في فبراير من سنة 1996 وقع المغرب على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي، وبعد مصادقة جميع برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد، دخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في مارس 2000 بأهداف تتركز أساسا في تعزيز الحوار السياسي، وتحديد الشروط الضرورية للتحرير التدريجي لتبادل البضائع والخدمات ورؤوس الأموال، وتطوير علاقات تجارية واجتماعية متوازنة بين الطرفين. اليوم بعد مرور أزيد من 13 سنة على بداية الشراكة لابد من طرح سؤال: ماذا استفاد المغرب من هذه الشراكة؟ منذ أزيد من 50 سنة ما فتئت العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوربي تتقوى يوما بعد يوم، وقد شكلت سنة 2013 نقطة انعطاف كبرى في مسار هذه العلاقات، حيث كانت سنة مميزة من حيث حجم الدعم المقدم من طرف الاتحاد الأوربي للمغرب، والذي فاق ثلاثة ملايير درهم، ناهيك عن كونها شهدت تحقيق خطوات متقدمة في اتجاه تقوية الشراكة الثنائية، إذ نجح الطرفان في إبرام اتفاقية الصيد البحري، وتحقيق تقدم كبير في مسار المفاوضات حول اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق، إضافة إلى توقيع اتفاقية شراكة لتسهيل التنقل في الاتجاهين. وقد كان سفير الاتحاد الأوروبي بالمغرب، روبيرت جوي، سعيدا، وهو يستعرض مسيرة ونتائج العلاقات بين الطرفين، خلال الندوة التي نظمت يوم الاثنين المنصرم بالدار البيضاء، حيث أقر بأن التقارب بين الاتحاد الأوربي والمغرب يعتبر تجربة متفردة على المستوى الإقليمي. وحسب المسؤول الأوروبي، فإن تنوع أوجه الدعم المالي الأوربي (دعم الإصلاحات، دعم المجتمع المدني، منح تسهيلات للاستثمارات) مكن من استفادة قطاعات وأنشطة متعددة من تحقيق التغيير. واستدل المسؤول على تطور مستوى العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوربي سنويا بكون السنة الماضية عرفت إنجاز ستة برامج، بمساهمة أوروبية، همت برنامج «حكامة» المتعلق بعصرنة تدبير المؤسسات العمومية، وتدعيم السياسة الغابوية، وتمويل الشطر الثاني من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ودعم الاستراتيجية الوطنية للمجلس الفلاحي، والنهوض بسياسة التشغيل، والنهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، إلى جانب برنامج محاربة الأمية. وأكد سفير الاتحاد الأوربي أن 2014 ستكون سنة العمل الجاد بالنسبة للطرفين معا، من أجل تقوية التعاون المالي الموجه لمواكبة الإصلاحات الاجتماعية الكبرى، والعمل على تحقيق تلاؤم بين التشريعات المعمول بها في الجهتين، وإنجاح خطط التنمية الاقتصادية المشتركة، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي سيعمل على تنفيذ برامج جديدة، تهم على الخصوص تمويل الشطر الثالث من برنامج التغطية الصحية الأساسية، بغلاف مالي يصل إلى 50 مليون أورو، والشطر الثاني من برنامج الدعم الفلاحي بما قيمته 60 مليون أورو، والشطر الثاني من برنامج دعم استراتيجية التعليم، بقيمة 89.9 مليون أورو، وبرنامج «إنجاح الوضع المتقدم» في مرحلته الثانية بما قيمته 87 مليون أورو. الدعم المالي.. المغرب أول مستفيد
