وسط انشغالات الليبيين بمظاهرات إنهاء صلاحية برلمانهم، وفي غمرة طلقات البارود فرحا بفوز منتخب الثوار بكأس إفريقيا للمحليين، خرجت الخارجية المغربية بقرار يقضي بفرض تأشيرة دخول التراب الوطني على المواطنين الليبيين. إذ ابتداء من اليوم لا يكفي الجواز الليبي وتذكرة الطائرة وحقيبة سفر للتوجه نحو المغرب. هذا القرار سيجعل سفيرنا في طرابلس، محمد بلعيش، يعيش «صداع الراس» مع الليبيين، الذين اعتادوا السفر إلى المغرب بمجرد النية، إذ ستوضع أمام مقر السفارة في العاصمة وفي بنغازي حواجز حديدية وحرس ومتاريس، رغم أن بلاغ السفارة يتحدث عن تسهيلات مريحة للراغبين في الفيزا وكأننا في زمن التخفيضات. ظلت الحدود المغربية الليبية مفتوحة في وجه منذ عهد الملك إدريس السنوسي، إلى فترة حكم معمر القذافي، رغم حالة المد والجزر التي ميزت العلاقات بين البلدين، وحين وصل المجلس الانتقالي إلى سدة الحكم فرض الفيزا على أول بلد أرسل تهنئة التحرر من قبضة القذافي، حينها تبين أن شعار الفاتح أبدا قد انتهت صلاحيته وعوض بالمغلق أبدا. كان معمر القذافي يؤمن في سياسته الخارجية بمبدأ «المعاملة بالمثل»، فيفتح حدوده لمن يعفي مواطنيه من التأشيرة، ويغلقها بمزاجية كما يغلق أفواه معارضيه، ولأنه كان حاكم إفريقيا فقد قال للأفارقة في خطبة شهيرة بواغادوغو: «ادخلوا الجماهيرية آمنين بدون جوازات سفر»، وحين سأله وزير خارجيته عن سر هذا القرار استدرك قائلا: «إذا غادر البوركينابيون بلدهم بدون جوازات». وللأمانة، فإن الليبيين هم أول من فرض على المغاربة «الفيزا»، تحت مبرر الوضع الأمني. وقد تفهمت الخارجية المغربية الموقف، وظلت تتردد في معاملة الثوار بالمثل، بل كانت على وشك إقرار التأشيرة في الصيف الماضي، لكنها انتظرت حلول فصل الشتاء، الذي يجعل المواطن يرفض حتى تأشيرة مغادرة بطانيته. حين نصادف حشودا من الأفارقة والسوريين في شوارع المملكة، نقر بأن التأشيرة لا تحول دون تدفق المهاجرين على المغرب. وحين تتحول مدن ليبيا إلى حمام دم، وتعترف الحكومة الليبية بضعف الدولة وسيطرة الميليشيات المتشددة تصبح التأشيرة شرط عين. العنف في ليبيا ديمقراطي إلى أبعد الحدود، فالمواطنون سواسية أمامه، لا فرق بين سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية ورئيس الوزراء والناشطين الحقوقيين، أمام ميليشيات لا يستقيم حالها إلا باستنشاق رائحة البارود. لا يدخل المغاربة ليبيا إلا وفي أيديهم جواز سفر عليه تأشيرة رسمية، وللحصول على التأشيرة هناك شروط لا تختلف كثيرا عن شروط شينغن، في زمن أعفي فيه الإماراتيون من الفيزا وسمح لهم بدخول أوربا آمنين، لسبب بسيط هو أن «فيزا ماستر كارد» تنوب عن كل تأشيرات العالم. فهي تمكن من دخول نصف بلدان المعمور لأن هذه البطاقة تيسر العبور فهي كالحسنة بعشر أمثالها. لكن لا توجد تأشيرات دائمة، لأنه لا دوام للود في العلاقات الدولية. لقد رفضت الولاياتالمتحدةالأمريكية منح علي صالح، الرئيس اليمني السابق، تأشيرة الدخول للعلاج في إحدى مصحاتها، رغم أن هذا الشخص ظل ينفذ أوامر رؤسائها كجندي مجتهد، وذلك أحد مؤشرات قرب الساعة. لا سفر للمغاربة إلى الدول العربية إلا بالتأشيرة، باستثناء تونس، ليس لأن وزير خارجيتنا متزوج من تونسية، أو لأن والد رئيس هذا البلد مدفون في تربة مراكش، بل لأن الخطر القادم من بلد بورقيبة أقل من نظيره الليبي والجزائري، فتونس لا تصدر الثورات كما تفعل كثير من الدول العربية، التي أصبحت المصدر الأول للاحتجاج، لأنها تملك الاكتفاء الذاتي من الانتفاضات. لكي تسافر إلى السعودية لأداء فريضة الحج عليك أن تستخلص تأشيرة ، ويزداد الوضع تعقيدا حين تصبح «الفيزا» مشروطة بوجود محرم لدى النساء المغربيات الراغبات في زيارة الدول العربية. لحسن الحظ أنعمت علينا التكنولوجيا ب«التويتر» و«الفايسبوك»، الذي يجعل ملايين الناس يسافرون عبر ربوع العالم دون الحاجة إلى تأشيرة وتذكرة وبطاقة ائتمان معبأة برصيد مالي من العملة الصعبة، بل إن هذا الكائن يعفيك من الوقوف في طابور القنصليات إذا كان لا بد من الحصول على «الفيزا»، ويمكنك من التحاور مع وزير الخارجية على صفحته لتسأل معاليه عن شروط الحصول على التأشيرة، وعن تسهيلات الأداء دون الحاجة إلى طلب مقابلة لدى ديوانه.