في أول خروج له، منذ أن غادر منصبه كنائب للأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي قبل عام، انتقد العالم الموريتاني المعروف الشيخ عبد الله بن بية، رئيس مجلس الأمناء ورئيس مجلس إدارة المركز العالمي للتجديد والترشيد في لندن، الاضطرابات الحاصلة في العالم العربي لأسباب دينية، منذ اندلاع أحداث الربيع العربي، كما انتقد الثورات التي حصلت في بعض البلدان العربية باسم الإسلام. وقد اعتبرت تصريحات الشيخ بن بيه إيذانا ببداية تشكل معسكرين في المرجعية الدينية في العالم الإسلامي، الأولى يمثلها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وخاصة الشيخ القرضاوي، الذي يعيش في قطر، والثانية يمثلها «مجلس حكماء المسلمين» الذي تأسس قبل شهر في الإمارات العربية المتحدة، وضم رموزا دينية من أمثال بن بيه وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. وهاجم الشيخ بن بيه الجماعات الدينية المتطرفة والتيارات التكفيرية، قائلا إنها تنشر الفوضي. وقال إن الثورات الراهنة التي قامت في العالم العربي «شتت المجتمعات ومزقت الأمة وأسالت الدماء ودفعت العالم إلى مفاصلة إيديولوجية خطيرة»، في إشارة إلى الانقسامات الحاصلة في الدين بين مختلف التيارات المتصارعة. وقال الشيخ بن بيه، في ندوة بوانكشوط، الأسبوع الماضي، «بعد الثورات شعرنا بانحراف كبير في الأطروحات والمسلمات الفكرية وحاجة الأمة إلى تحرك العلماء والنخبة والفلاسفة من أجل إنتاج مشروع سلام للأمة»، وتابع قائلا: «السؤال الذي كان أمامنا هي حروب تدميرية وتقطيع للأرحام وتشتيت للأمة، كما أن الثورات تحركت باتجاه كل مكان، وبالتالي شعر الجميع بالخطر جراء اتساعها في الزمان والمكان، وانشطار المجتمعات الإسلامية والمفاصلات الإيديولوجية، مما دفعنا للفزع والاستنفار». وأكد بن بيه أن التحدي الذي واجهه هو ورفاقه من أهل العلم هو البحث عن حلول للمعضلات التي تواجه الأمة حاليا من داخل الشريعة، وإعادة تصحيح المفاهيم الملتبسة حاليا «واستنفارنا هو استنفار فقهي وعلمي، لأننا مجموعة من الدراويش لا علاقة لهم بالسلاح على الإطلاق». وطالب العلامة الشيخ عبد الله ولد بيه العلماء باستعادة زمام المبادرة والعمل لاستعادة السلام وفقهه، وقال إن الطريق الذي يسلكه الجهاديون والمتطرفون «ليست طريق الجنة، ويجب على الفقهاء تبيين أن طريق الجنة هي السلام والمحبة في الله». كما طالب بالمراهنة على الزمن لأنه «أولى من شق عصا الطاعة»، رافضا الخروج على السلطان «لأن طريق السلام والمهادنة أضمن للحقوق من شق صف المسلمين والخروج على السلطان». وأعرب الشيخ بن بيه عن رفضه لنهج الجماعات التكفيرية، وقال إن «ذئاب البشر موجودون منذ زمن بعيد ومواجهتهم لا تتم إلا بالأسود الحكماء وبتحكيم العقل والعدل والإحسان». وهاجم السلفيين الجهاديين بطريقة غير مباشرة عندما قال إن المحرضين على الثورة في العالم الإسلامي اليوم حرفوا فتوى ابن تيمية التي يتكئون عليها، وقال إن هذه الفتوى تعرضت للتحريف قبل مائة عام من طرف الذين أشعلوا الحرائق في بلاد المسلمين، وذلك حين عمدوا إلى استبدال كلمة «يعاملوا» الواردة في نص الفتوى ب«يقاتلوا». وحث على إيجاد حلول بعيدة عن العنف لقضايا الجهاد والأمر بالمعروف، مستغربا وجود من قال إنه «يرتاح لما يحصل من سفك دماء»، كما انتقد ما جرى في الثورات العربية، وما رافقها من «تخريب وتدمير وقطع للأرحام». داعيا إلى ضرورة النظر في قضايا مفاهيم «الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسلطة ومفهوم الدار، أي دار الإيمان أو الكفر، ومفاهيم جديدة اقتصادية واجتماعية، كالمرأة المتعلمة «وضرورة وجود وصي لها».