تتجلى الأهداف الأساسية للتعاون المالي بين الاتحاد الأوربي والمغرب أساسا في الاستجابة لحاجيات التنمية السوسيو اقتصادية المستدامة، ودعم استراتيجيات الإصلاحات القطاعية المغربية، وتشجيع الحكامة الجيدة وحقوق الإنسان، إلى جانب تعزيز التقارب بين التشريع المغربي والمكتسبات الدولية على أساس الأولويات السياسية المحددة بالتوافق بين الطرفين في إطار مخطط عمل سياسة الجوار الأوربية. ويعتبر المغرب أول مستفيد من الدعم التقني والمالي للاتحاد الأوربي في منطقة الجوار، فباستثناء فلسطين التي حصلت من الاتحاد ما بين 2011 و2013 على ميزانية تقدر ب580.5 مليون أورو، حصل المغرب على مبلغ يقدر ب80 مليون أورو ما بين 2011 و2012، وعلى 48 مليون أورو خلال 2013، من أجل دعم الإصلاحات الديمقراطية والتنمية الاقتصادية المستدامة في إطار برنامج «سبرينغ». ويظل المحور الرئيسي لتسريع الإصلاحات ذات الأولوية بالنسبة للمغرب والاتحاد الأوربي، هو الدعم الموازناتي، الذي يقوم على التحويل المباشر لمبالغ مهمة إلى ميزانية الدولة عندما يتم تحقيق الأهداف المسطرة بين الطرفين، وهو ما ساهم في استمرارية تطوير عدة مشاريع كلاسيكية في مجموعة من مجالات التعاون، وعلى رأسها الحكامة وحقوق الإنسان والتنمية القروية والبنيات التحتية، إلى جانب الدعم المؤسساتي. وخلال السنوات الأخيرة، شهد التعاون في هذا المجال ديناميكية جديدة بناءة وغنية، تركزت بالأساس على الإصلاحات الاجتماعية الكبرى، وعلى تطوير الأنشطة الاقتصادية، وتحسين مستوى الحكامة. كما شمل التعاون مجالات جديدة، مثل المساواة بين الجنسين والحكامة العمومية، وبرنامج «إنجاح الوضع المتقدم». وركز برنامج التعاون بين المغرب والاتحاد الأوربي الخاص بالفترة 2011 و2013، على محورين أساسيين، يهمان التنمية القروية بمنطقة الشمال، من خلال استهداف المواطنين الأكثر فقرا وعزلة، ثم المساهمة في تحقيق المساواة بين الجنسين، وتحسين وضعية المرأة، في مجالات الصحة والتربية، ضمن إطار استراتيجية حددتها وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن. ويتعلق المحور الثالث بوضع برنامج خاص بدعم الوضع المتقدم للمغرب مع الاتحاد الأوروبي، من خلال تعزيز الهياكل الإدارية، وتقديم إمكانيات للتقريب بين تشريعات الطرفين، لتحفيز الاستثمارات الأوروبية بالمغرب، وتوفير مزيد من فرص الشغل، وخلق الثروات، التي من شأنها أن تؤثر على الحياة اليومية للمواطن المغربي، فضلا عن توفير إمكانيات أكثر لاستفادة المقاولات المغربية مما تتيحه السوق الأوروبية. ويعتبر المسؤولون الأوربيون أن الثقة، التي حصل عليها المغرب من قبل الاتحاد الأوروبي، تستند إلى المجهودات الكبرى، التي أنجزها في مجال حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية، مؤكدين أن «التطورات الجارية في المغرب، منذ بداية الربيع العربي، صحية، بالنظر إلى المطالب التي حملتها الشعارات، والتي تؤكد على أن المواطن يريد المزيد، وتسريع وتيرة الإصلاح، الذي انطلق قبل 10 سنوات». التبادل الحر.. مزيد من الشمولية والعمق انخرط المغرب والاتحاد الأوروبي في مفاوضات حول اتفاق شامل ومعمق للتبادل الحر في 22 أبريل الماضي بالرباط. ويعد المغرب أول دولة متوسطية أطلق معها الاتحاد الّأوروبي مفاوضات حول اتفاق من هذا القبيل يرمي الى تعزيز الاندماج الاقتصادي بشكل كبير بين الجانبين. وعقد الجانبان منذ ذلك الوقت 3 جولات من المفاوضات بهذا الشأن. وقد اتفق الجانبان على عقد جولة رابعة من المفاوضات متم شهر مارس المقبل، وذلك عقب انتهاء الجولة الثالثة من المفاوضات، التي جمعت بين الطرفين في الرباط وطالب خلالها المغرب بمنحه دعما خاصا ومناسبا لمواكبة الإصلاحات المتخذة في إطار الاتفاق الجديد. وقرر الطرفان عقد لقاءات خلال الأيام القليلة المقبلة