ماذا يجري وراء كواليس برنامج «قصة الناس»؟ سؤال يطرح نفسه مع انكشاف حقيقة أن قصص بعض الضيوف، الذين حضروا إلى البرنامج وتابعهم المشاهد وتفاعل معهم تأثرا إلى حد ذرف الدموع، لا أساس لها من الصحة. «المساء» استطاعت الحصول على اعترافات بعض من أثثوا فضاء البرنامج في حلقات سابقة، يؤكدون من خلالها أن الفقر جعلهم يسقطون في يد سماسرة ينشطون بالأحياء الهامشية بأهم المدن المغربية، خاصة الرباط والدار البيضاء وتحولوا إلى ممثلين يتقمصون أدوار شخصيات مفصلة مسبقا ويحفظون سيناريو معد بإحكام، والغلط فيه ممنوع. حين أعلن برنامج «قصة الناس» عن هويته لأول مرة، قدم نفسه في ثوب برنامج اجتماعي سيشكل نهجا جديدا في برامج «التوك شو»، منطلقا من فكرة أن القضية لا تناقش بشكل جوهري إلا إذا سردت على لسان أصحابها و»من شاهد قصة الناس تهون عليه قصته». نجح البرنامج بسرد «قصص الناس» المشوقة بلغة بسيطة شدت المشاهد المغربي، الذي اعتبره جريئا بمواضيعه وبضيوفه، خاصة وأن معظم القضايا المثارة تكاد تدخل في صنف «الطابو» الذي حطمه البرنامج، ليصبح في وقت وجيز أحد أكثر البرامج متابعة. غير أن مصداقية البرنامج ستصبح على المحك حين خرج شاب يدعى «عبد الخالق الخديسي، ليعلن اعتذاره للجمهور المغربي عن التمثيلية التي شارك فيها خلال مشاركته في البرنامج من خلال حلقة «صحابي خرجو عليا»، مشيرا إلى أنه طلب منه رواية قصة نسبة الحقيقة فيها لا تتجاوز الثلاثين في المائة، بينما النسبة المتبقية هي متفق عليها بغية خلق الإثارة والتشويق. واعترف «الخديسي» بأن القائمين وعدوه بعدة أشياء قبل الظهور في البرنامج، إلا أنهم تنكروا له ولم يفوا بوعودهم. وجاءت حلقة أخرى لتضرب مصداقية البرنامج حين أثار ظهور شاب مغربي في البرنامج جدلا آخر في إطار موضوع « المشاكل التي تسبب له فيها السحر والشعوذة» بعدما ثبتت مشاركته في برنامج آخر. لأن لا دخان بدون نار، بدأت أقاويل تتناثر هنا وهناك لنقف أخيرا على حقيقة اعتماد البرنامج على عدد من السماسرة أكثرهم نشاطا سمسار جعل من الأحياء الهامشية والأكثر فقرا للعاصمة الرباط وجارتها سلا، مركزا لاستقطاب الضيوف للحضور إلى «بلاتو» برنامج «قصة الناس» مقابل تعويض مادي، إذ تمكنت «المساء» من اقتناص اعترافات مثيرة عما يجري خلف كواليس البرنامج المذكور. «محمد الكواش « الملقب ب»بطل» الذي يقطن بأحد الأحياء الشعبية بسلا، أول من تمكنا من الحصول على اعترافاته، إذ أكد ل»المساء» أن كل ما صرح به خلال حلقة 16 أكتوبر 2013 ببرنامج «قصة الناس» في موضوع «ولادي سمحو فيا» وباسمه الحقيقي محمد الكواش لا أساس له من الصحة، وأن قصته فصلت على مقاس موضوع الحلقة من خلال سيناريو محبوك وضعه القائمون على البرنامج. خلال الحلقة صرح «بطل» وسط أضواء «بلاتو قصة الناس» وأمام معدته وبحضور الذين يؤثثون المكان، والذين يتابعون الحلقة من بيوتهم أن ابنتيه «سمحوا فيه» بعد طلاقه من والدتهما. وبالعودة إلى الحلقة يلاحظ أن «بطل» تقمص دوره باقتدار كبير ولم يترك أدنى بذرة شك تتسلل إلى المشاهد، وتمكن من سرد قصته المشوقة مع ابنتيه وزوجته، وهو الذي لم يتزوج ولم يتذوق طعم الأبوة قط في الواقع. مشاركة «بطل في الحلقة»، كما أخبرنا، جاءت بعد أن أقنعه سمسار بالظهور في البرنامج مقابل تعويض مادي قدره 1000 درهم، مع وجبة غذاء بأحد المطاعم الأمريكية للوجبات السريعة، بالخضوع