تواجه أغلبية عبد الإله بنكيران، أشهرا قليلة على ترميم صفوفها بعد انسحاب حزب الاستقلال وضم حزب الأحرار، امتحان وضع الإصلاحات الكبرى على سكتها الصحيحة، والوفاء بما وعد به رئيس الحكومة أمام برلمان حزبه مؤخرا، بجعل «سنة 2014 سنة الإصلاحات الكبرى مهما كان الثمن». فبعد سنتين من أدائها اليمين أمام ملك البلاد وحصولها على التنصيب البرلماني، مازالت حكومة الإسلاميين الأولى في بحث مضن عن الصيغة الفضلى لتحقيق الإصلاحات التي وعد بها البرنامج الحكومي والمخطط التشريعي. وبدا لافتا، خلال الأشهر الفائتة أن هناك إدراكا قويا لدى قادة الأغلبية الحكومية الأربعة، بأن الكثير من الوقت والجهد قد ذهبا سدى بسبب الخلافات التي عصفت بالتحالف الحكومي على خلفية صراع قيادة قطبيه العدالة والتنمية والاستقلال. إدراك ستتم ترجمته من خلال تحركات قادة الأغلبية للرفع من وتيرة الإصلاحات، خاصة بعد اعتراف رئيس الحكومة، مؤخرا، بفشله النسبي في تحقيق وعوده عندما قال: «بكل صراحة إذا قال لكم أي شخص، إنني لم أقم بما وعدت به ففعلا هو على حق، لأنني مازلت لم أنجز كل ما وعدت به». اعتراف بنكيران وإدراك حلفائه في الأغلبية بأن سنة 2014 هي سنة حاسمة في مصير الحكومة لإعادة الروح لربيع الإصلاح المغربي والوفاء بالوعود التي ظلت مؤجلة، سرعا من خطى اشتغال الأغلبية، إذ سارع زعماؤها إلى عقد اجتماعين خلال الأسبوع الماضي، من أجل وضع خريطة طريق عمل الأغلبية وأولوياتها خلال السنة الجديدة، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. ولئن كانت اجتماعات قيادة الأغلبية تؤشر على انتقالها إلى السرعة القصوى بعد مرحلة انتظار سجلت بعد تشكيل حكومة بنكيران الثانية، من خلال وضع خريطة طريق تحضر للاجتماعات المقبلة، وتحدد الأولويات والقضايا التي يتعين الحسم فيها قبل تمريرها خلال سنة 2014، فإن الأيام القليلة القادمة ستكون مناسبة للحسم وتقليب أمر الإصلاحات الكبرى على أوجهه المختلفة، من خلال خلاصة ما سينتهي إليه عمل فريق عمل حددت له مهمة تحديد الأولويات المتفق بشأنها ودراسة السيناريوهات الممكنة. وفي الوقت الذي يبدو فيه أن اجتماعات الآلية السياسية للتحالف، التي ينتظر أن تكثف في الأيام المقبلة من عملها، تروم الرفع من سرعة الأداء الحكومي إلى أقصى حد ممكن وتجاوز الهدر الزمني الذي طبع عمل الحكومة بعد سنتين على تنصيبها، تلوح برأي الكثير من المتابعين ثلاث واجهات مستعجلة للإصلاح وبشكل متواز خلال سنة 2014، ووفق مقاربة تشاركية مع المتدخلين لتجنب أي عرقلة محتملة. وتتمثل أولى الجبهات في معركة الإصلاحات الكبرى للأغلبية الحالية في تجاوز مطب إصلاح صناديق التقاعد، التي يتهددها خطر الانهيار مع مطلع 2021، وهو المطب الذي يبدو أن زعماء الأغلبية أدركوه بتخصيص اجتماعهم، يوم الخميس الماضي، لمناقشته كنقطة فريدة، خاصة أن الأغلبية وحكومتها مطالبة بالحسم في وصفتها لإصلاح هذه الصناديق، والتمكن من إقناع باقي الشركاء بإجراءات من قبيل رفع سن التقاعد إلى 62 ابتداء من سنة 2015، وزيادة ستة أشهر في كل سنة، إلى حين رفعه إلى 65 سنة في أفق 2020، وكذا الزيادة من نسبة الاقتطاعات ب10 في المائة، ثم احتساب التقاعد على أساس معدل العشر سنوات الأخيرة بالنسبة للصندوق المغربي للتقاعد. وإن كانت الأغلبية تواجه امتحانا عسيرا وهي تخوض معركة إصلاح صناديق التقاعد، فإن الأمر لا يقل صعوبة على جبهة إصلاح صندوق المقاصة الذي يلتهم سنويا 5 ملايير دولار، إذ ينتظر أن يكون محور نقاش طويل بين الحلفاء في ظل اختلاف واضح حول طبيعة ذلك الإصلاح ومداه. وبالرغم من تمكن الحكومة من