من أجل التشاور في النقاط العالقة، تحضيرا للجولة الرابعة الحاسمة، التي ستنعقد ببروكسيل. هذا في الوقت الذي دعت فيه لجنة المفاوضات المغربية إلى ضرورة أخذ البعد التنموي في المفاوضات مع اعتماد مقاربة متدرجة وانتقائية. وتسعى وزارة التجارة الخارجية إلى طمأنة الفاعلين الاقتصاديين المغاربة، الذين عبروا عن انشغالهم بعقد اتفاق الشراكة الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوربي، حيث أكد الوزير المنتدب المكلف بالتجارة الخارجية، محمد عبو، أن جميع انشغالاتهم ومخاوفهم ستؤخذ بعين الاعتبار أثناء التفاوض. وأضاف عبو أن «الحكومة تتفهم تماما انشغالات الفاعلين الخواص، لاسيما بشأن قدرتهم التنافسية، أو أولئك الذين لا يقوون على الاستفادة من الاندماج في الفضاء الاقتصادي الأوروبي». ووعد الوزير بأخذ انشغالاتهم بعين الاعتبار أثناء المفاوضات، من خلال إدماج التقارب التنظيمي في الاستراتيجيات القطاعية، عبر تعزيز برامج الدعم لفائدة المقاولات، ووضع إجراءات مواكبة ملائمة، مؤكدا أن «المغرب يطلب من الاتحاد الأوربي مواكبة هامة موجهة للإصلاحات التي ينبغي الانخراط فيها» بعد هذا الاتفاق، مطمئنا بذلك أصحاب المهن الحرة. وأشار عبو إلى أن المفاوضين في مجموعة «التجارة والخدمات» سيأخذون مصالح هؤلاء بعين الاعتبار. وسجل أنه عقد، قبل انطلاق الجولة الثالثة من المفاوضات حول اتفاق الشراكة الشامل والمعمق، اجتماعا مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب والجمعيات والرؤساء المفاوضين الذين «كان لهم كامل الوقت للتحضير للجولة». بالمقابل، يرى البرلمان الأوروبي أن اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق، الذي يجري التفاوض بشأنه بين المغرب والاتحاد الأوروبي، يمكن أن يشكل «نموذجا» للاتفاقات المماثلة التي تعتزم بروكسيل إبرامها مع دول أخرى بالمنطقة الأورو-متوسطية. واعتبرت لجنة التجارة الدولية بالبرلمان الأوروبي، في مقترح قرار حول العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي ودول منطقة أوروميد، أن هذا الاتفاق يمكن أن يشكل نموذجا للاتفاقات المماثلة مع تونس والأردن ومصر والتي يتعين أخذ خصوصياتها بعين الاعتبار. ويأخذ رئيس لجنة التجارة الدولية البرتغالي فيتال موريرا علما، في هذا المقترح، بالتقدم المحرز من طرف المغرب في انفتاح علاقاته الاقتصادية مع الاتحاد الأوربي وترحيبه بالتقدم المنجز إلى اليوم في المفاوضات بين المغرب والاتحاد الأوروبي لإبرام اتفاق تبادل حر شامل ومعمق. الصيد البحري.. اتفاقية منصفة للأوربيين أكثر كسب المغرب معركة الصيد البحري مع الأوربيين، فقد صادق البرلمان الأوروبي على البروتوكول الجديد للصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، منهيا بذلك فصولا طويلة من الشد والجذب بين الطرفين. وقد أقر البرلمان الأوربي الاتفاق الجديد ب310 أصوات، مؤيدا بذلك تصويت لجانه الثلاث (التنمية والميزانيات والصيد البحري)، وذلك مقابل معارضة 204 أصوات، فيما امتنع 49 صوتا عن التصويت. المعركة التي تطلبت 5 جولات من المفاوضات وتصويت ثلاث لجان برلمانية، بالإضافة إلى جولة التصويت النهائي، تطرح معها سؤالا ملحا، خاصة أن البرلمان الأوربي سبق له أن رفض تمديد اتفاقية الصيد المنتهية، فما الذي تغير إذن لكي يدعم نواب هذه المؤسسة «المتمردة» اتفاق الصيد الجديد؟ الجواب على هذا السؤال جاء في بلاغ صادر عن مؤسسة البرلمان الأوربي، حيث كشف أن الاتفاق الجديد هو في صالح الأوربيين بنسبة كبيرة. إذ باستثناء الشق السياسي الذي كان في صالح المغاربة وضرب في العمق تحركات الجزائر والبوليساريو، فإنه على المستوى الاقتصادي يبدو أن الاتفاق الجديد جاء بتراجع على مستوى المكاسب بالنسبة للمغرب، حيث إن التعويض الذي ستتلقاه الحكومة المغربية استقر في حدود 40 مليون أورو، منها حوالي 10 ملايين أورو ستخصص لتطوير قطاع الصيد في المغرب، في حين أن الاتفاق السابق كان ينص على حصول المغرب على 36.1 مليون أورو، بالإضافة إلى مبلغ 13.5 مليون يورو لتطوير قطاع الصيد البحري التقليدي في المغرب عامة والمناطق الصحراوية بشكل خاص. وهذا يعني انخفاضا في المبلغ الإجمالي للتعويض بحوالي 9 ملايين ونصف المليون أورو. أما في الشق المتعلق بالكميات المصطادة، فينص الاتفاق الجديد على ست فئات للصيد البحري مع تقليص عدد التراخيص الممنوحة للأوربيين إلى 126 باخرة أوروبية مقابل 137 باخرة في إطار البروتوكول السابق. لكن هذا لا يعني أن الاتفاق الجديد سيؤدي إلى انخفاض الكميات المصطادة، إذ حسب بلاغ البرلمان الأوربي، فإن السفن الأوربية سيكون لها الحق في اصطياد أنواع جديدة من الأسماك بكميات لم يتم تحديدها. تنقل الأشخاص.. تدابير جديدة يعتبر المغرب أول بلد بالمنطقة المتوسطية ينخرط معه الاتحاد الأوروبي في هذا النوع من الشراكة التي ستفضي إلى إرساء مجموعة من التدابير الكفيلة بضمان تدبير جيد لتنقل الأشخاص بين الجانبين. وتهدف الشراكة في مجال الهجرة وحركية الأشخاص بالخصوص إلى إطلاع الكفاءات المغربية بشكل أفضل على عروض الشغل والدراسة والتكوين المتوفرة بالاتحاد الأوروبي، وتسهيل الاعتراف المتبادل بالمؤهلات المهنية والجامعية. كما تسمح للمغرب والاتحاد الأوروبي بالشروع في مفاوضات حول اتفاق بشأن تسهيل إجراءات منح التأشيرات بالنسبة لفئات معينة من الأشخاص، وخاصة الطلبة والباحثين ورجال الأعمال، مع إمكانية دعم، على المدى البعيد، لانتقال نحو حركية تامة للمواطنين المغاربة دون تأشيرات. وفي إطار هذه الشراكة من أجل الحركية، يلتزم الاتحاد الأوروبي بمساعدة المغرب على تعزيز قدراته على المستويات التشريعية والمؤسساتية والعملية في كل المجالات المتصلة بالهجرة، بما في ذلك الوقاية من الهجرة غير الشرعية وشبكات التهريب والاتجار بالبشر ومكافحتها وإحداث نظام وطني للجوء والحماية الدولية. وللرفع من الأثر الإيجابي للهجرة على التنمية، إلى حده الأقصى، يعتزم الاتحاد الأوروبي أيضا تقديم دعم قوي لجهود حركية كفاءات ذوي الجنسية المزدوجة، بغرض المساهمة في تنمية المغرب وفي مبادرات التنمية التي يحملها مواطنون مغاربة بالاتحاد الأوروبي. ويعتبر المغرب البلد الخامس الذي يوقع مع الاتحاد الأوروبي شراكة من أجل الحركية بعد مولدوفيا والرأس الأخضر سنة 2008، وجورجيا (2009)، وأرمينيا (2011). وبالنسبة للمفوضية الأوروبية، يشكل انخراط المغرب والاتحاد الأوروبي في مسلسل مفاوضات لتعزيز التعاون في مجال الحركية والهجرة لحظة هامة في سياق توطيد العلاقات بين الشريكين. كما يعكس رغبة بروكسيل في مواصلة التعاون بفعالية مع شركائها في الجنوب بخصوص مسألة الحركية والهجرة. وتمثل الشراكات من أجل الحركية إطارا مرنا غير ملزم من الناحية القانونية، من أجل تدبير جيد لتنقل الأشخاص بين دول الاتحاد الأوروبي وبلدان أخرى. وتسعى هذه الشراكات، بفضل الحوار والتعاون، إلى تدبير مشترك ومسؤول لتدفقات الهجرة لما فيه مصلحة الاتحاد وشركائه والمهاجرين أنفسهم.