يعد غابرييل w قامة روائية كبيرة يجعلك تصاب بالحيرة ولا تعرف من أين تبدأ في الحديث عنه، فهو كاتب صاحب مواقف سياسية واضحة وقوية. كما أنه كاتب مختلف ومتفرد في طريقة خلق عوالمه السردية. اللمسة ال"ماركيزية" تحضر في كافة أعماله. هذه اللمسة موجودة في كافة أعماله. هي موجودة في طريقة الحكي وفي رؤيته وتركيبه للأحداث. وأيضا طريقة رسم شخصياته وتحديد مصائرها. فهي تبقى تعيش معك دائما ولن تستطيع التخلص منها. وحتى إن حاولت ذلك تتبعك وتطاردك حتى غرفة نومك وفي أحلامك. إن عالم ماركيز يبقى حاضرا فيك. فأنت لما تقرأ ما كتب تشعر أنك أمام الحياة لا كما هي وإنما كما هي في الخيال و في الواقع معا. غارسيا روائي عظيم عاش باختلاف في العصر الحديث ، مفاجئ وبارع في الرواية. أنت مجبر كلما قرأته أن تحب عوالمه والشخصيات والأفكار التي يبتدعها. ولا غرابة فهو يكتب بحب. كما أنه جعل من الحب تيمته الأساس في كافة أعماله، بل إنها في رأيه هي ما يمكن أن ينقذ العالم من تفسخه ومن المخاطر المحدقة به. من هذه الزاوية يمكن أن ننظر عميقا إلى ماركيز، الذي كان أثره بالغا على الأدب العالمي من خلال أعماله الكبرى، التي جمعت الأحداث الخارقة بالحقائق السياسية وبيوميات أمريكا اللاتينية.. ومن ثم نالت الأعمال الخيالية لهذا الأديب، الذي امتهن الصحافة، إعجاب وتقدير القراء في العالم. في كتابه «ورشة سيناريو»، وبالضبط في الجزء المعنون ب»نزوة القص المباركة» يتحدث «غابو» عن تجربته وانغرامه بالحكي الذي أحبه إلى أقسى ما يمكن: «أبدأ بالقول إن هذه الورشة تحولت لدي إلى إدمان. فالشيء الوحيد الذي رغبت في عمله في حياتي – وهو الشيء الوحيد الذي أتقنته الى هذا الحد أو ذاك- هو رواية القصص». ويضيف معلنا عن المتعة التي وجدها في اقتسام ذلك مع الآخرين: «ولكنني لم أتصور قط بأن روايتها جماعيا ستكون ممتعة الى هذا الحد. أعترف لكم بأن سلالة الحكواتية، أولئك الشيوخ الموقرون، الذين يرتلون حكايات ومغامرات مشكوك فيها من ألف ليلة وليلة في الأسواق المراكشية، تلك السلالة هي الوحيدة غير المحكومة بمائة عام من العزلة ولا بمعاناة لعنة بابل». ويضيف: «فقد كان يبدو لي حتى الآن أنه من الصعب، حتى لا أقول من المستحيل، رصد تفاصيل نزوات ذهاب وإياب المخيلة، والإمساك فجأة باللحظة الدقيقة التي تنبثق فيها فكرة، مثل الصياد الذي يكتشف فجأة، من خلال منظار بندقيته، اللحظة الدقيقة التي يقفز فيها الأرنب. ولكن عندما يكون النص المكتوب أمامنا، فإنه سيكون من السهل على ما أعتقد عمل ذلك». جرة الحكايات» التي حولت غابو إلى كاتب كتب ماركيز في نفس الكتاب «ورشة سيناريو»: «نصف الحكايات التي بدأت بها تكويني سمعتها من أمي. إنها الآن في السابعة والثمانين – حينئذ- وهي لم تسمع قط أي كلام عن الخطاب الأدبي، ولا عن تقنيات السرد، لكنها تعرف كيف تهيئ ضربة مؤثرة، وكيف تخبئ ورقة آس في كمها خيرا من الحواة الذين يخرجون مناديل وأرانب من القبعة». ويتابع: «أتذكر أنها كانت تروي لنا شيئا في إحدى المرات، وبعد أن أتت على ذكر شخص ليس له أي علاقة بالموضوع، واصلت حكايتها بسعادة كبيرة، دون أن تعود إلى الحديث عنه، إلى أن وصلت إلى النهاية تقريبا، باف؟ ثم ظهر ذلك الشخص من جديد.. فسيطر الذهول على الجميع، وتساءلت أنا: أين تعلمت أمي هذه التقنية التي تتطلب من أحدنا حياة كاملة ليتعلمها؟». ويواصل: «في اليوم الذي اكتشفت فيه أن الشيء الوحيد الذي يهمني حقا هو رواية القصص، عقدت العزم على عمل كل ما هو ضروري لإشباع هذه الرغبة. قلت لنفسي: هذا هو ما يعنيني، ولن أسمح لأحد بأن يجبرني على التفرغ لأمر آخر. لا يمكن لكم أن تتصوروا مقدار الخداع، والمراوغات، والحيل، والأكاذيب التي كان علي أن أمارسها خلال سنوات دراستي كي أتمكن من أن أصير كاتبا. كي أستطيع مواصلة طريقي، لأنهم كانوا يريدون أن يدفعوني بالقوة إلى اتجاه آخر. بل إنني توصلت لأن أكون تلميذا متفوقا لمجرد أن يتركوني بسلام وأتمكن من الاستغراق في قراءة الشعر والروايات، وهي الشيء الذي كان يهمني». وصفت مجلة «إيكونوميست» البريطانية غابرييل غارسيا ماركيز، إثر وفاته - في تقرير على موقعها الإلكتروني- بالقول بأنه بدأ مشواره في الكتابة شاعرا وصحفيا، وأنه سخر هاتين الموهبتين في سرده للقصص بأسلوب استثنائي ساحر استطاع بفضله ما لم يستطعه غيره، من تصوير رائع للعبثية البهيجة المميزة لمنطقة أمريكا اللاتينية. ورأت المجلة ما رآه غارسيا ماركيز نفسه من أن أهم قرار اتخذه في حياته ككاتب تمثل في صحبته لوالدته عندما كان في الثانية والعشرين من عمره قاصدين «أراكاتاكا»، تلك البلدة الصغيرة المحاطة بالمستنقعات ومزارع الموز في قلب الساحل الكولومبي المطل على البحر الكاريبي، وكانت الرحلة تستهدف بيع منزل جديه لأمه حيث ولد غارسيا وقضى سنواته الثمان الأولى في كنف جديه. وأكدت المجلة أن هذه الرحلة ذاتها أحيت ذكريات الطفولة في نفس غارسيا وأثمرت روايته «مائة عام من العزلة»، التي جلبت له شهرة عالمية وجائزة نوبل في الآداب سنة 1982. عاشها ليرويها حين نستعيد شريط حياة ماركيز، نتوقف مليّاً أمام ذلك الشاب البائس الذي اهتدى إلى الرواية بالمصادفة، إثر قراءة «المسخ» لكافكا. أثارت الجملة الأولى في الرواية لديه ارتعاشة غير مسبوقة «حينما استيقظ غريغوري سامسا ذات صباح، بعد أحلام مضطربة، وجد نفسه وقد تحوّل في سريره إلى حشرة هائلة»، هذه الجملة أقنعته بيقينٍ تام بأن يهجر دراسة القانون ويتجه إلى كتابة القصة، قبل أن يغرق في سحر «ماكوندو»، المدينة المتخيّلة في روايته الأولى «عاصفة الأوراق» (1955)، وهي النسخة التجريبية من «مائة عام من العزلة»التي استغرق في التفكير بها 19عاماً. بدأ ماركيز ككاتب في صحيفة «إلإسبكتادور» الكولومبية اليومية (El Espectador)، ثمّ عمل بعدها مراسلا