قد تسأل نفسك بتعجب، كيف يمكن أن أكون نفس الشخص المنطلق النشيط المحب للسفر صيفا، والمنعزل الغاضب المكتئب المحب للكسل شتاء؟ هل هي برودة الطقس التي تغير طبعي وتقلب مزاجي؟ أم هناك عوامل أخرى أكثر تعقيدا تجعل سلوكي يتغير بتغير الفصول؟! لتفسير ذلك، سوف نتحدث في مقالنا اليوم عن مادة كيميائية متعددة الوظائف، بل وتعد من أهم النواقل العصبية، إنها مادة السيروتونين أو كما يسميها البعض هرمون السعادة، وهي مركب مشتق من مادة التريبتوفان، هذا الأخير يتحول تحت تأثير التريبتوفان هيدروكسيلاز، ثم أنزيم-L أمينو ديكاربوكسيلاز إلى 5- هيدروكسي تريبتامين (5HT )، أو ما يعرف بالسيروتونين. يوجد السيروتونين طبيعيا في دم الإنسان في الصفيحات الدموية، وفي الجهاز الهضمي والعصبي، ويطلق عليه اسم هرمون السعادة لما له من تأثير على تنظيم الانفعالات والحالة المزاجية للفرد، كما يدخل كذلك في تنظيم عدة وظائف بالجسم كدورة النمو والاستيقاظ ودرجة حرارة الجسم، والسلوك الغذائي، فهو يؤثر على عملية الإحساس بالجوع والشبع، كما يؤثر كذلك على كيفية الإحساس وإدراك الألم، وعلى السلوك العدواني والجنسي، وعلى النشاط الحركي والذاكرة والحفظ ... في حين يؤدي نقصه إلى عدة اضطرابات كالخمول والكسل والشعور الدائم بالكآبة والأرق وسيطرة الوساوس والأفكار السوداوية، و الرغبة في العزلة والانطواء وصعوبة التواصل الاجتماعي مع الآخرين، فضلا عن التوهم المستمر لوجود العديد من الأمراض والرغبة الدائمة في زيارة الأطباء ... و خلال فصل الشتاء، يفضل أغلب الناس، نظرا لبرودة الطقس، البقاء في البيت، وهو ما يتسبب لديهم في الإحساس بالوحدة والذي لا علاج له سوى الانشغال بتناول الطعام، ومع قلة حركتهم وقلة تعرضهم للشمس، يحدث خلل كيميائي بالمخ فينخفض إفراز السيروتونين. هذا الانخفاض ينتج عنه ما يعرف بكآبة الشتاء، كما تظهر مجموعة من الأعراض المصاحبة لهذا الفصل والمرتبطة بنقص هذه المادة من خمول وكسل وأرق ورغبة في التزام البيت واضطراب في النوم، في مقابل كثرة الأكل والميل للأكلات الحلوة والدسمة ... وهو ما يفسر، عزيزي القارئ، كيف يتحول نفس الشخص المنطلق النشيط صيفا إلى كسول مكتئب أكول شتاء. إيمان أنوار التازي أخصائية في التغذية والتحاليل الطبية