قبل أزيد من عشرين سنة تقريبا تحركت جرافات السلطات العمومية في الدارالبيضاء نحو وجهة واحدة، هي منطقة الهراويين، وذلك بهدف هدم العديد من المنازل العشوائية التي نبتت في تلك الفترة بسرعة "البرق" في هذه المنطقة المحيطية للدار البيضاء. تدخل السلطات لهدم المنازل العشوائية في الهراويين جعل مجموعة من البيضاويين يطلقون على هذه المنطقة اسم "الشيشان"، في إشارة إلى الحرب التي كان يشنها الاتحاد السوفياتي على دولة الشيشان، ورغم أن السلطات في العاصمة الاقتصادية تمكنت من هدم الكثير من المنازل، فإنها لم تستطع أن تضع حدا لاستمرار البناء العشوائي في هذه المنطقة، التي أصبحت تتصدر قائمة المناطق العشوائية في جهة الدارالبيضاء الكبرى. ما يقال عن الشيشان أو الهراويين ينطبق على "المكانسة" مع وجود بعض الاختلافات البسيطة، ففي هذا الدوار المحاذي لجماعة عين الشق نبتت منازل أغلب من استقر فيها مهاجرون من مختلف المدن والبوادي المغربية هروبا من السنوات العجاف في مناطقهم وبحثا عن ظروف حياة جيدة في أكبر مدينة بالمغرب. وأصبح العديد من الباحثين في قضايا البناء العشوائي مرغمين على زيارة إحدى هاتين المنطقتين، حيث لا يكتمل بحثهم في هذه الظاهرة إلا بعد الاقتراب بشكل مباشر من ظروف عيش السكان سواء بالهراويين أو المكانسة. وارتفعت أصوات كثيرة في السنوات الأخيرة مطالبة بضرورة إعادة هيكلة هاتين المنطقتين، خاصة أن العديد من السكان لم يكونوا يستفيدون من أبسط حقوقهم والمرتبطة بشواهد السكنى. وبعد مضي كل هذا الوقت لم تجد السلطات العمومية بدا من ضرورة برمجة مشروع يهدف إلى إعادة هيكلة المكانسة والهراويين، المشروع تضمنه المخطط الاستعجالي لإنقاذ الدارالبيضاء، أو برنامج تغطية الأولويات بجهة الدارالبيضاء الكبرى لسنة 2014، فهذا المشروع يقوم على أساس رد الاعتبار لسكان الهراويين والمكانسة إضافة إلى دوار سيدي بلحسن، حيث سيتم صرف 620 مليون درهم لتمكين هؤلاء السكان من الولوج إلى الخدمات الأساسية. وإذا كانت السلطات في جهة الدارالبيضاء التفتت إلى المشاكل التي تعانيها فئة كبيرة من سكان هذه المناطق العشوائية، فإن هناك مخاوف كثيرة تحوم حول عدم تنفيذ هذا المشروع، الذي يبقى مواطنو الهراويين والمكانسة في حاجة ماسة إليه، لاسيما أنهم ضاقوا ذرعا بالكثير من الوعود التي تتعلق بضرورة إيجاد حل لهم، وتقول إحدى المقيمات في الهراويين "لقد هربنا من شقق الكراء إلى هذا المكان، وإننا نعاني كثيرا سواء في الصيف أو الشتاء، فظروف الحياة في هذه المنطقة صعبة جدا"، شهادة هذه السيدة تنطبق على العديد من السكان في هذه المنطقة، فرغم أنهم يتحملون جزءا من المسؤولية، لأنهم اختاروا بمحض إرادتهم الاستقرار في هذه المنطقة، فإنهم يؤكدون أنه لا يجب أن يمارس في حقهم عقاب جماعي، بحرمانهم من أبسط شروط الحياة الكريمة، فالحاجة هي الدافع وراء هذا الاختيار، فهل سينجح مشروع تمكين سكان المكانسة وسيدي بلحسن والهراويين من الولوج إلى الخدمات الأساسية؟