أجنبيا في كل من روما وباريس وبرشلونة وكراكاس ونيويورك. كان أول عمل له قصة بحار السفينة المحطمة حيث كتبه كحلقات متسلسلة في صحيفة عام 1955. كان هذا الكتاب عن قصة حقيقية لسفينة كولومبية غرقت بسبب إفراط في التحميل والوزن، عملت الحكومة على محاولة درء الحقيقة بادعاء أنها غرقت في عاصفة. سبب له هذا العمل عدم الشعور بالأمان في كولومبيا- حيث لم يرق للحكومة العسكرية ما نشره ماركيز- مما شجعه على بدء العمل كمراسل أجنبي. نشر هذا العمل في 1970 واعتبره الكثيرون رواية. ولا تقل صورة ماركيز الصحافي أهمية عن صورته كروائي. لطالما أشار إلى أهمية التحقيق الصحافي في بلورة مشروعه الروائي ورفده بوقائع كانت بمثابة المادة الخام لنزواته الروائية (حكاية بحار غريق). كان صاحب أشهر عمود صحافي لسنوات طويلة في الصحف الناطقة بالإسبانية، وقد جمع ما كتبه في أربعة مجلدات. يمكن أن نتذكّر بعض مقالاته بوصفها قصصاً مكتملة، مثل «طائرة الحسناء النائمة» التي ستقوده إلى استعادة عمل أدبي عظيم للياباني ياسوناري كاواباتا، هو «بيت الجميلات النائمات»، الرواية الوحيدة التي تمنى لو كان هو من كتبها. وسينهي حياته الأدبية بتحية إلى هذا العمل الفذّ عبر روايته «ذاكرة غانياتي الحزينات» (2004) في تناصٍ صريح مع هذه الرواية. كيف كتب الرواية الناجحة يقول ماركيز حول كيفية كتابة الرواية : إنه بلا ريب أحد الأسئلة الكثيرة التي غالباً ما توجّه إلى الروائي. ولدى المرء دوماً إجابة مرضية، تناسبُ من يوجه السؤال. لكن الأمر أبعد من ذلك: فمن المجدي محاولة الإجابة عنها لا لمتعة التنويع فحسب، كما يقال، بل لأنه يمكن الوصول من خلاله الى الحقيقة. ولأن هناك أمراً مؤكداً على ما أظن، هو أن معظم الذين يسألون أنفسهم كيف تكتب الرواية، هم الروائيون تحديداً. ونحن نقدم إلى أنفسنا أيضًا إجابة مختلفة كل مرة. وأعني بالطبع الكتّاب الذين يظنون أن الأدب فن موجّه لتحسين العالم. أما الآخرون الذين يرون أنه فنٌ مكرّسٌ لتحسين حساباتهم المصرفية، فلديهم معادلات للكتابة ليست صائبة فحسب، بل يمكن حلها بدقة متناهية كأنها معادلات رياضية. والناشرون يعرفون ذلك. كان أحدهم يتسلى منذ وقت قريب، موضحًا لي سهولة الطريقة التي تكسب بها داره للنشر الجائزة الوطنية للآداب: قبل كل شيء لا بد من دراسة أعضاء لجنة التحكيم من خلال تاريخهم الشخصي وأعمالهم وذوقهم الأدبي. ويرى الناشر أن محصلة هذه العناصر توصله إلى حد وسطي لذوق لجنة التحكيم الأدبي. ويقول: «لهذا وجد الكمبيوتر». وبعد الوصول إلى نوع الكتاب الذي يتمتع بأكبر الاحتمالات للفوز بالجائزة، ينبغي التصرف بطريقة معاكسة لما يجري في الحياة، فبدلاً من البحث أين هو هذا الكتاب، تمّ البحث عمن هو هذا الكتاب سواء كان جيداً أو رديئاً المؤهل أكثر من سواه لفبركته. وما سوى ذلك ليس إلا التوقيع على عقدٍ معه ليجلس ويكتب المواصفات المحددة، الكتاب