لم تنفع جميع الخطط والاستراتيجيات التي تبنتها السلطات العمومية في الدار البيضاء، في العقد الأخير، للحد من انتشار الباعة "المتجولين"، حيث تضاعفت هذه الظاهرة خلال هذه المدة بشكل كبير، وأصبح ملف الباعة "المتجولين" عصيا عن الحل في العاصمة الاقتصادية. في صيف 2003 خرجت السلطات العمومية بخطة إحداث أسواق نموذجية لحل هذه الإشكالية، وتم الحديث، آنذاك، عن تخصيص الملايين من السنتيمات لإحداث أسواق نموذجية لاحتواء هذه الظاهرة، إلا أن هذه الخطة لم يكتب لها النجاح في الدار البيضاء، إذ ظهرت إلى جانب بعض الأسواق النموذجية أسواق عشوائية جديدة. ومن حين إلى آخر يحتج من يعتبرون أنفسهم ضحايا الأسواق النموذجية، بسبب عدم استفادتهم من المحلات، وهو الأمر الذي جعل هذه الخطة تموت في المهد، وبعدما تم الوقوف على محدودية فكرة إحداث الأسواق النموذجية وعدم قدرتها على حل الإشكال المرتبط بالباعة المتجولين، بدأ الحديث من جديد عن فكرة أخرى ظلت حبيسة الرفوف، حيث لم تخرج أصلا إلى الوجود، وكانت تقتضي بترحيل الباعة المتجولين إلى فضاءات بعيدة عن السكان، حيث تتكلف كل عمالة بإحصاء الباعة المتجولين وترحيلهم إلى فضاءات أخرى غير آهلة بالسكان. بدورها لم تجد هذه الخطة الطريق معبدا لها من أجل التنفيذ، لأنه تم رفضها بشكل مطلق من قبل مجموعة من الباعة، الذين لم يتقبلوا الفكرة من أساسها، لأن ذلك سينعكس على رواجهم التجاري، بحكم أن العديد من المواطنين لن يكون بمقدورهم الذهاب إلى الأماكن الجديدة. ونظرا لحجم المشاكل التي أصبحت تنتج عن ظاهرة الباعة المتجولين، لم تجد السلطات العمومية في الدار البيضاء بدا من مطالبة بعض الباعة المتجولين باحترام وقت محدد في عملية البيع والشراء، والممتد من الساعة الثامنة إلى الثانية بعد الظهر، كما وقع في سوق بئر لحلو في عمالة مقاطة ابن امسيك، والذي يعد من الأسواق العشوائية "التقليدية" في الدار البيضاء، ويعتبر مراقبون للشأن المحلي في الدار البيضاء أن هذه الخطة هي التي يمكن حاليا أن تعطي نتائجها المحمودة، خاصة إذا كانت هناك مصاحبة من قبل السلطات المحلية للتنفيذ الحرفي لهذه الخطة، لأنه "لا ضرر فيها ولا ضرار". تنظيم الباعة المتجولين، حسب مصادر"المساء"، يبقى هو الحل لاحتواء هذه الظاهرة، لأن استعمال العصا والمقاربة الأمنية في التعامل معهم، لن يسفر عن أي نتائج، مما يحتم في الظرفية الراهنة اتباع أي طريق يهدف إلى عملية التنظيم، لأن ذلك سيساعد في إحصاء الباعة المتجولين، كما أنه يمكن للمقاطعات أن تستفيد من مداخيل إضافية في حال ما إذا ما تم تنظيم جميع الأسواق الموجودة في المدينة. الإشكالية المرتبطة بالباعة "المتجولين" في الدار البيضاء تضيع على المدينة الملايين من السنتيمات، وتساهم بدورها في تشويه هذه المدينة، ويؤكد متتبعين لهذا الملف، أنه لا يمكن بأي حال ضمان نجاح أي خطة لتنظيم الباعة، إلا بمشاركة جميع المتدخلين في هذه العملية سواء تعلق الأمر بالسلطات المحلية أو المنتخبين وجمعيات المجتمع المدني وممثلين عن الباعة.