هل لا يزال للكتاب الورقي موقع في هذا العالم، الذي اكتسحته التكنولوجيا وجعلت الخلق يتكلمون عنها في كل وقت وحين، ويتباهون بما يملكون من وسائلها حتى باتت ينطبق عليها قول المتنبي: «ويسهر الخلق جراها ويختصم/ أنام ملء جفوني عن شواردها»؟ الحقيقة أن الواقع يخالف ما يظن الناس، فقد أكدت دراسة جديدة أن خير «جليس في الزمان» لا يزال قادرا على إغراء الناس، بعدما خالفت دراسة نشرت حديثا التوقعات، حيث كشفت أن الجيل الجديد لا يزال يفضل الكتب المطبوعة على الكتب الإلكترونية بفارق كبير ولأسباب مختلفة. وقد نشرت شركة «فوكسبرنر»، المتخصصة في أبحاث التسويق الاستراتيجي، دراسة أجريت على أكثر من ألف شاب، أظهرت أن الجيل اليانع لا يزال يفضل شراء وقراءة الكتب الورقية على الكتب الإلكترونية بنسبة 62 بالمائة. وأفادت هذه الدراسة التي أجريت عبر الإنترنت أن الكتاب لا يزال المفضل رقم واحد، لأسباب متعددة، منها وجود قيمة مادية عند إعادة بيعه، إضافة إلى أن الشباب لا يزالون يرتبطون عاطفيا ونفسيا بالكتاب المطبوع. واعتبرت الشريحة المستجوبة أن الكتب الورقية تجعلهم يتحررون من الارتباط بجهاز محدد عند قراءته، ويتميز بسهولة تداوله. ورأى آخرون أن الكتب المطبوعة لها قيمة رمزية بحد ذاتها. وهكذا، يبدو أن الدراسة الجديدة فندت تلك التوقعات التي كانت تقول بقرب انتهاء عصر الكتاب الورقي، وموته إلى الأبد على حساب الاجتياح الكاسح للكتب الإلكترونية وخطفها الأنظار في كل مكان وزمان. وكان قد استحوذ الكتاب الإلكتروني على طقوس القراءة في أكبر مجتمع مهووس بالكتاب الورقي، عندما كشفت شركة «أمازون» أن مبيعاتها من الكتب الإلكترونية تجاوزت الورقية في إنجلترا. وأفادت الشركة، التي تعد الموزع الأكبر للكتب على الإنترنت، أن القراء اشتروا 114 كتابا إلكترونيا، مقابل كل مئة كتاب ورقي من بداية عام 2012 في المملكة المتحدة. ورأى المتخصصون أن تفوق الكتاب الإلكتروني في بريطانيا دلالة معرفية وتغير في طبيعة تقاليد مجتمع يعدّ القراءة جزءا من طقوسه اليومية. وفسروا تفوق الكتاب الإلكتروني بانتشار أجهزة القراءة الإلكترونية المحمولة بسبب خفتها وسهولة تحميل الكتب عليها من الإنترنت. وكان القطب البارز في مجال التكنولوجيا نيكولاس نيغروبونتي، الذي أسس مؤسسة «كمبيوتر محمول لكل طفل»، قد لفت إلى أن أيام الكتاب التقليدي أصبحت معدودة، وقدر في مقابلة مع «سي إن إن» بأن ذلك «سيكون في غضون 5 أعوام». وأعلنت دور النشر عن تخفيضات على بيع كتبها الورقية بعد الانتشار السريع للكتب الإلكترونية، في محاولة منها للحفاظ على سوقها في البيع والتوزيع. هذه الدراسة هي ولاشك ستثلج صدور المهووسين بالقراءة، خاصة أولئك الذين خلقوا صداقة قوية وطويلة مع الكتاب الورقي، وكانوا يخافون على مستقبل هذا الجليس الرائع الذي لا يمكن أن يخذلك و«يتجسس» عليك في وقت من الأوقات. ومن ثم فإنهم سيستمرون في حب الأوراق وتشممها. أما أولئك الذين قالوا بنهاية الكتاب الورقي وبشروا بالكتاب الالكتروني فإن الصدمة ستصيبهم، خاصة أولئك الذين يبحثون في «العالم الافتراضي» عن أشياء أخرى. إذن اقرؤوا قبل أن تمنعوا.