نشرت «المساء» في عدد نهاية الأسبوع ملفا يتضمن حقائق خطيرة عن عمل لوبيات الأدوية في المغرب وعن الحيل التي تختبئ وراءها من أجل إيهام الجميع أن لاشيء من معاملاتها يسمو على القانون وعلى الأخلاق وعلى الرسالة النبيلة للمهن المرتبطة بالطب. الأكيد من كل الحكاية، أن «المجدوب» عبد العزيز أفتاتي، أحد أشهر من وظفوا مصطلحات الدولة العميقة والموازية، لم يسبق له، بتاتا، أن أخبر المغاربة أن هناك شركات كبرى بالمغرب تبيع الأدوية بضعف ثمنها 5000 مرة بالمقارنة مع الثمن الذي تقدمه في طلبات العروض لدى وزارة الصحة، ولم يسبق له، أيضا، أن أشار، ولو على سبيل التلميح، إلى أن تلك الشركات تتوفر على لوبي حقيقي داخل وزارة والصحة وداخل البرلمان، ويمكن في أي لحظة أن تغير مجرى القوانين لصالحها. أن تتحدث عن الدولة العميقة ودورها في التحكم في الخارطة الحزبية والتدخل في مؤتمرات الأحزاب المغربية أمر محمود وتستوجبه الديمقراطية الناشئة في المغرب وهامش الحرية الذي تحقق بعد الحراك الشبابي، لكن ليس من المحمود أن يرتكن الجميع إلى الصمت في قضية تهم المغاربة أكثر مما تهمهم بعض المصطلحات التي أصبحت لصيقة بالقاموس السياسي المغربي، إذ كيف يعقل أن ينقاد المواطن المسحوق أصلا لجشع أصحاب شركات وطنية وعالمية دون أن يحميه أحد، بل الأخطر من كل ذلك، أن هاته الشركات تفرض نوعا من الاحتكار على الأدوية باهظة الثمن التي تتجاوز عشرين ألف درهم تحت يافطة براءة الاختراع، وحينما أرادت بعض التعاضديات أن تواجه هذا اللوبي، أصيبت بالإحباط بعدما وجدت نفسها في اليوم الموالي في اصطدام مباشر مع جمعيات قيل إنها أسست لحماية مصالح المرضى، ومع منابر صحافية تدعي، زورا وبهتانا، الدفاع عن مصالح الناس وحقهم في الحياة. الدولة العميقة التي لا يعرفها أفتاتي، هي هذه بالضبط التي تثقب جيوب المغاربة، والمتحكمة في رقاب الناس بحماية من القانون نفسه وبحماية من جماعات ضغط استطابت أكثر من نصف قرن الأرباح الطائلة المتحققة من وراء هذه التجارة المربحة. المغاربة، اليوم، لا يعبؤون ببعض الشعارات السياسية البائدة، لأنها ببساطة لا تغير معيشهم اليومي، فما الفائدة بعد مرور ثلاث سنوات من المصادقة على الدستور الجديد، أن يخرج أفتاتي وغير أفتاتي للقول إن الحكومة التي يقودها حزبه ما تزال تواجه مقاومة شرسة من مختلف أصناف الحيوانات، في حين أن المغاربة يكتوون بنيران شركات الأدوية وغلاء الأسعار أينما ولوا وجوهم. لا يحتاج قادة حزب العدالة والتنمية ومعهم بعض حلفاء الأغلبية الحكومية الهشة إلى مجهود كبير لوضع الأصبع على الجرح النازف، فما توصلنا إليه في الملف الأسبوعي حول لوبيات الأدوية يكشف عن وجه خطير من الريع ومن الفساد «المقنن». صحيح أن الأذكياء الذين يحميهم القانون لا يتركون أيا من آثار الجريمة، لكن الحكومة جهاز قوي يتوفر على إمكانيات غير محدودة لوقف تلك الشركات عند حدها وتفكيك الشبكة الواسعة التي تستعين بها لابتزاز الحكومة نفسها وابتزاز المرضى وجمعيات المجتمع المدني. ما لا يعرفه أفتاتي، علاوة على ذلك، أن نسبة أرباح شركات الأدوية بالمغرب تفوق بكثير ما يجنيه المزارعون البسطاء للكيف في أقصى المغرب العميق، وأن تلك النسبة المضاعفة بحوالي 7000 مرة بالمقارنة مع بلد مثل تركيا، كافية لمعالجة جميع المرضى المغاربة. شركات ومختبرات الأدوية بالمغرب مظهر واحد للريع المتفشي في كل مكان. إنه ريع يمس القدرة الشرائية للمغاربة بشكل مباشر، ويقضم الجزء الأكبر من ميزانيتهم الهزيلة. ينبغي على الجميع في المرحلة الراهنة أن ينسى، ولو قليلا، صراعه المرير مع التماسيح ومع العفاريت، ويتفرغوا للمعركة الأهم، في تقديرنا، وهي تخليص المغاربة من نير «استعمار» ناعم اقتحم جيوبهم من دون استئذان وحول حياتهم إلى جحيم حقيقي.