يكتسي موضوع تعيين الحكومة من لدن الملك وتنصيبها من طرف البرلمان أهمية بالغة في النظام السياسي الدستوري المغربي، خاصة في ظل المقتضيات الدستورية الجديدة التي رفعت من مكانة المؤسسة التشريعية، فجعلتها سلطة تشريعية ورقابية مستقلة بعد أن كانت مجرد جهاز اسمه البرلمان؛ وقد سعت من وراء ذلك إلى إعطائها الحق كاملا وبشكل فعلي وقوي في تنصيب الحكومة ومراقبة عملها في محاولة للاقتراب أكثر من نموذج الملكية البرلمانية الدستورية، لتحسم في مختلف النقاشات الفقهية الدستورية التي طبعت هذا الموضوع في ما قبل دستور ربيع الحرية، والتي كادت تجمع كلها على هيمنة المؤسسة الملكية على مسألة تنصيب الحكومة وانفرادها بتعيينها. لكن، يبدو أنه رغم ما جاء به دستور 2011 من مستجدات، لا تزال الممارسة السياسية في بلادنا تعاني من بعض الاختلالات التي تسيء إلى مسألة التطبيق السليم للنص الدستوري وفهمه فهما صحيحا يستحضر إرادة المشرع الدستوري، وكذا تنزيله على أرض الواقع بالشكل الذي تغياه هذا الأخير. وقد عرف المغرب ما بعد دستور 2011 حدثين دستوريين مهمين طرحا نقاشا دستوريا كبيرا حول حق البرلمان في تنصيب الحكومة، ويتعلق الأمر بما قامت به أول حكومة تمت موافقة الملك عليها في ظل الدستور الجديد، بتاريخ 03 يناير 2012، حيث سارع أعضاؤها إلى تسلم مهامهم وتبادل السلط مع الوزراء السابقين، حتى إن بعضهم تسلم مهامه عشية يوم الاستقبال الملكي للتشكيلة الحكومية الجديدة، ثم عقد السيد رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران أول مجلس حكومي يوم الخميس 05 يناير 2012، قبل تنصيب البرلمان للحكومة؛ كما يتعلق الأمر بما وقع على إثر التعيين الملكي لحكومة بنكيران الثانية التي سارعت إلى تسلم السلط مباشرة بعد التعيين الملكي لجميع أعضائها يوم الخميس 10 أكتوبر 2013، وقد صدر بتعيينها الظهير الشريف رقم 105-13-1 في 8 ذي الحجة 1434، الموافق ل14 أكتوبر 2013، فثار إشكال دستوري جديد حول ما إذا كان الأمر يتعلق بتعديل حكومي بسيط أم بحكومة جديدة، وما إذا كانت الحكومة ملزمة بتقديم تصريح حكومي جديد أمام البرلمان أم إنها ستستمر في أداء مهامها بشكل عادي لكون الأمر يتعلق بمجرد تعديل حكومي وليس بتنصيب حكومة جديدة، هذا الإشكال الدستوري الذي وصل مداه إلى قبة البرلمان المغربي على شكل نزاع بين المعارضة والحكومة حول ضرورة تقديم التصريح الحكومي من عدمه، أدى إلى مقاطعة الأولى لجلسة مجلس المستشارين بدعوى عدم تقديم الحكومة لتصريح أمام البرلمان، وأنها بهذا تكون قد خرقت المقتضيات الدستورية، فتعددت الرؤى والمواقف. ونظرا إلى أهمية هذا الموضوع بالنسبة إلى الحياة السياسية المغربية، قررنا تناوله في شكل دراسة دستورية علمية تحدد الأحكام الدستورية واجبة التطبيق في الموضوع، سنحاول من خلالها توضيح المستجدات التي جاء بها دستور فاتح يوليوز 2011، مقارنة بدستور 1996، في مجال تنصيب الحكومة وتعيينها، وماهية الفلتات الدستورية التي وقعت فيها أول حكومة يتم تعيينها في ظل الدستور الجديد؛ كما سنضع اليد على مكامن الخلل الذي لا يزال يعتري النص الدستوري الحالي في مسألة تعيين الحكومة وتنصيبها، وسوف ندرس واقعة حكومة بنكيران الثانية للإجابة عن إشكالية محورية تتعلق ب: متى يكون التنصيب البرلماني للحكومة إلزاميا من