتر بين اللاعبين تؤكد أن تيار الانسجام لا يمر بشكل جيد، وتطورت الملاسنات بين عنصرين إلى حد الاشتباك بالأيدي، بل إن التيار الكهربائي تمرد بدوره وكاد أن يفسد الأمسية. قبل أن يلج الوفد الإعلامي الغابوني بوابة مركب محمد الخامس، قال أحدهم للقناة الثانية إن منتخب بلادهم عازم على العودة بنتيجة إيجابية من الدارالبيضاء، وأن الفوز على المغرب في عقر داره ليس مستحيلا، اعتقد بعض المشجعين، الذين اعتادوا الانسلال داخل مجال الكاميرا كلما تعلق الأمر باستجواب، أن الصحفي الغابوني يحتاج إلى دجال لترجمة أقواله على البساط الأخضر، لكن تبين أن الحلم مشروع وأن زمن التصنيفات قد ولى إلى غير رجعة. كان كل شيء يسير على ما يرام، قبل أن يصفع الغابونيون الجمهور بهدفين، سيطر الذهول على محيا الجميع، ووقف لومير كتمثال في ساحة عمومية لا يتحرك، وحدها زفراته تكشف عن سريان الحياة في جسده. ثار الجمهور في وجه الرداءة وطالب اللاعبين بالتحلي بروح المسؤولية، ورمى بالقنينات وما ملكت يده تجاه كرسي البدلاء، لسوء الحظ أغلب القنينات اخطأت الطريق ونزلت فوق رأس الفرقة النحاسية التي لا يد لها في ما حصل. قال صحفي غابوني، وهو ينقل من منصة الصحافة المكتوبة أطوار المباراة للإذاعة الغابونية بواسطة هاتف رخيص، «الكرة الغابونية تكتب تاريخها من كازابلانكا، من حق الغابون أن تنافس على كأس العالم، الحلم في عالم الكرة مشروع»، بينما ردد الجمهور المغربي الغاضب لازمة قدحية في حق جامعة الكرة، وطالب بتعيين الزاكي على رأس الطاقم التقني، فيما طالبت الجماهير الرجاوية بإشراك اللاعب مروان زمامة. في فترة ما بين الشوطين، عاشت المنصة الصحفية جدلا حول الخطة ونقاشا حول التركيبة البشرية، وتبين أن عشرات «اللوميرات» مستعدة لتقديم استشارتها التقنية التي تختزل النكبة في خطأ لاعب أو سوء تقدير، أغلب هؤلاء قالوا عقب مباراة المغرب ضد التشيك، إن المنتخب المغربي عثر على الفريق النموذجي، لكن تبين أن التشيكيين باعونا أقراص الوهم. ومن المفارقات العجيبة في مباراة المغرب ضد الغابون، أن يكتفي لومير بثلات حصص تدريبية لخوض مباراة مؤثرة، بل إن التحضير أصبح معكوسا حين يجري المنتخب المغربي مباراة ودية إعدادية أمام أنغولا، بعد يومين من مباراة رسمية، فالوديات تجرى قبل الرسميات وليس العكس. حاول الجمهور، أو ما تبقى منه، ابتلاع الخسارة والإيمان بجوده الدقائق الأخيرة، لكن تبين أن بعض المحترفين يلعبون بروح إشهارية واضعين روح الوطن في حقائبهم، ليعلن الحكم عن خسارة مستفزة في عقر الدار بهدفين لواحد. ساد صمت رهيب منصة الصحافة وحده واصف لإذاعة أمازيغية ظل يردد «أوريلي التركيز»، فيما نسب المتفائلون الهزيمة لتعاويذ ساحر إفريقي. ظلت عناصر المنتخب المغربي أسيرة مستودع الملابس، تنصت لخطبة أوزال في شرود تام، بينما انهمك الحرس الخاص والعام في التأكد من هوية الواقفين أمام المستودع والذين تتزاحم في أذهانهم أسئلة الخوف والقلق، فأول الغيث نكبة.