أغلقت وزارة التربية الوطنية أول أمس السبت، وبشكل مفاجئ، «المدرسة العراقية التكميلية» بالرباط، التي كانت تمارس نشاطها التعليمي منذ عقود ويتابع الدراسة بها عراقيون ومغاربة. وفي تطور مفاجئ، أصدرت وزارة الداخلية بلاغا شديد اللهجة انتقدت فيه ما أسمته ب «السلوكات المشينة والمستفزة والمنافية للقيم الأخلاقية والعقائدية»، في إشارة إلى ما نشر مؤخرا على صفحات بعض الجرائد والمجلات من حوارات وملفات صحفية، اعتبرت بمثابة دعاية صريحة لظاهرة الشذوذ الجنسي، خاصة بعد أن قررت جمعية «كيف كيف»، على لسان منسقها الوطني سمير بركاشي، تنظيم ندوة علنية خلال الأيام القادمة حول «المثلية الجنسية بالمغرب». وقالت الداخلية في بلاغها إنها ستتصدى بكل حزم، في إطار القوانين الجاري بها العمل، لكل الممارسات المنافية لقيم المجتمع المغربي، مشيرة إلى أن الهدف من وذلك هو صيانة ما أسمته ب«الأمن الأخلاقي للمواطن وتحصين مجتمعنا من كل تصرف غير مسؤول مسيء إلى هويته ومقوماته الحضارية». وذكّرت الوزارة في بلاغها بالمجهودات التي تقوم بها المصالح الأمنية والسلطات الإدارية في سياق محاربة ظاهرة الشذوذ الجنسي، إذ أشارت في هذا السياق إلى أن مصالحها تسهر، وبدون هوادة، على محاربة كل المظاهر المرتبطة بالانحراف الأخلاقي وتبادر إلى اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة على المستويين الوقائي والزجري وتتدخل بشكل يومي كلما دعت الضرورة إلى ردع مقترفي الأفعال المخلة بالآداب والأخلاق العامة. وتعذر على «المساء» الاتصال بمدير نشر مجلة «نيشان» أحمد رضا بنشمسي لمعرفة ما كان إذا بلاغ الداخلية يستهدف مجلته بعد نشرها لتحقيق حول «المثليين الجنسيين»، فيما رفض عبد المنعم دلمي التعليق على بلاغ الداخلية في انتظار أن يطلع عليه. ومن جهته نوه عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في اتصال مع «المساء» صباح أمس الأحد، ببلاغ وزارة الداخلية، وقال: «البلاغ شيء معقول وإيجابي ويستحق كل تثمين حتى وإن جاء متأخرا بعض الشيء. ولكن مع ذلك، فهو بلاغ جيد ولا يمكننا إلا أن ننوه بالجهات التي كانت وراءه والتي، بطبيعة الحال، لا يمكنها أن تسمح بالمجاهرة بالفاحشة». وأضاف بنكيران أن الذي وقع هو أن بعض «الجهات المشبوهة» تريد أن تحطم البنية الأخلاقية للمجتمع المغربي في إشارة ربما إلى بعض الجهات الإعلامية التي قامت مؤخرا بنشر تصريحات وحوارات مع رئيس جمعية «كيف كيف» بركاشي سمير. وأشار إلى أن «هذا البلاغ جاء في محله، إذ يبين أن الدولة، بالرغم من أن موقفها كان متأخرا، مازال لها حس المسؤولية وحس الذود عن عقيدة وأخلاق وقيم المجتمع المغربي، الذي تستنكر أغلبيته في صمت». وقال إن البلاغ يضع النقط على الحروف من خلال تعبيره عن موقف واضح من بعض الجهات «التي تعتبر نفسها مقربة من دوائر النفوذ وبدأت تستهتر بقيم وأخلاق المجتمع المغربي وأصبحت تتحداه». ولم يتوقف بلاغ الداخلية عند مهاجمة المروجين لظاهرة الشذوذ الجنسي فقط، بل انتقد أيضا المروجين «لكل المنشورات والكتب والإصدارات الشيعية التي ترمي إلى المس بالقيم الدينية والأخلاقية للمغاربة». وتزامن إصدار بلاغ الداخلية حول التصدي لظاهرة الشذوذ الجنسي والكتب الشيعية مع قرار أصدرته وزاة التربية الوطنية في اليوم نفسه، يقضي بإغلاق مدرسة عراقية بالرباط على خلفية اتهامها بالترويج للمعتقدات الشيعية. واعتبر مصدر مطلع قرار إغلاق هذه المدرسة العراقية خطوة تمهيدية ل»قرار قطع العلاقات الديبلوماسية مع العراق قد يتخذه المغرب لاحقا بعد أن تحول هذا البلد إلى قاعدة خلفية لتصدير التشيع». ويرى بعض المراقبين أن الدولة من خلال هذا البلاغ للداخلية تريد أن تظهر نوعا من التوازن والحزم في محاربة الشذوذ الجنسي بعد الانتقادات التي وجهت إليها على خلفية حملتها ضد الكتب والإصدارات الشيعية واستنطاق العديد من المواطنين المغاربة، يوم الجمعة المنصرم، حول علاقتهم بالمذهب الشيعي . وجاء قرار إغلاق المدرسة المشار إليها بعد تقدم مواطن عراقي بشكاية إلى المصالح الأمنية ضد مديرة هذه المدرسة، يتهم فيها هذه الأخيرة بطرد إبنيه لأسباب طائفية واستغلال المدرسة لنشر مذهب ديني معين، مما دفع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون إلى استدعاء القائم بالأعمال بالسفارة العراقية بالرباط ومديرة المدرسة، بحضور ممثلين عن وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي تكوين الأطر والبحث العلمي، التي أوفدت لجنة بيداغوجية للتأكد من مطابقة المناهج التربوية المعمول بها في هذه المدرسة مع تلك المطبقة في المؤسسات التربوية الوطنية، خلصت بعد القيام بالتحري إلى التأكد من مخالفة المناهج الدراسية لمقتضيات القانون النظام الأساسي الخصوصي. وقد اتخذت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباطسلا زمور زعير كل الإجراءات الكفيلة لضمان تمدرس جميع التلاميذ المدرسة العراقية في مؤسسات تعليمية أخرى. وقال محمد العرب الأود، صاحب الشكاية ضد مديرة المدرسة العراقية، إن أطفاله الثلاثة تعرضوا للطرد من المدرسة بذريعة أنهما سنيان، وروى ل»المساء» تجربة ولديه داخل المدرسة العراقية، وقال إن المدرسين»بدأوا يطرحون على الطلبة أسئلة بعيدة عن المقررات الدراسية تؤثرعلى عقيدتهم، وعندما طلبت من الأساتذة تفسيرا حول هذه الأسباب التي تدفعهم إلى طرحها، خصوصا أن القسم الدراسي يعرف تنوعا في العقائد والمرجعيات، أصبح ولداي يعانيان من الضرب والإهانة يوميا لكونهما ينتميان إلى الطائفة السنية». وأضاف قائلا: «توجهت بعد ذلك للتحدث مع المديرة من أجل وضع حد للتقصير الذي يطال أولادي، فأجابتني أن ليس لها دخل بما يقوم به المدرسون من تصرفات أو ما يلقنونه لتلاميذ المدرسة، وبعد استمرار الوضع حوالي أسبوع، تم منع الأطفال من دخول المدرسة بدون أي سبب وجيه». وكشف محمد العرب، وهو كاتب وصحافي عراقي مقيم بالمغرب، أن المدرسة العراقية أنشئت منذ عقود في الرباط وكان يرأسها مدير ذو نزعة قومية حصل على رسالة الدكتوراه في الفقه المالكي، لكن بعد عام 2003، وهو تاريخ إسقاط نظام صدام حسين وسيطرة الشيعة على الوضع في العراق، تم تغيير المناهج التعليمية في المدرسة ثلاث مرات حتى اليوم، دون إخبار وزارة التربية الوطنية في المغرب بتلك التغييرات التي مست جوهر المناهج الدراسية، وفي الوقت نفسه تم تعيين مديرة جديدة ذات توجه شيعي ومحسوبة على حزب الدعوة الشيعي الموالي لإيران. وأوضح محمد العرب، في ذات السياق، أنه رصد هو شخصيا تسعة خروقات في مادتي التاريخ والتربية الإسلامية، وصفها بأنها»تمس الوحدة المذهبية للمغرب»، حسب قوله. ونشر أحد المواقع الشيعية على الأنترنت رسالة موقعة باسم»هيئة التدريس» بالمدرسة العراقية، موجهة إلى القائم بالأعمال العراقي في الرباط، تستنكر ما أسمته ب»الضجة المفتعلة التي أثارها محمد العرب في الصحافة المغربية وعدد من المواقع الالكترونية حول ما تعرض له أولاده الطلبة من مضايقات مزعومة»، وطالب الموقعون إدارة المدرسة بإحالة محمد العرب على القضاء المغربي وإقامة دعوى عليه، مضيفة بأن إدارة المدرسة» لم تتخذ أي إجراء بفصل الطلاب، حيث إن المشكلة كانت في سقوط ابنته لينا في الساحة أثناء فترة الاستراحة و تعرضها لخدش بسيط». وكذب محمد العرب ما ورد في البيان، وقال»لدي جميع الأدلة وسوف أتقدم بها أمام المحكمة لكي أثبت أن المدرسة العراقية تروج للعقيدة الشيعية». وتزامن إغلاق المدرسة العراقية مع صدور بيان لوزارة الداخلية، أول أمس السبت أيضا، تؤكد فيه وزارة شكيب بنموسى «الحرص الكامل للسلطات العمومية على التصدي بكل حزم، وفي إطار القوانين الجاري بها العمل، لكل الممارسات المنافية لقيم المجتمع المغربي ولكل المنشورات والكتب والإصدارات التي ترمي إلى المس بقيمه الدينية والأخلاقية»، في إشارة إلى انتشار الفكر الشيعي والخرجات الإعلامية الأخيرة لشواذ المغرب. وأضاف البلاغ أنه «لوحظ خلال الآونة الأخيرة تعالي بعض الأصوات، عبر منابر إعلامية تحاول الترويج لبعض السلوكات المشينة، مستفزة بذلك الرأي العام الوطني، دون الأخذ بعين الاعتبار قيم مجتمعنا الأخلاقية والعقائدية». وأكدت وزارة الداخلية على أن المصالح الأمنية والسلطات الإدارية «تسهر، وبدون هوادة، على محاربة كل المظاهر المرتبطة بالانحراف الأخلاقي وتبادر إلى اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة على المستويين الوقائي والزجري، وتتدخل بشكل يومي كلما دعت الضرورة لردع مقترفي الأفعال المخلة بالآداب والأخلاق العامة»، مشيرا إلى أن السلطات العمومية «إذ تؤكد أن محاربة مثل هذه الظواهر تستدعي تضافر جهود جميع مكونات المجتمع، فإنها ستواصل العمل للتصدي لأي مبادرة من أي جهة كانت لدعم مثل هذه السلوكات المشينة ومساندتها».