لإعداد جيد بمكتب الشركة بالرباط لقن من خلاله دوره بشكل جيد من طرف القائمين على البرنامج، لأن الخطأ ب» البلاتو» ممنوع. «بطل» ذهب في تصريحه إلى حد اتهام مقدمة البرنامج بأنها على علم تام بأن قصته مفبركة، وأنها عقدت اجتماعا معه لضبط الأمور حتى لا يقع في الغلط في «البلاطو». كما شدد على أن القائمين على البرنامج طلبوا منه بعد نهاية الحلقة أن يبحث عن فتاتين حتى يعاود الظهور مرة أخرى في البرنامج نفسه بعد شهور، ويدعي أنه وبفضل البرنامج استطاع أن يعاود معانقة ابنتيه من جديد، وهذه المرة مقابل تعويض مالي قدره 5000 درهم. وأرجع «بطل» السبب الذي جعله يوافق على الظهور بالبرنامج المذكور إلى مبلغ الألف درهم الذي يعد ثروة بالنسبة إليه «سد عليه أبواب كثيرة» وهو مجرد بائع السجائر بالتقسيط «الديطاي». وحين حاولنا استدراجه أكثر في الكلام ليدلنا عن مكان السمسار، رفض «بطل» مناورا، مستعد للإدلاء بكل شيء «إيلا ما نسيناهش» بمعنى أنه مستعد «باش يفركع الرمانة» مقابل حصوله على مبلغ مالي وفضح كل ما يقوم به سمسار البرنامج في الأحياء الهامشية بالرباط وخلف الكواليس. ثان الشهادات التي حصلنا عليها كشفت تفاصيل أكثر دقة عن الدور الذي يلعبه سمسار يدعى (ش.ش)أدلى بها المسمى»حسن» في الواقع، و»عمر» كاسم في «قصة الناس». ظهر «حسن»، ابن حي حسان، كما جاء في اعترافه ل»المساء» في حلقة «القتل بالخطأ» بالبرنامج المذكور، مضيفا أن هذا الظهور جاء باقتراح من صديق له يسكن ب»السويقة» بالرباط، الذي أقنعه بلقاء سمسار طلب شخصا قادرا على تقمص دور شخص قتل أحد أقاربه عن طريق الخطأ. «قالوا لي اصاحبي بأنهم غادي يتهلاو فيا»، فقررت المشاركة وادعاء أني قاتل مقابل 1000 درهم وسندويش وكانيط مونادا وقهوة وباكيت الكارو»، يقول «حسن» بنبرة تحمل في طياتها الاستهزاء، قبل أن يكشف باقي تفاصيل مشاركته، التي بدأت باجتماع مع السمسار بإحدى مقاهي الرباط قبل أن ينتقل الجميع إلى ما أسماه «حسن» بالإذاعة في حي الرياض، ويقصد بذلك مقر الشركة المنتجة، حيث سيجمعهم لقاء مع سيدة تدعى «ج» وصفها «حسن» أنها ممثلة مراكشية سبق لها الظهور في أحد المسلسلات التلفزيونية بجزئيه الأول والثاني، وتعمل مساعدة مقدمة البرنامج. لم يحسم «حسن» في اعترافاته مدى معرفة المنشطة ومساعدتها بأنهما على علم بالقصص المفبركة للضيوف، مضيفا أنه ما دام السمسار يطلب منهم الكذب «فما شي بعيد يكون في راسهم». وأشار إلى أنه عندما أخبر المسماة «ج» بعدم توفره على بطاقة وطنية، كان جوابها « ماشي مشكل غير جي». وبخصوص منشطة البرنامج، أكد «حسن» أنها قبل بداية التصوير ب»البلاتو» لتسجيل الحلقة معه وجهت إليه ملاحظتها وهي، «عنداك تقول شي حاجة أخرى» وأنها لم تمانع في طلبه بتغيير اسمه من «حسن» إلى «عمر»، لكنها بالمقابل رفضت طلبه بإخفاء وجهه، وبررت ذلك كما جاء على لسانه «باش تعرف عائلتك بأنك ما قاتلش وما يبقاوش حاقدين عليك». أحدث ظهور «حسن» بالبرنامج قطيعة مع إخوته، الذين اعتبروا ما قام به «شوهة» في حقهم، حين ادعى أنه قاتل مقابل حصوله على «جوج فرانك». ومضى في اعترافاته حين أكد لنا بأن سيدة تدعى «مريم» وهي جارته وسبق أن ظهرت في حلقة من البرنامج تحدثت فيها عن تخلي زوجها عنها، هي ضحية السمسار المذكور، وأن ما صرحت به كذب وبهتان، مضيفا بأن السمسار مازال ينشط في حي «السويقة» ويرمي شباكه على أشخاص