ما الذي يجعل ظاهرة الانتحار تتفاقم في المغرب؟ وما الذي يدفع المغاربة، شيبا وشبابا وأطفالا، إلى قتل أنفسهم، وتسجيل أرقام غير مسبوقة وطرق غير مطروقة لوضع حد لحيواتهم؟ بالرغم مما يطلع علينا به علماء علم الوراثة من مبررات عن وجود جينات مسببة للانتحار، مثلما هو الأمر بالنسبة إلى العنف والاكتئاب والإدمان وحتى الطلاق والانحراف السلوكي، فإن السؤال الذي لا تجيب عنه العلوم المتفرعة عن البيولوجيا، هو التالي: لماذا لم تكن ظاهرة الانتحار، في ما مضى، منتشرة في بلد مثل المغرب، مثلما هي عليه الآن؟ الجواب تقدمه العلوم الاجتماعية والسياسية، وقبلهما واقع حال المغرب والمغاربة، الاجتماعي والسياسي، وما يترتب عن ذلك من مضاعفات نفسية. ما يدفع المغربي الآن، وأكثر من أي وقت مضى، إلى الإقدام على وضع حد لحياته، متنازلا عن أقدس حق من حقوقه، وهو الحق في الحياة، ليس إلا ذلك الإحساس بأن الحياة بكرامة أصبحت بعيدة المنال والتحقق. ينتحر التلاميذ لأن التعليم لم يعد يقدم إليهم الأمل في المستقبل.. وينتحر إخوانهم الأكبر منهم سنا لأنهم لم يجدوا عملا بعد سنوات من التحصيل العلمي.. وينتحر القضاة بعد أن قتلوا ضمائرهم.. وينتحر الأمنيون لأنهم أصبحوا معتقلي الإحباط والروتين اللذين لا يسمحان لهم بالقيام بأي نشاط خارج ضوابط الطاعة والامتثال والتهديد ب«الصحراء» في حالة الخطإ... ترى، لماذا لا ينتحر السياسيون رغم أن السياسة بمعناها النبيل تنتحر يوميا؟