"عام مشى وعام جا..المهم هو الشتا" عبارة تستوقف المتمعن فيها كثيرا وتجعله يتساءل لما المغاربة البسطاء لا يستمتعون بالاحتفال ولا تتسرب الابتسامة إلى شفاههم والفرحة إلى نفوسهم إلا بعد أن يتهاطل المطر وتروى الأرض وتتعالى رنات الهواتف مبشرة أهل المدينة بهطول أمطار الخير في البادية. لقد ارتبطت صورة المغربي دائما منذ كنت صغيرة بأنه ذلك الرجل، الذي يحتسي كأس شايه ويأكل خبزه المحمر في "فران بوجنب" بالقرب من قطعته الأرضية، وبالضبط في "الكاعة" حيث الظل و"نوادر التبن" المبشرة بموسم حصاد جيد. أذكر وأنا طفلة أنه قبيل حلول فصل الشتاء، يجمع جدي عدته من "تراكتور" و"شاريو" متوجها إلى ولاد زيان لأجل استئناف العمل بالحرث والزرع. كانت أسارير جدي تنفرج فرحا بعد أول قطرة مطر، وكنت أغضب حينما أحرم من "الشاريو" لأني كنت أمارس هوايتي في القفز من فوق سطحه. كان جدي وأهل القبيلة يردودون على مسامعنا بكون "الناير عمار الشكاير"، وهذا يعني أن المطر إن هطل في شهر يناير فذلك يبشر بسنة فلاحية جيدة. وإن حدث ولم تمطر السماء يتفق جدي وكبار القبيلة على أداء صلاة الاستسقاء وطلب الشتاء وممارسة طقوس من قبيل ما كان يسمى ب"تغنجة"، وهي عبارة عن دمية تتشكل من مغرفة مغطاة بلباس، يخرج الناس بها – نساء وصبيانا – وهم ينشدون مبتهلين الله أن ينزل المطر. كما يلجؤون إلى تبليل هذه الدمية بالماء، فيما تجمع تبرعات للإطعام، وتحمل أخريات أعلاما خضراء وبيضاء مزينة بأوراق "النعناع والحبق". كان أهل القبيلة يخرجون بشكل جماعي مبتهلين للعلي جلت قدرته بأن يجود عليهم بأمطار تقيهم شر الجفاف، مرددين "تاغنجة تاغنجة ياربي تصب الشتا". في الجهة الأخرى يقوم شباب القرية بالركض وراء بقرة حتى تفرغ مثانتها وتتبول، حيث يستبشرون بفعلها بموسم فلاحي جيد وسقوط أمطار تسقي الأرض العطشى والعباد. هذه الطقوس تتكرر إلى أن تسقط أمطار الخير كما يسميها عموم المغاربة، الذين يستشعر فقيرهم قبل غنيهم بتأخر المطر من خلال أصناف معينة من الخضر "البورية" التي تغيب عن قفتهم لحساب "السقوية" التي لا يقوى على شرائها إلا "ذو مال" بسبب غلاء ثمنها. لقد توارثت الأجيال على مر السنون عادة النَّايَر" أو "حاكوزة"، التي كان يمارسها المغاربة ولازالوا في منتصف "اللّْيالي"، التي تصادف ثالث عشر يناير، وفيها يحرصون على ضرورة تناول عشاء دسم مشبع، كي يظل متناوله شبعان طوال العام. أذكر أيضا أن جدتي وحرصا منها على تناولي وجبة عشاء "الناير" تخيفني بقولها إن "النَّايْرة" ستفتح بطني وأنا نائمة، حيث يشكل "الناير" الحكم الذي من خلاله يعرف ما إذا كان الموسم الفلاحي جيدا أم لا. لذلك يسمونه بكونه "يعمر الشكاير أو يخويها".