في مبادرة غير مسبوقة، تتزامن مع التوتر في الساحة المصرية، خرج جهاديون وتكفيريون مصريون سابقون بإعلان عن تدشين «رابطة الجبهة الوسطية لمواجهة الفكر التكفيري»، مستلهمين التجربة السعودية في مواجهة أفكار التطرف والعنف باسم الدين، ممثلة في حملة «السكينة» التي أطلقتها الرياض قبل سنوات، بتعاون بين وزارة الأوقاف ووزارة الداخلية وعدد من الدعاة والجهاديين السابقين، الذين كانوا ضمن صفوف تنظيم القاعدة، غير أن التجربة المصرية الأخيرة ليس وراءها فيما يظهر حتى الآن جهة رسمية، وإن ظهر بينهم دعاة ينتمون إلى جامعة الأزهر. ونظم هؤلاء ندوة صحافية في الأسبوع الماضي لشرح تفاصيل مشروعهم. وقال الشيخ عبد الرحمن نصار، أحد علماء الأزهر، إن رفض العنف والتكفير هو موضوع الساعة، موضحا أن الإسلام دين خال من الألغاز ولا تخفى أحكامه على أحد، ولكن ما يحدث أن من يؤمنون بأفكار مسبقة يلوون عنق الأدلة لتأكيد فكرتهم. وفي كلمته، قال أحمد راشد محمد راشد، المسؤول الجهادي السابق، عضو «الجبهة الوسطية لمجابهة الغلو الديني والتكفير والعنف السياسي»، إنه سيعلن شهادته عن جماعة الجهاد في فترة عمله بها منذ عام 1976 حتى عام 1993، في كتاب من خمسة أجزاء ضمن المراجعات الفقهية الجهادية لنبذ العنف والتكفير، ودعا في كلمته في المؤتمر الذي حمل شعار «النفير في مواجهة غلو التكفير»، الجماعات الإسلامية للتصالح فيما بينها وبين جماعة الإخوان، ليتصالحوا مع أنفسهم، ثم يتصالحوا مع باقي طوائف المجتمع لتنهض الأمة. ويظهر أن النموذج الذي دشنته السعودية قبل سنوات، بحملة أطلق عليها اسم «السكينة»، قد بدأ يغري عددا من البلدان العربية والإسلامية في الاقتداء بها في إطار سياسات جديدة لمحاربة ظاهرة التطرف والتكفير والغلو في الدين. وقد حظيت التجربة السعودية باهتمام واسع في مختلف أنحاء العالم في الدوائر المعنية بمحاربة الإرهاب. وأكدت دراسة أجريت قبل أشهر قليلة في الولايات المتحدة الأمريكية بأن دولا كبرى في مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا تبدي اهتماما بالاستراتيجيات السعودية لمحاربة التطرف والفكر التكفيري، الذي وجد في شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) مرتعاً خصبا للاستشراء وإغواء الشبان وتضليلهم. وقالت دورية «سي تي سي سنتنيل» التي يصدرها مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأمريكية، إن تعاظم شعبية الإنترنت ودورها المركزي في نشر إيديولوجيا التطرف والعنف، أديا إلى اهتمام دولي على نطاق واسع بما تقوم به حملة «السكينة» السعودية لمكافحة التطرف المستشري في مواقع الشبكة العالمية، لدفع المتطرفين السابقين إلى التوبة واعتناق الفكر المعتدل. وأضافت الدراسة أن نجاح الحملة دفع بريطانيا وأمريكا والجزائر والكويت والإمارات إلى إبداء رغبات في إنشاء برامج مماثلة لتحقيق الغرض المنشود. ورأت الدراسة التي أعدها الدكتور كريستوفر بوسيك، وهو خبير أمريكي يعكف منذ سنوات على دراسة الاستراتيجيات السعودية لمكافحة التشدد وإعادة تأهيل المتطرفين التائبين، أن التواصل مع الشريحة السكانية المتمسكة بتعاليم دينها والتي تبحث عن إجابات عن أسئلة تتعلق بالإسلام، وتقديم بدائل للتطرف العنيف، يمثلان «ضرورة حاسمة في حرب الأفكار». وأكد الجهاديون المصريون السابقون في الندوة الصحافية ضرورة عودة مصر إلى خط الوسطية في الإسلام، وجعل الأزهر محور الفكر الديني في مصر. كما أعلنوا عن الشروع في نشر سلسلة من الكتب التعريفية التي ترمي إلى كشف حقيقة الفكر المتشدد وإظهار معالم الفكر الوسطي المعتدل في الإسلام. وقالت الجبهة في بيانها إن البلاد شهدت خلال الأعوام الثلاثة الماضية عددا من الموجات الثورية والتقلبات السياسية أفرزت واقعا سياسيا جديدا، تمثل في تحالف جموع الشعب المصري مع قواته المسلحة وشرطته وقضائه وإعلامه وأزهره وكنيسته، لصياغة مرحلة جديدة من التعايش المجتمعي وتقديس الحرية والكرامة الإنسانية ورسم خريطة الطريق لهذا الواقع.