قبل أيام، قام رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، بمبادرة فريدة وغير مسبوقة حين تجشم عناء السفر حتى تارودانت لحضور مسابقة جَمال. والغريب أن لا أحد في حزبه أو من المغاربة المناهضين لمسابقات الجَمال انتقده على ذلك، وذلك لأن بنكيران تحمس لهذه التظاهرة لسبب بسيط، وهو أنها مسابقة جَمال خاصة بالأبقار. ربما كان بنكيران يريد أن يبعث برسالة معينة عبر هذا الاهتمام بجَمال الأبقار، وهي أنه من الأفضل أن نهتم بجَمال حيوانات رائعة وجميلة تعطينا اللحم والحليب ونطعم بها الناس جميعا، عوض أن نهتم بمسابقات جَمال لأبقار أخرى، تعطي هي أيضا الكثير من اللحم وبعض الحليب، لكن بطريقة محسوبة ولأشخاص معينين يدفعون من أجل «البقرة» الجميلة ملايين كثيرة في ليلة واحدة... فالبقر إما أن يكون للجميع أو لا يكون. بنكيران، وربما مرة أخرى، أراد أن يوصل رسالة حيوانية إلى الذين استعملوا الحيوانات ضده، فإذا كان شباط ومن معه قرروا، في يوم من أيام الله، أن يستعملوا الحمير في مظاهرة وصفوها بالمليونية، فإن رئيس الحكومة ترك الحمير وذهب عند البقر، ولسان حاله يقول «إن أنكر الأصوات لصوت الحمير». عموما، فإن مسابقة جَمال الأبقار التي جرت في تارودانت فكرة رائعة، فالبقرة بطبعها جميلة، وصوتها يوحي بكثير من الدفء والطمأنينة، وهي حتى إن نطحت فإنها تفعل ذلك من باب الخوف لا أقل ولا أكثر، وكثير من الأبقار المدللة تحمل أسماء جميلة مثلها مثل البشر، وفي أوربا يدللونها أكثر من البشر. لكن مسابقة جَمال الأبقار في تارودانت ليست هي الأولى، حيوانيا؛ فقبل سنوات، بدأ تنظيم مهرجان جَمال الحمير في قرية بني عمار بنواحي زرهون، وهي مسابقة صارت تكتسي اليوم طابعا دوليا، وفي نهاية كل مسابقة يفوز حْمار أو «حْمارة»، بلقب الجمال، مع كثير من «الماكياج» والمساحيق التي تجعل الحمار الفائز أشبه بمهرج في سيرك رديء، عكس البقرة التي لا تحتاج ولو إلى لمسة ماكياج. الجديد في كل هذا أن الحمير والبقر في المغرب، التي ظلت لقرون طويلة في غياهب النسيان، صارت فاعلة رئيسية في السياسة، لذلك صرنا نرى مظاهرة «مليونية» تتقدمها الحمير ونخبة من السياسيين، ورأينا كيف ينتقل رئيس حكومة إلى تارودانت للقاء البقر والرد على أنصار الحمير، وقريبا قد نرى حيوانات أخرى كثيرة تدخل معترك السياسة في المغرب، كالقردة والخنازير والضباع والزواحف وكثير من المخلوقات الأخرى، هذا إذا لم تكن قد دخلت السياسة من زمان ونحن لا نراها. الحمير والبقر التي أصبحت تحظى بالعناية السياسية والجمالية في المغرب هي نفس الحيوانات التي يستعملها الناس صباح مساء لشتم بعضهم البعض، فأول ما يتبادر إلى ذهن مغربي عندما يريد شتم آخر هو كلمة «حْمار»، وعندما يريد أن يستعمل شتيمة «لايْت» فإنه يستعمل كلمة بقرة أو ثور، مع أنه لا يوجد في تاريخ المغرب حيوانات وقفت إلى جانب المغاربة مثلما فعلت الحمير والبقر، فالحمير المغربية معروفة بصبرها الذي لا يُضاهي، ومهما حدث لها فهي تصبر وتصبر وتصبر، إلى درجة أن الإسبان صاروا في السنوات الأخيرة يستوردون الكثير منها لأنها متعودة على الأعمال الشاقة، لذلك يستغرب المزارعون الإسبان، الذين يستخدمون الحمير المغربية في شؤونهم اليومية، تفريط المغرب بسهولة في ثروته الثمينة وتصديره هذه الكائنات الحميرية التي كان من الممكن أن تساهم بقوة وفعالية في اقتصاد المغرب وفي مختلف الميادين. الحمير المغربية معروفة، أيضا، بكونها نبيهة جدا، وعندما تذهب نحو أوربا فإنها تبهر أصحابها بقدرتها على التأقلم مع كل الظروف، خصوصا وأنها تجد معاملة لائقة، مع كثير من الشعير والبرسيم. أما البقر، فحالته في المغرب تلخصها هذه الحكاية التي يقول كثيرون إنها واقعية، والحقيقة أن لا شيء يمنعها من أن تكون كذلك. ففي السنين الخوالي، أيام كان المغرب ينظر إلى سنة 2000 وكأن المغرب سيصل فيها إلى القمر، كان هناك وزير فلاحة يجول بين المدن والقرى، ويتحمس لارتفاع رؤوس الحيوانات التي كان يتمنى أن تتفوق على رؤوس البشر. ومرة، كان في ضيعة كبيرة بها قطعان كثيرة من البقر، فبدأ الحديث أمام الفلاحين المنبهرين، وأخبرهم بأن الحكومة تطمح إلى المزيد والمزيد من البقر، وختم خطبته الحماسية قائلا: زيدُو آسْيادنا فشْغالكم.. ومْن دابا لعام ألفين المغرب غادي يولّي كلّو بْقر..