التحكم في نفقات الصندوق خلال سنة 2013 في حوالي 43 مليار درهم بعد أن شكلت في سنة 2012 ما قيمته 55 مليار درهم، فإن تكلفة تأخر الإصلاح والإقدام على اتخاذ قرارات صعبة تؤثر سلبا على شعبية أحزاب الأغلبية، تجعل مهمة بنكيران وحلفائه صعبة. وإذا كانت الأغلبية تبعث إشارات واضحة إلى من يهمه الأمر برغبتها في إعادة النظر في طريقة التدبير الحكومي للملفات الاقتصادية والاجتماعية، من خلال الرفع من وتيرة أداء الحكومة خلال السنة الحالية التي يتوقع أن تكون سنة حاسمة في عمر الحكومة المغربية ال32 منذ الاستقلال، إلا أن معركة الإصلاحات السياسية تبقى حاضرة على رأس الإصلاحات الكبرى المزمع الاشتغال عليها. فالأغلبية وحكومتها مطالبة باستكمال التحضير القانوني والسياسي لأول انتخابات للمجالس الترابية في سنة 2015 في ظل دستور المملكة الجديد، من خلال إيجاد ترسانة قانونية تهم بالأساس إخراج القانون التنظيمي للجهوية والقوانين المؤطرة للعملية الانتخابية تتوزع ما بين قوانين عادية ومراسيم إلى حيز الوجود. وبالموازاة مع التسريع بإخراج الترسانة القانونية، تواجه الأغلبية رهان ضرورة التحضير لفتح مشاورات سياسية مع المعارضة للتوافق على مجمل الرزنامة السياسية والقانونية قبل اللجوء إلى صناديق الاقتراع منتصف السنة المقبلة، خاصة في ظل توقعات بأن تكون تلك المشاورات عسيرة وطويلة بين وزير الداخلية وقيادات الأحزاب، وستنصب بالأساس حول القوانين المؤطرة للعملية الانتخابية. الأكيد أن قادة التحالف الحكومي يبشرون المغاربة بإصلاحات حاسمة السنة الحالية قبل الانتخابات، بيد أن سوابق سابقة من قبيل ما وعد به رئيس الحكومة منذ وصوله إلى الحكم من إصلاحات كبرى لم يحقق منها بعد سنتين من تحمله المسؤولية الشيء الكثير، باستثناء مناظرة حول الإصلاح الضريبي، وإعلان نتائج حوار إصلاح العدالة، تطرح أكثر من علامة استفهام حول قدرة النسخة الثانية من حكومة ما بعد الربيع العربي على تحقيق إصلاحات مكلفة. الحكومة أمام تحدي إصلاح صناديق التقاعد لتفادي الإفلاس كاير: أي إصلاح يجب أن يكفل العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع محمد الرسمي رغم الخطاب المتفائل الذي جاءت به الحكومة الحالية حول الإصلاحات التي تعتزم نهجها، وهو الخطاب الذي انعكس في برامج الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، وخاصة حزب العدالة والتنمية الذي قادته موجة الربيع إلى دفة قيادة الحكومة، إلا أن واقع الممارسة أثبت لتلك الأحزاب عكس التصورات التي كانت تحملها من قبل، وجعلها تعيد النظر في العديد من الشعارات التي رفعتها قبل الانتخابات، بل وجعل السنتين الأوليين من عمر الحكومة بدون إنجازات تذكر، رغم حجم الآمال التي كانت معقودة عليها، خاصة في ظل الأوراش الكبرى التي طرحتها في بداية ولايتها الحكومية، ومنها إصلاح صندوق المقاصة، وإصلاح صناديق التقاعد، والرفع من الحد الأدنى للأجور، وغيرها من الإصلاحات التي وعدت بها الحكومة. لكن رغم تعثر أغلب تلك الإصلاحات، إما بسبب ظروف داخلية مرتبطة بالحكومة في حد ذاتها، أو ظروف خارجية مرتبطة بمتغيرات الوضعية السياسية الوطنية والإقليمية، إلا أن إلحاحية البعض من تلك الإصلاحات بقيت ذات راهنية كبيرة، خاصة في ظل التهديد بالأضرار البالغة، التي يمكن أن تلحق بالاقتصاد الوطني في حال تأخر القيام بها أكثر. وفي مقدمة الإصلاحات التي باتت تفرض نفسها على الحكومة الحالية، إصلاح صناديق التقاعد التي صارت مهددة بالإفلاس في أفق السنة الحالية والسنوات المقبلة، وهي الإصلاحات التي من المفترض أن تدخل مستوى آخر، على اعتبار أن