نور الدين قربال عرف المغرب انطلاق الاهتمام بالجماعات واللامركزية منذ الفترات الأولى من الاستقلال، وتجلى هذا في ظهير 23 يونيو 1960 وظهير 30 شتنبر 1976، واستمر العمل بهذا الميثاق إلى غاية صدور الميثاق رقم 78.00، الصادر ب03 أكتوبر 2002 والذي عدل بقانون 17.08 في سنة 2009. والهدف من هذه الترسانة القانونية تحقيق الأهداف التالية: - تطوير الحكامة المحلية؛ - تحديث الإدارة المحلية؛ - تدعيم وحدة المدينة؛ - تحسين وسائل تدبير المرافق العمومية. فإلى أي حد حقق الفاعلون ما توافق عليه المنظرون؟ إن أول خلل هو وجود جماعات قروية تفوق بكثير الجماعات الحضرية رغم أن حجمي السكان في الطرفين متساويان تقريبا. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن التوزيع الترابي المغربي ما زال يخضع للمقاربات غير التنموية، لذلك فإن رتبنا الدولية على مستوى التنمية البشرية تبقى، رغم المجهودات المبذولة على المستوى الترابي، مخجلة وغير متناغمة مع البنية التنظيرية للشأن المحلي. الدستور والجماعات الترابية وتجاوزا لهذا الخلل، فقد استطاع دستور 2011 أن ينظر لشأن ترابي متقدم جدا إذا احترمنا التنزيل الديمقراطي لمقتضياته الدستورية الراقية، والتي يمكن أن نوجزها في ما يلي: إن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة، ويقصد بالجماعات الترابية كل من الجهات والجماعات ومجالس الأقاليم والعمالات. وتنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع المباشر. وتساهم الجماعات الترابية في تفعيل السياسة العامة للدولة وفي إعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين، وتضع آليات للحوار والتشاور لتسيير مساهمات المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد التنمية وتتبعها. ويمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله. وكل اختصاص تنقله الدولة إلى الجماعات الترابية يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له. وتحدث الدستور عن صندوقيين: الأول يهتم بالتأهيل الاجتماعي، نحو البنيات التحتية الأساسية والتجهيزات ؛ والثاني صندوق للتضامن بين الجهات من حيث التوزيع المتكافئ للموارد، قصد التقليص من التفاوتات بينها. ولا يجوز لأي جماعة ممارسة الوصاية على جماعة أخرى، مع تبوؤ الجهة مكانة الصدارة بالنسبة إلى الجماعات الترابية. وفي هذه التركيبة للجماعات الترابية، حدد الدستور أدوار الولاة والعمال في ما يلي: - اعتبارهم سلطة مركزية في الجماعات الترابية؛ - تأمين تطبيق القانون؛ - تنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها؛ - المراقبة الإدارية؛ - مساعدة الرؤساء على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية؛ - تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية؛ - السهر على حسن سيرها. إن عمل الجماعات الترابية والاختصاصات الجديدة وغيرها من المقتضيات ستحدد بقانون تنظيمي أو قوانين تنظيمية نظرا إلى كثرتها وتشعبها، ونوجزها في ما يلي: - شروط تدبير الجماعات الترابية لشؤونها بكيفية ديمقراطية؛ - عدد أعضائها والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح وحالات التنافي وحالات منع الجمع بين الانتدابات وكذا التنظيم الانتخابي؛ - أحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة؛ - شروط تنفيذ مداولات المجالس ومقرراتها؛ - شروط تقديم العرائض؛ - الاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة؛ - النظام المالي للجماعات الترابية؛ - مصدر الموارد المالية للجماعات الترابية؛ - شروط وكيفيات تأسيس المجموعات وتنمية التعاون بينها؛ - تطور التنظيم الترابي وقواعد الحكامة. وللإشارة، فإن المجالس الجهوية تراقب حسابات الجماعات الترابية. مآلات الميثاق الجماعي يمكن أن نستنتج، من خلال المقتضيات الجديدة لدستور 2011، أننا في حاجة إلى ميثاق جديد يتناغم مع المستجدات الدستورية. ويحبذ انتخاب رئيس المجلس الجماعي بطريقة مباشرة حتى يتحمل المسؤولية كاملة انطلاقا من الشرعية الشعبية المباشرة، وتعميم اللائحة على جميع الجماعات مع مرونة قانونية، حتى نخرج من منطق "الشيخ" السياسي إلى منطق