بسطاء جدا «باش يبانوا في البرنامج»من خلال إغراءات مالية، وأنه بدوره حاول إغراءه بعد نهاية مشاركته في البرنامج بالمال وجلب هاتف نقال، والمقابل هو مساعدته على إيجاد أشخاص قادرين على تقمص أدوار أخرى بالبرنامج المذكور. بعد سؤالنا «إذا أنت لم ترتكب جناية قتل كما أعلنت في البرنامج؟» كان جواب حسن «أعوذ بالله»، قبل أن يختم قائلا بنبرة تحمل الأسى: «قبح الله الفقر». بعد أن أبلغتنا سيدة بأن قصة أحد أبناء الجيران، الذي ظهر في البرنامج المذكور مفبركة، مما جعلهم يشككون في مصداقية الضيوف الذين يحضرون بباقي الحلقات. وقد حاولنا الحصول على اعترافه، لكنه طلب مبلغا ماليا كي يفك عقدة لسانه، ويؤكد أن ما جاء على لسانه مفبرك، بمعنى أن «البيع والشرا» هو الذي يتحكم في قصص الناس بالبرنامج. من بين من جر عليهم الظهور في البرنامج غضب محيطهم، سيدة تقطن بسيدي فاتح، تمكن «سمسار العاصمة» من اقتناصها للظهور أمام الكاميرا، وحلت ضيفة لتسرد معاناتها في إطار موضوع «الفقر وقلة اليد»، إذ سردت شهادتها الصادمة والمؤثرة أمام شاشة التلفزيون، ومعاناتها مع أطفالها الثلاثة بسبب قلة اليد وشظف العيش، وفي الواقع تعيش رفقة طفلين اثنين بحي سيدي فاتح بالرباط، وتحصل على مساعدات من طرف أقاربها وبعض المحسنين. وقد أكد المصدر نفسه أن ظهورها في البرنامج جلب عليها نقمة جميع من يمد يد العون لها، متسائلين عن المبلغ الذي دفع إليها لتزيد من «بهارات» الإثارة والتشويق في قصتها. ضيف آخر لم يجلب عليه فقط نقمة المحيطين بالمغرب، بل أيضا نقمة عدد من مغاربة المهجر، حين تحدث عن معاناته مع الفقر المدقع، وكان خير مثل ينطبق على قوله عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حين قال: «لو كان الفقر رجلا لقتله». فشهادة الضيف في البرنامج عكست الفقر بكل معانيه وبؤسه وألمه، حين أكد أنه لا يجد دريهمات لشراء علبة مسحوق الغسيل، الأمر الذي يضطره إلى ارتداء ملابسه لمدة ثلاثة أشهر متتالية إلى حين توفيره ثمن العلبة. الحلقة وصل صداها إلى خارج أرض الوطن وجعلت المهاجرين، كما جاء على لسان العديد منهم، عرضة للتهكم من طرف جيرانهم المغاربيين، خاصة الجزائريين وترديد عبارة:»أويلي واش تقولوا الماروك زوين وانتما الناس كتموت عندكم من الجوع وما كتلقاش حتى باش تغسل حوايجها». السؤال العريض هو، ما الذي يجعل القائمين على البرنامج يلجؤون في بعض حلقات البرنامج إلى الفبركة وإلى ضيوف «مدفوعي» الأجر مسبقا؟ سؤال جوابه يكمن فقط عند طاقم البرنامج الذين بناء علي الاعترافات السابقة ومتهمين بشرعنة استغلال فقر الناس وحاجتهم من أجل غاية تحقيق مكاسب مادية وتغذية تقافة «التبركيك» بشكل مرضي لدى المشاهد المغربي. بنعكيدة: سأقاضي كل من يدعي أنه «سمسمار» أو من ثبت كذبه من الضيوف نفت الإعلامية «نهاد بنعكيدة» في اتصال هاتفي مع «المساء» كل ما يروج من مغالطات حول البرنامج واعتماده على ضيوف وهميين، مؤكدة أن الخطأ وارد لكن كإعلامية لا يسمح لها ضميرها المهني بأن تكذب على المغاربة الذين فتحوا لها أبوابهم يوميا من خلال برنامج «قصة الناس» وأضافت أنها تعتمد على طاقم يتولى مهمة «الكاستينغ» وينتقي الضيوف وفق شروط معينة منها، بلوغهم السن القانونية ومن كان قاصرا يحضر مع والديه أو ولي أمره أو الجمعية التي تتكفل به، مضيفة أن البرنامج يعتمد في استضافة ضيوفه بناء على العشرات من