خابيير بالنثويلا، المستشار الإعلامي السابق لرئيس الحكومة الإسبانية لويس رودريغيث ثباتيرو هو أحد الشهود على تفاصيل العلاقات المغربية الإسبانية منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وكان أهم إنجاز مهني له خلال سنتين من وجوده بالمغرب هو إجراء حوار مع الملك الراحل الحسن الثاني. كان مقربا من رئيس الحكومة الإسبانية فيليبي غونزاليث خلال السنوات الأخيرة من حكمه. هو صديق لعدد كبير من الشخصيات السياسية الإسبانية ووزراء في الحكومة الاشتراكية الحالية. يكشف لأول مرة في هذه المقابلة بعض أسرار لقائه مع الحسن الثاني ومحمد السادس عندما كان وليا للعهد، واختراق طائرة الحسن الثاني الأجواء الإسبانية فجأة نهاية الثمانينيات، وكذا المخطط العسكري الإسباني للسيطرة على مدينتين مغربيتين في حال سيطرة المغرب على سبتة ومليلية. - هل كان الحسن الثاني يفهم قليلا اللغة الإسبانية؟ < كان يفهم قليلا اللغة الإسبانية، لكنه لم يكن يتكلم بها، وبعد سنوات سألتقيه وأجري اختبارا لابنيه سيدي محمد ومولاي رشيد لمعرفة مدى طلاقة لسانيهما بالإسبانية. وعودة إلى المقابلة الصحافية مع الحسن الثاني، فبعد مصافحتنا اقترب منه البصري وشرع يقبل يده، لكن الحسن الثاني تخلص منه، وكأنه يتخلص من جرو يعلق به، وطلب منا أن نرافقه ودخلنا إلى صالون، كانت مساحته كبيرة، مثل ملعب لكرة القدم، وجلسنا على الكنبة. - كيف كانت إجاباته على الأسئلة التي طرحتموها؟ < لمسنا خلال الحوار أنه رجل مطلع على تفاصيل ومجريات الأوضاع في العالم ويعرف دواليب السياسة الأوروبية، ولم يكن مقنعا فقط في إجابته عن سؤال حول حقوق الإنسان، وهو ما علق عليه فيما بعد لجون دانييل قائلا له : «إنها حديقته الخاصة»، وقال في إجابته إن هؤلاء المعتقلين السياسيين هم خونة للوطن ويناقشون مغربية الصحراء، مضيفا أنه بوضعه إياهم في السجن فإنه يقوم بحمايتهم بحكم أن الشعب المغربي يمكن أن يقتلهم لو سمعهم يرددون مثل ذلك الكلام، وأعطانا الانطباع بأنه أسدى خدمة كبيرة إلى هؤلاء بوضعهم في السجون. وكان ما قاله هو نقطة ضعفه خلال الحوار الذي أجريناه معه، وما عدا ذلك كان كلامه زرينا، وكانت المفاجأة أنه عندما أنهينا المقابلة الصحافية، نهض الحسن الثاني وسأل خواكين استيفانيا، مدير «إييل باييس»: متى ستعود إلى مدريد؟، فأخبره استيفانيا: «لقد حجزت في طائرة متجهة، غدا على الساعة التاسعة صباحا، إلى مدريد؟». وحرك الحسن الثاني يديه ليتقدم البصري، وتقدم وزير الداخلية منحنيا، وقال له الحسن الثاني : «قل لربان طائرتي الخاصة أن يستيقظ من نومه، لأنه عليه أن يقل السيد استيفانيا في ظرف ساعة إلى مدريد». وبقي إدريس البصري منحنيا، وهو يتراجع إلى الوراء ويردد كلمة : «واخا سيدي، واخا سيدي»، وتكلم البصري في الهاتف مع شخص ما من أجل إيقاظ الربان الخاص للحسن الثاني، ليشغل طائرة «إير فورس وان»، المغربية، إذا أردنا القول. وخرجنا من القصر الملكي وانطلق الموكب بسرعة مرة أخرى، وتوجهنا إلى فندق المامونية حيث جمع خواكين استيفانيا أغراضه بسرعة، وانطلقنا من جديد صوب المطار، ورافقته إلى داخل المطار وعدت إلى الفندق في انتظار رجوعي إلى الرباط. لكن خواكين استيفانيا سيحكي لي فيما بعد قصة مثيرة حدثت له بسبب ركوبه الطائرة الملكية، فقد رن جرس الهاتف في بيت فيليبي غونزاليث، رئيس الحكومة آنذاك، حوالي الساعة الخامسة والنصف أو السادسة صباحا.. كان المتصل هو وزير الخارجية الإسباني فرانسيسكو فيرنانديث أوردونيث الذي أخبر فيليبي غونزاليث، قائلا: «لقد علمت من المصالح العسكرية أن الطائرة الخاصة للملك الحسن الثاني اخترقت الأجواء الإسبانية متجهة صوب مدريد»، ورد عليه غونزاليث متسائلا: «هل كان هذا السفر متوقعا، هل تلقيتم إشعارا من السلطات المغربية؟»، فأجابه وزير خارجيته : «لا، لم يكن مبرمجا». وعقب غونزاليث: «إذن، ماذا؟ يمكن أن يكون انقلاب، مثلا، قد وقع في المغرب؟»، فقال له أوردونيث: «لا أدري سيدي». وهنا طلب منه غونزاليث أن يتجه مباشرة إلى مطار توريخون ليرى ماذا سيحصل. والمكالمة حكاها لي أردونييث فيما بعد في مقابلة خاصة. وفعلا، وصل إلى مكان هبوط الطائرة، التي كانت فعلا تابعة للملك الحسن الثاني وتحمل شعار القصر الملكي، وبعدما توقفت الطائرة تماما، وكانت أعصاب وزير الخارجية على أشدها، كانت المفاجأة أن من نزل منها هو خواكين استيفانيا، مدير «إيل باييس». ومن فرط دهشته، قال أوردونيث: «يا إلهي، خواكين، ماذا تفعل في طائرة الحسن الثاني؟». وهنا انتهت القصة. - ماهي الشخصيات الأخرى، غير البصري، التي حاولت أن تربط معها اتصالا؟ < كانت لي علاقة أيضا بوزير الخارجية الأسبق عبد اللطيف الفيلالي، الذي كانت تربطني به علاقة أكثر حميمية، بل ذهبت زرته في إقامته بحي السويسي بالرباط، وتناولت معه العشاء عدة مرات، وكان يتكلم الإسبانية بشكل جيد بحكم أنه كان سفيرا للمغرب بمدريد، وكان ظاهرا أنه لا يتوفر على سلطة لإدارة السياسة الخارجية، رغم أنه كان رجلا مهما في الدولة وصهر الملك الحسن الثاني بحكم أن ابنه فؤاد الفيلالي كان متزوجا من الأميرة مريم.. كان رجلا لطيفا، ولم تكن لي أية مشاكل معه. (يتبع)