المغرب كان يقوم بإصلاحات ذات طبيعة معيارية، إذ كان المغرب يقوم بالرفع من الاقتطاعات، مما كان يؤخر الأزمة دون معالجتها من الجذور، لكن الأزمة وصلت اليوم إلى وضعية خطيرة، مما يستوجب جيلا جديدا من الإصلاحات، والتي قد تصل إلى حد الرفع من سن التقاعد، بالإضافة إلى إجراءات ذات طبيعة معيارية تهم نسبة الاقتطاعات، وكيفية احتساب المعاشات للموظفين في القطاع العام أو القطاع الخاص. ورغم الاحتجاجات التي يمكن أن يتسبب فيها قرار الحكومة بالرفع من سن التقاعد، من أجل تجاوز الأزمة التي تعاني منها صناديق التقاعد المختلفة، إلا أن هذا الحل قد يكون الأنسب فعلا، والمطروح بشدة على الحكومة، أسوة بمجموعة من البلدان الأوروبية. لكن عثمان كاير، أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، يرى أن أي إصلاح يجب أن يكفل العدالة الاجتماعية والإصلاح داخل المجتمع، «على اعتبار أن بعض الفئات لها مدى قصير للحياة، وبالتالي لا يجب أن تكون عرضة للرفع من سن التقاعد، وهي الفئة التي تمتهن بعض المهن المتعبة، مثل عمال المناجم وغيرهم، مقابل المهن الفكرية التي لا يطرح الرفع من سن التقاعد فيها مشكلا، من أمثال موظفي الإدارات العمومية وأساتذة الجامعات وغيرهم، وعليه فإن البعد الاجتماعي يجب أن يكون حاضرا إلى جانب البعد الاقتصادي في أي إصلاح مرتقب. وعموما لا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل الموظفين أو المستخدمين مسؤولية الاختلالات التي عرفتها صناديق التقاعد، وهي الاختلالات البنيوية المرتبطة أساسا بطريقة تدبير تلك الصناديق، وبالتالي فعلى الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الباب». ومن بين أهم المعيقات التي قد تقف في وجه إصلاح أنظمة التقاعد في المغرب، هو تعدد الأنظمة في حد ذاتها، وانقسامها إلى أنظمة عامة وأخرى خاصة، وتعدد الأنظمة داخل النظام العام في حد ذاته، إذ نجد الصندوق المغربي للتقاعد، والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، والاختلافات الموجودة بين هذه الأنظمة، سواء على مستوى الاقتطاعات أو التعويضات، يخلق مشكلا سواء على مستوى الحركية بين القطاعين العام والخاص، «بحيث لو انتقل شخص من القطاع العام إلى القطاع الخاص، يكون محروما من اقتطاعاته من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والعكس صحيح أيضا، وهذا هاجس يدعو إلى خلق قطب كبير يجمع بين القطاع العام والخاص كما هو الحال في مجموعة من الدول المتقدمة، لأن الإكراه الأساسي هو إكراه كمي، فما دامت صناديق التقاعد لها حجم ضعيف من المنخرطين، فستكون مردوديتها ضعيفة، أما العكس فسيجعل مردوديتها أكبر»، يشرح كاير في تصريحه ل«المساء». التحدي الثاني الذي يواجه إصلاح صناديق التقاعد هو ضعف نسبة المنخرطين، سواء في القطاع العام أو الخاص، وهو ما يطرح على الحكومة تحدي توسيع قاعدة هؤلاء المنخرطين، من أجل الرفع من مداخيل تلك الصناديق، وبالتالي مساعدتها على تجاوز الأزمة التي توجد عليها، وذلك عبر اقتراح تشجيعات للمقاولات الخاصة، من أجل تسجيل مستخدميها في الصناديق المختلفة للتقاعد، مع تقديم ضمانات للإصلاح ترفع ثقتهم في عدم احتمال تعرضها للإفلاس خلال السنوات المقبلة، بضمانات من الدولة. بين ما هو سياسي وما هو تقني، تجد الحكومة الحالية نفسها مجبرة على التصدي لورش إصلاح صناديق التقاعد، مخافة الوصول إلى مرحلة الإفلاس التي ستجد الدولة معها نفسها في مواجهة الملايين من المنخرطين، وهو ما يتوجب معه تجاوز الحسابات السياسية الضيقة، والتفكير بشكل جماعي في حلول تمكن من تفادي أسوأ السيناريوهات المحتملة.