الناحية الدستورية وتكون الحكومة جديدة، ومتى نتحدث عن مجرد تعديل للحكومة، وذلك في عنصرين أساسيين وهما: * أولا : جديد المقتضيات الدستورية في شأن تنصيب الحكومة بالمغرب من الملاحظات الأساسية والمهمة في شأن تنصيب الحكومة المغربية أن دستور 2011 لم يقم سوى بتوضيح المقتضيات الواردة في الفصل الستين من دستور 1996، والتي كانت تعاب عليها ركاكتها وإحالتها غير المبررة على الفصل 75 من نفس الدستور، والتي كانت تفقدها قيمتها الدستورية التنصيبية. وقد جاء الفصل 88 من دستور 2011 بكل المقتضيات المتعلقة بتنصيب الحكومة مستقلة، ولم يعد يحيل على أي فصل آخر في ما يخص الأحكام المترتبة عن عدم الموافقة على البرنامج الحكومي؛ كما أن المشرع الدستوري الجديد تفادى منطق السلبية في ما يتعلق بالتصويت على البرنامج الحكومي، حيث لم يعد يشترط رفضه بالأغلبية المطلقة لإسقاط الحكومة، وإنما جعل الحكومة هي المسؤولة عن تمرير برنامجها بالتصويت عليه بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب؛ أما التصويت على البرنامج الحكومي فقد بقي مقصورا على مجلس النواب دون مجلس المستشارين، وهو نفس الأمر الذي كان يقضي به دستور 1996، وهو ما طرح من جديد إشكالية الجدوى من وجود مجلس المستشارين ومدى فعالية رقابته على الحكومة؟ ولنقل إن النص الدستوري الجديد قد استفاد كثيرا من ذلك النقاش الفقهي الكبير الذي كان دائرا حول مسألة تنصيب الحكومة (هل هو أحادي: ملكي فقط أم مزدوج، ملكي- برلماني؟) والذي كاد يجزم في غالبيته بأن الملك وحده هو الذي يعين الحكومة، أما البرلمان فيكتفي بمباركة التعيين الملكي بتنصيب شكلي لها، نظرا إلى الشروط الدستورية التعجيزية التي كانت مطلوبة لإسقاطها، وبالتالي أصبحت الحكومة اليوم ملزمة بعد تعيينها من قبل الملك وقبل الشروع في أداء مهامها بالتوجه إلى البرلمان قصد أخذ الإذن من مجلس النواب للانطلاق في ممارسة عملها، حسب جديد المقتضيات الدستورية، مع الإبقاء على الدور الأساسي للملك في الإفراج عن التشكيلة الحكومية التي يتوجه رئيسها بعده إلى مجلس النواب لاستكمال ثنائية التنصيب التي كانت غائبة في ظل الدساتير المغربية الخمس السابقة على دستور2011 أو، بتعبير أدق، كانت شكلية. لقد كان من حسنات النص الدستوري الجديد أنه أوضح العديد من المقتضيات التي كانت مثار جدال فقهي، وكانت تجعل النص الدستوري غامضا، كما كانت تثير العديد من الإشكاليات الدستورية التي تعيق الممارسة السياسية، فقد كانت مساهمة مجلس النواب في تنصيب الحكومة غير واضحة تماما، بل تميزت بالغموض والارتباك، خاصة بعد دستور 1992 الذي نص لأول مرة على تصويت مجلس النواب على البرنامج الحكومي في الفقرة الثالثة من الفصل 59، التي أوردت أنه: "يكون البرنامج المشار إليه أعلاه موضوع مناقشة يتبعها تصويت يجب أن يقع وفق الشروط المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 74، ويترتب عليه الأثر المشار إليه في الفقرة الأخيرة منه". أما في الدساتير السابقة على دستور 1992، فقد كان التصويت على البرنامج الحكومي منعدما، ويكتفي مجلس النواب فقط بمناقشة البرنامج الحكومي دون التصويت عليه؛ وهو ما يعني أن مسألة تنصيب البرلمان للحكومة لم تكن موجودة أو مطروحة للنقاش قبل سنة 1992. *باحث في علم السياسة والقانون الدستوري