المكالمات اليومية التي تتقاطر عليه من جميع أنحاء المغرب ومن أشخاص يرغبون في المرور في البرنامج بوجه مكشوف، وأن البرنامج تمكن من تكسير «طابوهات» ومن مداواة جروح. وبخصوص وجود «سمسار وأموال» لإغراء بعض المواطنين البسطاء لتأثيث فضاء البرنامج واختلاق قصص وهمية نفت «بنعكيدة» أن يكون البرنامج يعتمد على «سمسار» لاستضافة ضيوف يضحكون على المغاربة، وأن البرنامج كما ذكرت آنفا يتوفر على طاقم يشرف بكل مهنية على «الكاستنغ» ويعوض الضيوف على مصاريف التنقل فقط والانتظار أربع ساعات لتصوير الحلقة. وأكدت الإعلامية المغربية أن مهنيتها وتاريخها لا يسمحان لها بذلك، مشددة على أنها ستتخذ إجراءات قانونية ضد كل من حصلت على اسمه سواء من يدعي أنه «سمسار» برنامج «قصة الناس» وأيضا ضد كل ضيف حضر إلى البرنامج وكذب على ذقون المغاربة بقصص لا أساس لها من الصحة. يحيى اليحياوي: « البرامج الاجتماعية في القنوات العمومية اختزالية وسطحية» - كيف تقيم البرامج الاجتماعية في القنوات العمومية؟ السؤال شاسع وواسع، ولا يمكن الرد عليه بيسر. لكن مع ذلك يمكن تقديم بعض عناصر الجواب على شكل ملاحظات استفهامية: * الملاحظة الأولى: ما المقصود بالبرامج الاجتماعية بالقنوات التلفزيونية العمومية؟ هل التي تتناول قضايا المجتمع بسلبياته وإيجابياته؟ أم المقصود بها البرامج التي تفيد المتلقي فردا كان أم جماعة؟ أم ترى هي تلك البرامج التي تقف فقط عند مكامن الخلل بغرض التوعية بها، والعمل على تجاوزها من خلال الفعل في السلوك العام، أو التأثير على هذا الرأي أو ذاك؟ * الملاحظة الثانية: هل من وظيفة التلفزيون أن يقوم بذلك؟ هل لديه الكفاءات البشرية التي من شأنها طرح القضايا الكبرى، والعمل على تشريحها دون اختزال أو مزايدة؟ *الملاحظة الثالثة: هل المطلوب صياغة برامج اجتماعية لإصلاح واقع الحال؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل دور التلفزة كاف لوحده لرفع التحدي ذاته؟ لو سلمنا بأن البرامج الاجتماعية هي تلك التي مادة اشتغالها القضايا المجتمعية الكبرى، فإني أزعم أنه لحد الساعة لم تعمد القنوات العمومية إلا إلى تمييعها واختزالها، وحصر مداها في نطاق ضيق. أما لو سلمنا بأنها تلك البرامج التي تشتغل لملامسة مشاكل المجتمع وفق زاوية القرب، فإن التقصير قائم بكل المقاييس. هناك انتقائية في اختيار القضايا الاجتماعية التي تتناولها التلفزة المغربية بقناتيها، وإن تسنى لهما فتح هذا الملف أو ذاك، فغالبا ما تتم المعالجة بنوع من السطحية والانفعالية وعدم التدقيق. أعطيك مثالا: عندما ضربت الفيضانات منطقة الغرب، وباتت شريحة واسعة من سكان تلك المنطقة تحت رحمة الطبيعة، لم نر تناولا يحدد المسؤوليات، ويعالج المشكل من أصله، بل كنا بإزاء تعتيم حقيقي على قضية اجتماعية وإنسانية قل نظيرها. - كخبير في الإعلام هل تمرر تلك البرامج رسائل تربوية للجمهور أم تراهن فقط على الفرجة التلفزيونية ؟ التلفزيون بطبيعته يراهن على الآنية والسرعة، ويقدم البرامج المستقطبة للمشاهدين أكثر من تلك التي قد تنفرهم، ففي غير ذلك نفور للمعلنين وضياع للموارد الإعلانية التي يقتات منها التلفزيون. لذلك، فالرهان قائم على الإثارة والتشويق حتى وإن كان مقابل ذلك، حرمة العوائل وحميميتها، ناهيك عن مستقبلها. قد يكون الخطاب المروج على هامش هذا البرنامج أو ذاك، ذا طبيعة تربوية، لكن القاعدة هي الدفع بالبرنامج ليتحول إلى فرجة تلفزيونية، عوض أن يتمحور حول الوظيفة التربوية والتحسيسية بمخاطر هذه الظاهرة الاجتماعية أو تلك. بالتالي، فكلما كان منسوب العنف حاضرا، أو وضعية الاحتقان واضحة، أو حالة الشذوذ في السلوك قائمة، فإن التلفزة تنتعش ونسب مشاهدة البرنامج ترتفع والربح يتزايد. لذلك، يبدو لي أننا لا نتابع التلفزة بل التلفزة هي التي تتابعنا، وإن تسنى لها أن تفضحنا باستدراج مدروس، فهي لا تعدم السبل في ذلك. ولنا بالقناة الأولى كما الثانية نماذج عن تلذذ التلفزة بمحننا وتقديمها للفرجة، أمام جمهور قد تكون غالبيته عرضة لها. - ما مدى تأثير تلك البرامج على المشاهد؟ المشاهد هنا هو الحلقة الضعيفة. فقد يتماهى مع الوقائع الاجتماعية المعروضة (حالات اغتصاب أو عنف، أو وضعيات اجتماعية هشة، أو انفجار النسيج الاجتماعي بسبب الإرث أو بسبب ديون أو ما سواها)، فتجده يتعاطف معها، حتى وإن كان لا يتبنى السلوك المعتمد فيها. وقد يرفضها البعض الآخر ويعتبرها تشنيعا أو «نشرا للغسيل» أو تجاوز الحد الأدنى من المشترك الجمعي. تأثير الصورة التلفزيونية خطير للغاية، لذلك فإذا لم تكن ثمة معايير محددة، فإن من شأن بث هذا البرنامج الاجتماعي أو ذاك، صدم المجتمع أو استصغار رد فعله. بمعنى أنه قد يكون لبرنامج اجتماعي ما هدف تربوي، لكنه سرعان ما يترتب على طريقة تناوله وبثه انتهاج سلوكات مطلوبة مناقضة للمقصود. ومثال بعض البرامج التي تتحدث عن أخطر المجرمين، وتعيد تمثيل حلقات الجريمة خير دليل على ذلك. * ما هي في نظركم، الأسباب التي تجعل تلك البرامج تحقق نسب مشاهدة عالية؟ لأن المسألة نفسية بامتياز. فالجمهور يحب الإثارة، وليس لديه أدنى مانع من إعادة تصوير أطوار الفضيحة أمام عينيه. يبدو الأمر كما لو أن ثمة سادية من نوع ما أو تصميم من الجمهور للقبول بفضح عورته أمام الآخرين. ثم هناك ما يمكن تسميته بالتواطؤ المبطن بين البرنامج الاجتماعي والمتلقي، للأول أن يقدم مادة خام تستهويها القلوب والعواطف، وللثاني أن يتقبله ويتفاعل معه بهذا الشكل أو ذاك، وهي حالة توشك إلى أن تصبح مرضية بكل المقاييس. - هل من السهل إعداد برنامج اجتماعي في المغرب بشكل يومي يتطرق إلى الطابوهات؟ المشاكل الاجتماعية بالمغرب كثيرة ومتنوعة، والكثير منها صالح لأن يكون مادة للمعالجة التلفزيونية، سردا أو معالجة درامية أو تناول تربوي وتوعوي صرف وقس على ذلك. لكن العبرة في التناول هي الأصل. إذ ليس فتح ملف اجتماعي شائك كاف لوحده، إذا لم يستتبع بمقاربة تتطلع للتشريح والعلاج. حتى الطابوهات يمكن أن تطرح للتناول التلفزيوني، لكن شريطة أن يتم طرحها ومناقشتها ومعالجتها بمهنية وحرفية وباحترام للأطراف الذين قد يكونوا مادة هذه الطابوهات. - بعض البرامج الاجتماعية اعتمدت في بعض حلقاتها على فبركة قصص بحضور ضيوف يتقمصون أدوارهم، لماذا في نظرك؟ من الوارد أن يكون ما تقولين صحيح، ولو أني لا أملك حالات محددة. إذا كان الأمر كذلك، فإنه يعبر بالتأكيد عن غياب المسؤولية وتدني حس الأخلاقيات المهنية الإعلامية لدى هذه المحطة أو تلك. المفروض هنا أن تتعرض القناة والصحفي للمتابعة والمحاسبة. وهذا أمر لا أقول يستدعي الرقابة المباشرة، بل على الأقل يحرك الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري التي تجمدت مفاصلها بالجملة والتفصيل منذ باتت مؤسسة دستورية.