إن المجتمعات لا ترقى إلا بقيمها وأصولها، ولا تكتمل سعادتها إلا باحترام تقاليدها وهويتها. والأمة التي تستنبط نمط عيشها من غيرها، تبتعد عن أصالتها وحقيقتها وتفقد القدرة على الوجود بنفسها، ولن تعود إلى أصلها لجهلها بمكوناتها. لهذه الأسباب جميعها، توجب على الإنسان المغربي أن يهتم بثقافته وتاريخه على كل المستويات، ومن بينها، إن لم يكن من أهمها، ثقافته الغذائية؛ لذلك سنحاول، في هذا المقال الأسبوعي، التطرق إلى أهم التحولات الغذائية التي يعيشها الإنسان المغربي وما تحمله بين طياتها من أمراض فتاكة تشكل خطرا حقيقيا على صحته. هناك أنواع كثيرة من القرعيات. ونوضح، منذ البداية، أننا نتكلم عن القرعة البورية البلدية التي تظهر في أول فصل الربيع، وهي قرعة طرية مستديرة الشكل، صغيرة الحجم، لكنها تأخذ حجما كبيرا لما تترك إلى آخر فصل الربيع. ورغم أن هناك بعض الكتابات العلمية التي تقول أنْ ليس هناك فرق كبير على مستوى المكونات بين تلك الأنواع الكثيرة، فنحن نخالف هذه المقولات التي تهم الأنواع السقوية طويلة الشكل والتي تزرع في أي وقت، بينما تكون القرعة الخضراء التي نتكلم عنها فصلية وبورية ولا تقاوم البرودة. والقرعة من الخضر التي لا تحتوي على لكتينات Lectins مزعجة، وهي من الخضر القديمة جدا، وليس لها تاريخ، إذ عرفها الإنسان منذ وجوده. والقرعة من الخضر التي تمتاز بمكونات هائلة، رغم أن الناس لا يقبلون عليها بزعم أنها ليست غنية بالمكونات الغذائية، وهو زعم لا ندري كيف ترسخ لدى الناس، ويدخل ضمن النصائح الخاطئة التي نحن بصدد تصحيحها. والقرعة تحتوي على مكونات صحية أكثر من المكونات الغذائية. وقد جاءت النصيحة الخاطئة بأن القرعة ليست غنية في ما يخص مؤشر السعر الحراري والبروتينات، لكن علم التغذية الحديث يعتمد على المكونات الواقية للجسم أكثر مما يعتمد على السعر الحراري أو البروتينات. ومن الخصائص التي تجعل من القرعة خضرة المصابين بالأمراض المزمنة، كونها تحتوي على الفايتوستروجينات والفلافونويدات والألياف الغذائية ومركب الإنولين وحمض التريبتوفين. ولعل نمط العيش الحديث، الذي يقترن بمواد غذائية خالية من المضادات للأكسدة والأنزيمات والألياف المتخمرة، هو الذي جعل الأمراض المتعلقة بعدم التوازن الغذائي تظهر وتتكاثر، ومنها الأمراض المناعية والسرطان والأمراض المتعلقة بالأيض. تحتوي القرعة الخضراء الطرية على كمية هائلة من الفايتمين A والفايتمن C، وتمتاز بالألياف الغذائية والمنغنيز وحمض الفوليك وحمض الأوميكا 3 والفايتمين B 1 والنحاس وحمض التريبتوفين Tryptophane، وتحتوي على كمية لا بأس بها من الفايتمينات الثلاثة B 3 B 5 B 6، ولاتزال الأبحاث ناقصة في ما يخص المكونات المضادة للأكسدة والهرمونية. وقد أتينا على ذكر هذه المركبات نظرا إلى أهميتها الغذائية، وكذلك لاجتماعها في القرعة. وتعتبر الفايتمينات من نوعA وC من المكونات المضادة للأكسدة، وهي التي تقي الجسم من الأمراض المزمنة الخطيرة. ويعمل حمض الفوليك على استخراج الطاقة من السكريات على الخصوص مع الفايتمين B 1، وهذه الخاصية يحتاجها المصابون بالسكري والذين لديهم نقص في الطاقة. وحمض الفوليك له أهمية قصوى في تكون مخ الجنين أثناء الحمل، فهو ضروري للنساء الحوامل. ويدخل معدن النحاس في استقلاب الحديد، حيث لا يتحول الحديد المعدني إلى حديد دموي في غياب النحاس. وكل هذه الخصائص تتوجها خاصية مركب الإنولين Inulin الذي ينشط عامل البروبايوتيك Brobiotic على مستوى القولون، وهي بكتيريا صديقة نافعة، بدونها يصاب القولون بالكسل فيكون الامتصاص ناقصا. أما بالنسبة إلى حمض التريبتوفين، فرغم مستوى البروتين المنخفض في هذه الخضرة، فإن نسبة هذا الحمض الذي يتحول في الجسم إلى مركب السيروتونين Serotonin لا يستهان بها، واستهلاك القرعة في المساء يكون