خابيير بالنثويلا، المستشار الإعلامي السابق لرئيس الحكومة الإسبانية لويس رودريغيث ثباتيرو، هو أحد الشهود على تفاصيل العلاقات المغربية الإسبانية منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وكان أهم إنجاز مهني له خلال سنتين من وجوده بالمغرب هو إجراء حوار مع الملك الراحل الحسن الثاني. كان مقربا من رئيس الحكومة الإسبانية فيليبي غونزاليث خلال السنوات الأخيرة من حكمه. هو صديق لعدد كبير من الشخصيات السياسية الإسبانية ووزراء في الحكومة الاشتراكية الحالية. يكشف لأول مرة في هذه المقابلة بعض أسرار لقائه مع الحسن الثاني ومحمد السادس عندما كان وليا للعهد، واختراق طائرة الحسن الثاني الأجواء الإسبانية فجأة نهاية الثمانينيات، وكذا المخطط العسكري الإسباني للسيطرة على مدينتين مغربيتين في حال سيطرة المغرب على سبتة ومليلية. - المعروف عن الملك الحسن الثاني درايته بدقائق الحياة السياسية الفرنسية، هل تعتقد أنه كان غير ملم بالحياة السياسية في إسبانيا؟ < الحسن الثاني كانت له فكرة خاطئة عن إسبانيا، ولم يستطع أن يفهم شيئا مما أظن أن ابنه الملك محمد السادس استوعبه وهو أن إسبانيا لم تعد ذلك البلد الفقير والتعيس الذي يشكل حالة شاذة إلى جانب فرنسا التي تعلم لغتها مبكرا وعرفها، بل حتى في سنوات الستينيات والسبعينيات كانت صورة إسبانيا تدرس في المقررات الدراسية المغربية مقرونة بصورة رجل فقير يمتطي دابة، والحسن الثاني لم يكن مخطئا تماما لأننا كنا على هذه الشاكلة، لكن إسبانيا تغيرت كثيرا في ظرف زمني قصير، ورغم ذلك، ظل الحسن الثاني يحمل عنا دائما تلك النظرة القديمة، فبلادنا صارت تنتمي إلى الحلف الأطلسي والاتحاد الأوربي وعاشت طيلة سنوات على إيقاع «الموبيدا» وأفلام بيدرو ألمودوبر التي حركت الجميع في كل الاتجاهات. وكان هذا التحول يسيرا على الإدراك بالنسبة إلى الملك محمد السادس والأمير مولاي رشيد، لأنهما عاشا في ظل هذه التحولات خلال زيارتهما لماربيا وجزر مايوركا وايبيسا، فالتحولات كانت مبهرة، وتعرفا على إسبانيا التي تضم عازف القيثارة الشهير باكو دي لوثيا والمخرج بيدرو ألمودوبر وغيرهما، وهذا ما سهل فهم إسبانيا الحديثة لدى الملك محمد السادس، في الوقت الذي كان يصعب فيه على الملك الراحل الحسن الثاني إدراك هذه التحولات التي وقعت في العقدين الأخيرين من حكمه، باعتبار أنه كان وثيق الارتباط بفرنسا وثقافتها. - لكن في إسبانيا أيضا هناك جهل كبير بالحياة السياسية المغربية؟ < صحيح، فالإسبان لا يعرفون من يحكم في المغرب، حتى خبر تعيين حكومة التناوب في المغرب لم تعلم به إلا قلة قليلة من الإسبان وجزء من النخبة الإسبانية المتتبعة لتطورات الأمور في الجار الجنوبي، وهو ما يمكن أن نجد له تفسيرا بعيدا عن عدم الاهتمام بالمغرب، ويكمن تفسيره بكون رؤساء الحكومات في المغرب كانوا يمتلكون حيزا بسيطا من السلطة ولا يتوفرون على عدة وزارات أساسية، مثل الداخلية والخارجية. وأدعوك أن تخرج الآن من مكتبي وتتجول بالجوار على مكاتب صحافيي جريدة «إيل باييس» واطرح سؤالا بسيطا عن اسم رئيس الحكومة المغربي الحالي، أنا متأكد أنهم لن يعرفوا اسمه وسينظرون إليك باستغراب، فما بالك برجل الشارع العادي. أقول إن الحدث الوحيد الذي شد انتباه الإسبان إلى المغرب كان هو وفاة الملك الحسن الثاني. - كيف استقبلت النخبة الإسبانية وفاة الملك الحسن الثاني الذي لم يعرف الإسبان غيره طيلة أربعة عقود؟ < يجب أن نكون صرحاء، فالملك الحسن الثاني كان يعتبر دائما مصدر خطر بالنسبة إلى إسبانيا. - يخافونه بسبب نجاحه في تنظيم المسيرة الخضراء لاستعادة الصحراء؟ < نعم، بسبب المسيرة الخضراء وغيرها، وكنا نعتقد دائما أننا ذات يوم سنذهب إلى الحرب بسبب طريقة الحسن الثاني في تدبير الأمور، وتصورنا أن الحرب ستكون بسبب سبتة ومليلية، وأن أبناءنا سيموتون مرة أخرى في حرب جديدة، والإسبان لم يريدوا الدخول في أية حرب أخرى، لذلك عندما توفي الملك الحسن الثاني تنفس الناس الصعداء. - سيبدو ما تقوله صادما لعدد كبير من المغاربة، وهل كان هناك خوف من المستقبل بالنسبة إلى الإسبان؟ < لا، إطلاقا، الناس بعد وفاة الحسن الثاني علموا بأن الحرب مع المغرب لن تقع، فزال الخوف، وأدرك الجميع أن المشاكل بات يمكن حلها عبر المفاوضات والحوار الهادئ. - لكن يبدو أن الطرفين المغربي والإسباني مازالا لم يصلا بعد إلى مستوى عال من التفاهم بدليل أنه كانت هناك أزمات انتهت بسحب المغرب مرتين لسفيره من مدريد خلال العقد الأخير؟ < نعم كانت هناك أزمات في عهد الملك محمد السادس، لكنني أؤكد لك أن سحب السفير المغربي من مدريد لم يشكل، في أية لحظة من اللحظات، مصدر قلق بالنسبة إلى النخبة الإسبانية، فالناس يعلمون أن الملك محمد السادس يفهم إسبانيا أحسن ويتكلم اللغة الإسبانية ويملك إرادة قوية للرقي بالعلاقات، ولم ير فيه الإسبان أي خطر بالنسبة إليهم، ولم نكن نتوقع، حتى في أحلك اللحظات، أن الأمر سيتحول إلى صراع، لكن، بالمقابل، في الفترة التي حكم فيها الملك الحسن الثاني كنا دائما حذرين في تعاملنا، وعندما تلوح في الأفق ملامح مشكلة كنا نخشى أن تتحول، في أية لحظة، إلى حرب عسكرية مع الجار الجنوبي. - مثل السيناريو الذي حدث في جزيرة المعدنوس؟ < تماما، مثل سيناريو جزيرة المعدنوس أو بيريخيل. لكن في عهد الحسن الثاني، كنا نتوقع أن يكون هذا السيناريو أكبر بكثير، لكن مع فارق أنه في عهد محمد السادس كان الجيش والاستخبارات والنخبة الإسبانية مدركين أننا نلعب مسرحية من الجانبين وأن الأمر سيقف عند حد معين، لكن في فترة الحسن الثاني كان يكفي تصريح صادر عن الملك الراحل حتى تتحرك إسبانيا في جميع الاتجاهات، بل أذهب أبعد من ذلك وأقول إن جميع المخططات العسكرية والاستخباراتية كانت تضع المغرب كأول خطر خارجي يتهدد البلاد ووضعت مخططات للمواجهة العسكرية مع المغرب. كانت للعسكريين الإسبان وقتها قناعة بأن إسبانيا ستدخل في حرب عسكرية مع المغرب بسبب رغبة الحسن الثاني في ضم مدينتي سبتة ومليلية عبر مسيرة خضراء أخرى، وكانت للجيش الإسباني مخططات جاهزة بشكل لا يمكن تصوره للدخول في الحرب في أية لحظة، وكشفت مواجهة بيريخيل عن جزء من ذلك. - (مقاطعا)، يبدو أننا وصلنا إلى نقطة ساخنة في هذا الحوار. لنجر أنا وأنت، سيد بالنثويلا، تحالفا عمره خمس دقائق.. أخبرنا ببعض هذه المخططات العسكرية التي تعرفها؟ < (يصمت)، العسكريون الإسبان كانوا مقتنعين بصعوبة الدفاع عن سبتة ومليلية في حالة تنظيم مسيرة من طرف المغرب إليهما ودخول جماعي لآلاف المغاربة، وهو ما جعل الجيش الإسباني يضع خطة للتحرك السريع عسكريا عبر وضع اليد على مناطق استراتيجية داخل المغرب، والمخطط الذي أتحدث عنه أخذ بعين الاعتبار، حسب علمي، أن الأممالمتحدة ستطالب بوقف لإطلاق النار خلال 48 أو 62 ساعة، وهي المدة التي كانت محددة للعملية العسكرية. وفي هذه الحالة، كانت إسبانيا ستمتلك ورقة تمكنها من التفاوض مع المغرب من أجل إعادة المدينتين إليها. - هل وضع هذا المخطط بعد توفر معطيات على أن الملك الراحل سينظم مسيرة سلمية لاسترجاع سبتة ومليلية، مثلا؟ < لا، إسبانيا في تلك الفترة التي وضع فيها المخطط العسكري لم تكن تتوفر على معطيات تفيد بأن الملك الراحل الحسن الثاني يحضر لمسيرة صوب مدينتي سبتة ومليلية، فقط كثر الحديث وقتها في الصحافة المغربية، خصوصا من طرف صحافة حزب الاستقلال، حول الموضوع، مما فرض، منطقيا، على الجيش والاستخبارات والنخبة السياسية الإسبانية عدم استبعاد تكرار سيناريو المسيرة الخضراء. وفي هذا السياق، وضع هذا المخطط في منتصف الثمانينيات وبداية التسعينيات. لكن أريد تأكيد أن هذا المخطط عادي، لأن جميع الجيوش في العالم تمتلكه، لكنه لم يعد موجودا لدى وزارة الدفاع الإسبانية الآن، لأنه لم يعد من باب الأولوية أو متوقعا أن ينظم المغرب مسيرة صوب سبتة ومليلية، وبالتالي فإن أولويات الجيش الإسباني تغيرت وتحول الخطر الأساسي إلى التخوف من التعرض إلى ضربة إرهابية مشابهة لتلك التي حصلت في 11 مارس 2004 عبر عناصر مرتبطة ب«الجهاد العالمي». - يتبع -