المسؤولية الجماعية، في إطار برامج تنموية واضحة، مع إعادة النظر في الأعداد المشكلة للمجالس، انطلاقا من منطق الكيف وليس الكم الذي غالبا ما يخضع للترضيات، مما يحدث خللا في منظومة الحكامة. مع اشتراط مستويات تعليمية محترمة بدل المهزلة المثبتة في الميثاق اليوم، وأن تكون هناك معايير موضوعية وجماعية في اختيار اللجن الاستشارية بدل الاكتفاء بالاختيارات الذاتية للرؤساء والتي غالبا ما تستغل في الريع القبلي الذاتي. ولسنا في هذا المقال بصدد تقويم الميثاق الجماعي، لكننا نؤكد أن المطلوب هو إعادة النظر في الأمور التالية: - طرق تدبير الجماعات الترابية؛ - طرق تنفيذ المقررات والمداولات؛ - توسيع دائرة الاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة؛ - صياغة نظام مالي متناغم مع طموحات التنمية المحلية التي تؤشر على دولة الحق والقانون، والاعتناء بسياسة القرب، وتوسيع دائرة الأمن الاجتماعي؛ - توسيع وعاء الموارد، وتقنين وتفعيل آليات الحكامة المالية من حيث التسيير والاستثمار؛ - التقليص من الوصاية، وإعطاء الشرعية الشعبية حقها الدستوري والسياسي والديمقراطي؛ - تنمية آليات الشراكة والتعاقد بما يشجع الجماعات على ربط علاقات إقليمية ودولية، مما يؤصل للعمل الجماعي المتكامل في إطار رؤية ترابية ومجالية مندمجة؛ - إعادة النظر في نمط الاقتراع واعتماد أقوى المعدلات، بدل أكبر بقية، مع الرفع من العتبة، مما سيجنبنا تعدد التمثيل السياسي الذي يشكل غالبا عرقلة على مستوى التدبير -الدارالبيضاء نموذجا- اليوم ؛ - اعتماد العمل المندمج والمتكامل، والمقاربة التشاركية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ونشر ثقافة الشراكة والتعاون، خاصة مع القطاع الخاص، والاختيار الواضح بين كل من التدبير المفوض والاقتصاد المشترك وشركات التنمية المحلية وغيرها.. وتطوير اللامركزية في تناغم متواز مع اللاتركيز. ويمكن الاستئناس في هذا المجال بالتجربة البرازيلية؛ - التركيز على التكوين المستمر، سواء بالنسبة إلى الموظفين أو المنتخبين، لأن هذا في صالح المؤسسة، وتغيير نظام المنتخب ووضع منظومة قيم جماعية؛ - وضوح العلاقة بين السلطات العمومية والهيئات المنتخبة تجاوزا لكل تداخل من شأنه عرقلة التنمية المحلية التي همّ الجميع؛ - حل إشكالية العلاقة بين المجلس الجماعي وممثلي السلطات الوزارية والمؤسسات العمومية؛ - إعطاء أهمية بالغة للخبرة ماديا ومعنويا لأنها العمق المعرفي للمشاريع التنموية. الجماعات الحضرية الخاضعة لنظام المقاطعات مهما كانت التبريرات، فإن السؤال الجوهري يظل هو: لماذا تم اختيار كل من الدارالبيضاء والرباط وطنجة ومراكش وفاس وسلا لهذا النظام؟ هل هو تقليد لفرنسا التي ركزت على باريس وليون ومارساي PLM أم إن المعايير الموضوعة كافية لهذا الاختيار؟ إن الفلسفة التي من أجلها أخرج هذا الاختيار التشريعي إلى حيز الوجود هي توحيد الموارد البشرية والمالية من أجل التغلب على إنجاز المشاريع الكبرى. وقد لامسنا بعضا من مظاهر هذه الفلسفة في الدارالبيضاء مثلا. لكننا لم ننجز تقويما موضوعيا لهذا النموذج التدبيري الجماعي، حتى نقرر مآلاته بطريقة تشاركية، خاصة وأننا نتوفر على ست عشرة مقاطعة مجردة من الشخصية القانونية، وأصبحنا نتوفر على مستشارين من الدرجة الأولى، يشكلون المجلس الجماعي، وآخرين من الدرجة الثانية لا يتجاوزون فضاء المقاطعة، وبالتالي فإن رئيس المقاطعة هو من الفئة الأولى وجوبا، ناهيك عن المستوى الثقافي الذي يشترط في الفئتين. ورغم أن المقاطعة تقترح مشاريع استثمارية فلا بد من موافقة المجلس الجماعي. وتخصص لها منحة إجمالية بدل ميزانية، ويُكتفى بحساب النفقات، مع توضيح التفويضات المسلمة لرئيس المقاطعة، وإعطاء القيمة الحقيقية لندوة الرؤساء التي تصادق بفرنسا على استثمارات المجالس المقاطعاتية. وهناك كذلك مشكل مرتبط بتحصيل الضرائب والمداخيل المترتبة عن استغلال التجهيزات وإشكالية التعمير بين المقاطعة والمجلس الجماعي، والشرطة الإدارية، والقرارات التنظيمية... وغيرها من الإشكالات التي تحتاج إلى وقفات تقويمية انطلاقا من مقتضيات دستور 2011، والواقع المعيش لكل تجربة.