الذي سيفوز في السنة التالية بالجائزة الوطنية للآداب. والمخيف في الأمر أن الناشر قد أخضع هذه اللعبة لمطحنة الكمبيوتر الذي أعطاه أن احتمال النجاح سبعة وثمانون في المائة. ويضيف بأن المسألة ليست إذن في كتابة رواية أو قصة قصيرة – إنما في كتابتها بجدية، حتى لو لم تبع فيما بعد ولم تنل أي جائزة. هذه هي الإجابة التي لا وجود لها، وإذا كان هناك من يملك الأسباب لمعرفة ذلك في هذه الأيام، فهو من يكتب الآن هذه السطور محاولاً من أعماقه إيجاد حلّه الخاص لهذه الأحجية. ويحكي عن تجربة مر بها :»عدتُ حديثاً إلى مكتبي الخاص في مكسيكو حيث تركت منذ سنة كاملة عددًا من القصص القصيرة غير المكتملة ورواية كنتُ بدأت في كتابتها وأحسست بأني لم أجد طرف الخيط كي تكر اللفافة». أما بخصوص القصة القصير فيقول: «بالنسبة إلى القصص القصيرة، لم أواجه أي مشكلة: ذهبت إلى سلة المهملات. فبعد قراءتها إثر سنة من الغياب الصحي، أجرؤ على القسم وربما كنت محقاً بأنني لست كاتبها. إنها تشكل جزءًا من مشروع قديم يتألف من ستين قصة قصيرة أو أكثر تتناول حياة الأميركيين اللاتينيين في أوروبا، وكان عيب هذه القصص الأساسي وسبب تمزيقها أني أنا نفسي لم أقتنع بها». ويكشف السر إلى أبعد مدى بالقول: «ليس لديّ من التبجّح ما يجعلني أقول إن يدي لم ترتعش حين مزقتها، ثم حين بعثرت القصاصات لأحول دون جمعها مجدداً. ارتعشت، ولم تكن يداي وحدهما هما اللتان ارتعشتا، لأني أحتفظ بعملية تمزيق الأوراق هذه بذكرى قد تكون مشجعة، لكنها تبدو لي مربكة. إنها ذكرى تعود إلى ليلة حزيرانية من عام 1955، عشية سفري إلى أوروبا كموفد خاص من صحيفة «الإسبكتادور»، حين جاء الشاعر خورخي غيتان دوران إلى غرفتي في بوغوتا ليطلب مني أن أترك له شيئاً ينشره في مجلة «ميتو». وكنت انتهيت من مراجعة أوراقي، فوضعت في مكان أمين ما رأيت أنه جدير بالحفظ، ومزقت ما هو ميؤوس منه». ويستمر في الحكي وكأنه يبني قصة بطريقته المعروفة :»بدأ غيتان دوران البحث في سلة المهملات عن الأوراق الممزقة، بنهمه الذي لا يرتوي أدباً، وخاصة نحو اكتشاف قيم مغمورة. وفجأة وجد شيئاً لفت انتباهه، فقال لي: «لكن هذا صالح جداً للنشر»، فأوضحت له لماذا مزقته: إنه فصل كامل انتزعته من روايتي الأولى «عاصفة الأوراق» وكانت الرواية نشرت في ذلك الحين ولا يمكن له أن يلقى مصيراً مشرفاً إلا في سلة المهملات. لم يتفق غيتان دوران مع وجهة نظري، ورأى أن النص قد يكون فائضاً عن الحاجة في مسار الرواية ولكن له قيمة مختلفة بذاته. فخوّلته ليس لقناعتي بوجهة نظره بقدر ما كان ذلك لإرضائه صلاحية ترقيع الأوراق الممزقة بشريط لاصق، ونشر الفصل على أنه قصة قصيرة. «وأي عنوان نضع له؟» سألني، مستخدماً صيغة جمع قلما كانت دقيقة كما هي في تلك الحالة. فقلت له: «لست أدري، فهذا لم يكن سوى مونولوغ لإيزابيل وهي ترى هطول المطر في ماكوندو»، وكتب