أحسن، لأن السيروتونين هو الذي يساعد على النوم. وتحتوي القرعة على الفايتوستروجينات مثل الليكنان Lignan، وهي المكونات التي تقي الجسم من السرطان نظرا إلى تميزها بخاصية المضادات للأكسدة التي تكبح انقسام الخلايا السرطانية والتطفر، ومن ثم تأتي القرعة في مقدمة الخضر التي يجب أن تعطى للمصابين بالسرطان. كما تحتوي القرعة على سكر مركب، وهو سكر الإنولين الذي يحتوي على الفروكتوز، وهو سكر بسيط لا يحتاج إلى الأنسولين، وبهذا فالقرعة لا تضر المصابين بالسكري، بل تساعدهم كثيرا، خصوصا منهم الذين يستعملون الأنسولين؛ ويدخل سكر الإنولين في تنشيط حادث البروبايوتيك على مستوى القولون ليزود البكتيريا الصديقة بالطاقة، فتحوله إلى حمضيات قصيرة السلسلة عبر التخمر الداخلي، ولذلك سميت هذه الألياف بالألياف المتخمرة، وهو الحادث الذي يخفض الكوليستيرول. وتساعد القرعة على الحد من تضخم البروستاتا عند الرجالBenign prostatic hypertrophy (BPH)، ربما لاحتوائها على الفايتوستروجينات الطبيعية، وهكذا تدخل القرعة في لائحة الأغذية التي تساعد على الحد من تضخم البروستاتا، لأن تضخم البروستاتا ليس بالأمر السهل، وربما يظن الناس أن هذه وصفة علاجية، بينما القرعة تدخل ضمن المكونات الغذائية التي تحد من هذا التضخم فقط. أما بذور القرعة فتساعد بشكل ملموس على الحد من تضخم البروستاتا أكثر من القرعة نفسها، ذلك أن هذه البذور تحتوي على حمض الأوميكا 3 وعلى الزنك والكروتينويد والسيلينوم، وهي العناصر التي تحد من تأكسد التيستوستيرون Testosterone عند الرجال، وتخفض كذلك من هرمون Prostate Specific Antigen PSA)، وهذه العوامل تصب كلها في مصب الحد من تضخم البروستاتا. ونشير، هنا، إلى أن تأكسد التيستوستيرون هو الذي يؤدي إلى الصلع عند الرجال. تحتوي القرعة على مركب البيتا كريبتوزانتين Beta-Kriptoxantin، وهي مادة ملونة برتقالية توجد بكمية كبيرة في كثير من النباتات، ومنها القرعة، وتحتوي القرعة على فايتمين A بنسبة عالية؛ ويقي هذا المكون الرئة، خصوصا لدى الأشخاص المدخنين لأنهم معرضون أكثر لهذا النوع من السرطان، وليس القرعة فحسب وإنما كل النباتات التي تحتوي على الفلافونويدات وعلى الفايتمين Aبنسبة عالية، فهذه النباتات تقي المدخنين من الإصابة بسرطان الرئة. وتحتوي السجائر على مركب البينزوبايرينBenzo(a)Pyrene، وهو المركب الذي يتسبب في خفض الفايتمين A في الجسم، مما يجعل الرئة معرضة أكثر للسرطان ولكل الالتهابات الأخرى، ولذلك جاءت خاصية القرعة كخضرة غنية جدا بالفايتمن A لتحفظ الرئة من كل التقرحات. وتحتوي القرعة على الفايتمين C والبوتسيوم والألياف الغذائية، وهي المكونات التي تحد من ارتفاع الضغط. وتضاف هذه المكونات إلى حمض الأوميكا 3 لتكون حافظة من تصلب الشرايين. وتعمل الألياف الغذائية المتخمرة التي تحتوي عليها القرعة على حفظ القولون من السرطان، نظرا إلى تنشيط حادث البروبيوتيك الذي يحفظ خلايا القولون من التسمم. ولاتزال الأبحاث حول هذه الخضرة الطبيعية الفصلية ناقصة لعدم وجود هذا النوع في البلدان التي تهتم بالبحث العلمي، فالقرع الذي نتكلم عنه لا يوجد إلا في البلدان المعتدلة، مثل دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وتبقى دول حوض البحر الأبيض المتوسط هي الدول التي توجد بها كثير من الأنواع النباتية الهامة، خصوصا جنوب الأبيض المتوسط، ودول المغرب العربي الثلاث (المغرب والجزائر وتونس) على الخصوص هي الخزان للمنتوجات الفصلية الطبيعية، ومع الأسف فإن هذه الدول بدأت تشتكي من أمراض القولون، مثل تقرح كروهن والقولون العصبي وسرطان القولون، ويرجع هذا الحادث إلى تغيير نمط العيش ونهج نظام غذائي يميل إلى النظام الأوربي الذي يطغى عليه الدقيق الأبيض بدون نخالة، والمقليات والحلويات واللحوم والأجبان. د. محمد فائد