يسمع المرء نبراته فيخال بكثير من اليقين أن محدثه الرجل المهادن، يلمح عينيه، فيلفي غير قليل من مكر المحدثين الجميل، حركاته البطيئة تشي بعمق تفاعله مع النقاش، نفسه الطويل في الجدال ينبئ بتاريخ مثقل بالتمرس والتجربة والذكريات الإعلامية التي وصل مداها إلى كل الآذان العاشقة لكشف المستور ولمنح الحقيقة الكثير من التجلي والانكشاف. هو أحمد منصور، الصحفي المصري الذي يعشق الأراضي المصرية، ولا يحتفظ للحكام المصريين بجميل الذكرى، في وقت يجد فيه المصريون البسطاء حسن المثال. بين أحياء أرض الفراعنة البسيطة، كان المنشأ، بعدما رأى النور في السادس عشر من يوليوز من سنة 1962، عاش طفلا مرحلة رئاسة عبد الناصر، وألفته هزيمة 1967 صغيرا لا يتجاوز خمس سنوات، وشهد اغتيال السادات في لعبة السياسة المصرية، وعاصر مرحلة محمد حسني مبارك بذكرياتها ومحطاتها التي نبش فيها غير ما مرة. بعد فترة دراسية ختمها سنة 1984 بحصوله على «بكالوريوس» في الآداب، انخرط أحمد منصور في العالم المهني، باشتغاله مديرا للطبع والنشر في دار«الوفاء للطباعة والنشر» ما بين سنتي 1984 و1987، قبل أن يدق باب الصحافة باشتغاله مراسلا في شؤون أفغانستان وآسيا الوسطى للعديد من الصحف والمجلات العربية في باكستان. طموح نحو إثبات الذات وتكوين مواز لهذا الطموح سيتكرسان في تغطيته للحرب الأفغانية الشهيرة والصعبة ما بين سنتي 1987 و1990، وهو الحدث الذي أفضى إلى إدارته مجلة المجتمع الكويتية لمدة تجاوزت سبع سنوات، قام خلالها بتغطية الحرب الدموية في البوسنة والهرسك. ويمثل تاريخ السابع من شهر ماي من سنة 1997 محطة أساسية في المسار المهني لأحمد منصور بالتحاقه بقناة الجزيرة القطرية التي خطف فيها الأضواء من خلال تألقه في إعداد وتقديم برنامجي «بلا حدود» و«شاهد على العصر» اللذين منحاه كثيرا من الشهرة والعلاقة المميزة مع الجمهور العربي، وهي العلاقة التي تجاوزت كل الحدود وعبرت كل الآفاق وتحدت كل القيود والأحكام الجاهزة، والتي تقوت بتغطيته لمعركة «الفلوجة» الأولى في سنة 2004. نجاح تلفزيوني، ولاسيما في برنامج «شاهد على العصر»، سيتحول إلى نجاح على مستوى التأليف، بتحويله بعض حلقات البرنامج إلى مؤلفات من بينها: «جيهان السادات... شاهد على عصر السادات» و«الشيخ أحمد ياسين..شاهد على عصر الانتفاضة»... دون نسيان الإشارة إلى تأليفه لأكثر من 16 كتابا منها: «تحت وابل النيران في أفغانستان»، «تحت وابل النيران في ساراييفو»، «النفوذ اليهودي في الإدارة الأمريكية»، «قصة سقوط بغداد وغيرها»... فضلا عن مشاركته ككاتب في العديد من الجرائد والمجلات العربية. تاريخ طويل وطموح أكبر لم يكونا ليجدا طريقهما إلى التحقق دون هوامش-قد تكون صعبة- للخطر الذي يصل في أودنى درجاته إلى القذف والتهديد، وفي أقصها إلى الاعتداء، وهو ما حصل في الثامن من شهر نونبر من سنة 2005 ، بعدما هاجمه مصريان أثناء استقباله للدكتور المعارض نعمان جمعة وأصاباه بجروح خطيرة، في ما يمكن اعتباره ضريبة قاسية، لنبشه في الأسرار العربية، كان آخرها حواره الشيق مع أحمد المرزوقي، أحد من عايشوا انقلاب الصخيرات في المغرب.