غيتان دوران في الهامش العلوي للورقة الأولى، وفي الوقت نفسه الذي كنت أقول فيه: «مونولوغ ايزابيل وهي ترى هطول المطر في ماكوندو». وهكذا استعيدت من القمامة إحدى قصصي القصيرة التي قوبلت بأفضل إطراء من جانب النقد، ومن جانب القرّاء خاصة». ويضيف: «ومع ذلك، لم تفدني هذه التجربة في عدم مواصلة تمزيق أصول المخطوطات التي تبدو لي غير صالحة للنشر، بل علمتني ضرورة تمزيقها بطريقة لا يمكن معها إعادة ترقيعها ثانية». ويستنتج «إن تمزيق القصص القصيرة أمرٌ لا مناص منه، لأن كتابتها أمر أشبه بصبّ الإسمنت المسلح. أما كتابة الرواية فهي أشبه ببناء الآجر. وهذا يعني: إذا لم تنجح القصة القصيرة من المحاولة الأولى فالأفضل عدم الإصرار على كتابتها. بينما الأمر في الرواية أسهل من ذلك، إذ من الممكن العودة للبدء فيها مجدداً. وهذا ما حدث معي الآن. فلا الإيقاع، ولا الأسلوب، ولا تصوير الشخوص كانت مناسبة للرواية التي تركتها نصف مكتملة. وتفسير هذه الحالة واحد أيضاً: فحتى أنا نفسي لم أقتنع بها. ويقدم أيضا في هذا الجانب تجربته في كتابة رواية عن الحب لدى الشيوخ والصعوبة بل المحنة الكبرى التي عاناها في سبيل ذلك :»في محاولة للبحث عن حل، عدت إلى قراءة كتابين اعتقدت أنهما مفيدان، أولهما «التربية العاطفية» لفلوبير، ولم أكن قرأته منذ أرق الجامعة البعيد، فلم يفدني إلاّ في تفادي التشابهات التي كانت ستبدو مريبة، لكنه لم يحلّ لي المشكلة. أما الكتاب الآخر الذي عدت إلى قراءته فهو «بيت الجميلات النائمات» لياسوناري كواباتا، الذي صفع روحي قبل ثلاث سنوات، وما زال كتاباً جميلاً. لكنه لم ينفعني هذه المرة في شيء، لأنني كنت أبحث عن أساليب التصرف الجنسي لدى المسنين، وما وجدته في الكتاب هو سلوك المسنين اليابانيين الذي يبدو شاذاً، مثل كل ما هو ياباني، ولا أدنى علاقة له بالسلوك الجنسي لمسنّي منطقة الكاريبي». ويضيف: «عندما تحدثت عما يقلقني على المائدة، قال لي أحد ابنيّ وهو صاحب التوجه العملي -: «انتظر بضع سنوات أخرى وستدرك الأمر من خلال تجربتك الشخصية». أما الآخر وهو فنان وكان أكثر دقة وتحديداً: «عد إلى آلام فارتر»، قال لي ذلك من دون أي أثر للسخرية في صوته. فحاولتُ قراءته فعلاً، ليس لأني أبٌ مطيع جداً فحسب، إنما لأني فكرت كذلك بأن رواية غوته المشهورة قد تفيدني. لكنني لم أنته هذه المرة إلى البكاء في جنازة الشاب فارتر، كما حصل لي في المرة السابقة، ولم أستطع تجاوز الرسالة الثامنة، تلك التي يروي فيها الشاب المنكوب لصديقه غيليرم كيف بدأ يشعر بالسعادة في كوخه المتوحد. ووجدتُ نفسي باقياً في مكاني، حتى أنني لم أجد غرابة في اضطراري إلى عضّ لساني كي لا أسأل كل من التقي به: «قل لي يا أخي، اللعنة، كيف يمكن كتابة رواية؟». إن مثل هذا الحب للرواية والمعاناة من أجلها لا يمكن إلا أن يصنع أسطورة الرواية العالمية غابرييل غارسيا ماركيز.