صنعت المناظرة التي جمعت « مباشرة معكم» على القناة الثانية المفكر عبد الله العروي ورجل الإشهار نور الدين عيوش حول تدريس الدارجة المغربية في الصفوف الأولى للتعليم، حدث الأسبوع الذي ودعناه. وعلى الرغم من أن المسافة الفكرية بين العروي وعيوش كانت بحجم كبير، إلا أن المحطة كانت ضرورية أولا لكي نستعيد مفكرا بحجم العروي، الذي أخرجته الدارجة المغربية عن صمته، واختار أن ينخرط في هذا النقاش الصحي الذي تحتاجه المدرسة المغربية وقضاياها الكبرى. ولكي نفهم خلفيات خطوة عيوش، ومصوغات رفض العروي. لقد حققت القناة الثانية بهذه الحلقة، ذات الخلفية التربوية الثقافية، ما لم تحققه في أي برنامج آخر. وسجل المتتبعون أن نسبة المشاهدة ارتفعت عاليا. وبدا أن قضايانا التربوية والتعليمية، على اعتبار أنها قضايا ذات أهمية كبيرة لدرجة أننا نصنف مشاكل المدرسة المغربية كثاني قضية وطنية بعد قضية وحدتنا الوطنية. لذلك يمكن للتلفزيون أن يساهم في هذه التعبئة التي نراهن عليها لإخراج المدرسة المغربية مما هي عليه. اليوم، حينما نتابع ما الذي تقوم به وزارة التربية الوطنية من خلال جلسات الاستماع التي تعقد، وما الذي يقوم به المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي، الذي فتح سلسلة مشاوراته مع الفاعلين التربويين حول الملفات الكبرى التي تنتظره، لا بد أن نطرح السؤال لماذا يغيب هذا النقاش عن شاشة التلفزيون؟ ألا تستحق قضايا التربية بعض الاهتمام التلفزيوني لكي يتابع المواطنون قضايا تعنيهم عن قرب. بالقدر الذي حققت القناة الثانية سبقا صحافيا، ونسبة مشاهدة وهي تستضيف مفكرا بحجم عبد الله العروي، بالقدر الذي فضحت تلفزيوننا المغربي الذي يقفز عن القضايا الكبرى التي تعني البلاد والعباد. ومن هذه القضايا ما يتعلق بالتربية والتعليم. بالأمس القريب دخلت المدرسة المغربية تجربة إصلاحية سمتها المخطط الاستعجالي، الذي خصصت له الدولة المغربية أكثر من أربعين مليار درهم. مخطط ضم أكثر من عشرين مشروعا، هم البنيات التحية، والتعلمات الأساسية، والتعليم الأولي، والهدر المدرسي، والمناهج الجديدة وغيرها. غير أن هذا المخطط، بكل حجمه، ظل حبيس رفوف الإدارة المركزية ومكاتب الأكاديمات الجهوية للتربية والتكوين، في الوقت الذي كان يجب أن يطرق باب الأسر المعنية في الأول والأخير بهذه الخطوة التي كان من المقرر أن تصلح حال تعليم أبنائها. لم نطل، على امتداد عمر هذا المخطط الذي انطلق من سنة 2009 إلى 2012، من أية نافذة تلفزيونة تعرض لمشاريع المخطط وأرقامه المالية، أو تناقش تفاصيل هذه المشاريع، وكيف يمكن أن يتم تنزيلها على أرض الواقع. ألم يكن من واجب التلفزيون المغربي أن يستضيف خبراء في التربية ومهتمين ومشتغلين في القطاع، لكي يتداولوا في القضايا الكبرى التي تهم التربية والتعليم، ويقترحوا ما الذي يجب أن نقوم به لإخراج مدرستنا المغربية مما هي عليه الآن. لا نحلم أن نستمع في كل برنامج لمفكر في حجم عبد الله العروي، ولكن التداول في قضايا التربية والتعليم عبر شاشات التلفزيون، يمكن أن يكون صيغة لمعرفة خبايا القطاع أولا، والبحث عن حلول لمعالجتها بدلا من أن تظل حبيسة الرفوف، تماما كما كان عليه أمر الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وما انتهى إليه أمر المخطط الاستعجالي، الذي كان في حاجة هو الآخر، كذلك لجلسات تلفزيونية يتعرف من خلالها المشاهدون عن أسباب فشله، وعن المجالات التي حقق فيها بعض الإنجاز. يقال إنه يوجد بداخل كل نقمة نعمة. ولعل نعمة هذا الخروج الذي أعلن من خلاله السيد عيوش عن ضرورة تجريب تدريس الدارجة المغربية في مدارسنا، هو أنه كشف كيف يمكن للتلفزيون أن يلعب دوره في التعبئة والتوعية لقضايا بحجم التربية والتعليم. بقي فقط أن نذكر أن حلقة « مباشرة معكم» خلفت جملة من ردود الفعل على المواقع الاجتماعية، والتي كادت تجمع على أن ما حدث كان ليلتها عرسا للمثقفين. يقول أحد المعلقين «العروي هاد الليلة كايقري المغرب كامل ... شكرا كلحسن». ويضيف آخر «واجيبو العروي للبرلمان في الجلسة الشهرية ديال بنكيران.. الله يرحم الوالدين».