أكد عبد اللطيف معزوز، وزير التجارة الخارجية، أن الأبناك المغربية لم تكن لديها تلك «الودائع المسمومة»، وهو الأمر الذي طمأن المغرب وبقي دائما يقول إننا بعيدون عن الأزمة. لكنه لم ينف وجود آثار اقتصادية تمثلت في انخفاض مداخيل السياحة وتحويلات الجالية المغربية بالخارج خلال الشهرين المنصرمين، إضافة إلى تراجع بعض الاستثمارات الخارجية. - بعد اندلاع الأزمة المالية الحالية، كانت بعض الأوساط الحكومية تقول إن المغرب سيكون بمنأى عن تداعيات هذه الأزمة. بعد مضي 6 أشهر تقريبا، ما هي الوضعية العامة؟ < يمكنني القول إن المغرب لا زال بمنأى عن الأزمة المالية العالمية، وتصريح بعض أعضاء الحكومة الذي تحدث عن ذلك انطلق من صلابة المنظومة المالية بالمغرب، وخصوصا القطاع البنكي وكيفية تسييره واشتغاله، باعتبار الأبناك المغربية لم تكن لديها تلك «الودائع المسمومة»، وهو الأمر الذي طمأن المغرب وبقي دائما يقول إننا بعيدون عن الأزمة.. لكن بالمقابل تحولت الأزمة المالية الحالية إلى القطاع الاقتصادي، وبالتالي أصبح المستهلك متضررا بصفة مباشرة، والمقاولة لم يعد لديها ذلك التمويل المصاحب لاستثماراتها، ويمكن القول إن الأزمة دخلت إلى المغرب نتيجة تراجع الطلب الدولي على المنتجات المغربية، وبالتالي عرفت مداخيل المستهلكين انخفاضا كذلك، وهو ما لمسناه من خلال مداخيل السياحة وتحويلات الجالية المغربية المقيمة بالخارج خلال الشهرين الماضيين، كما انخفض الدعم الذي كانت تمنحه بعض الدول للمغرب وبعض الاستثمارات الخارجية، إذ يمكن القول إن هذه الأسباب هي النافذة التي دخلت منها الأزمة الاقتصادية إلى المغرب، أي أنها دخلت من خلال النوافذ المغربية المفتوحة على العالم. حجم التأثير - إذا ما تطرقنا إلى حجم التأثير على الصادرات والواردات، أي التجارة الخارجية المغربية ومناصب الشغل والميزانية بشكل عام، كيف تقيمون هذا التأثير على مختلف القطاعات؟ < هناك مستويان من التقييم، التقييم البعدي من خلال الإحصائيات التي سجلت تراجعا في صادرات النسيج بحوالي 9 في المائة، وفي قطاع السياحة بما يقارب 2 في المائة...وهناك مستوى آخر يمكن تسميته بالتقييم القبلي، أي من باب الحيطة والحذر، فلا يمكن اليوم التكهن بما سيقع في الشهور المقبلة ونحن في ظل هذه الأزمة، وحتى المنظمات والمؤسسات الدولية المختصة في مراقبة مثل هذه الأزمات الاقتصادية، ومنذ يوليوز الماضي، لا تستقر على رأي، وكل شهر تتغير التخمينات في اتجاه الانخفاض وليس العكس، وكمثال على ذلك كانت التوقعات في أكتوبر 2007 تشير إلى نسبة نمو بالنسبة لدول كالصين والهند تقارب 7.3 في المائة، و2.6 في المائة للدول المتقدمة و5.1 في المائة بالنسبة للدول النامية، لكن هذه التوقعات انخفضت تدريجيا منذ أكتوبر 2008، حيث أشارت إلى نسبة لن تتعدى ما بين 2009 و2012 ما يقارب 1.5 في المائة للدول المتقدمة و3 في المائة للدول متوسطة النمو ثم 6.1 في المائة بالنسبة للدول النامية. تضرر قطاع النسيج - بالنسبة للمغرب، هناك حديث عن تأثر قطاع النسيج بشكل أساسي. أين تكمن المشاكل الأساسية لهذا القطاع الذي تضرر أكثر من غيره؟ < السبب الرئيسي هو نقص الاستهلاك المسجل، خصوصا من طرف الأسواق الأوربية، حيث أغلب الأسواق التي يتعامل معها المغرب متمركزة بالسوق الأوربية، وسجلنا مؤخرا انخفاضين اثنين، يتمثل الأول في السوق الانجليزية التي عرفت انخفاضا قبل اندلاع الأزمة المالية، لأن انجلترا كانت أول دولة تضررت من الأزمة العالمية، مما انخفض معه استهلاك المواطنين. وينضاف إليه انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني، مما جعل قيمة الدرهم المغربي يرتفع لتصبح مشتريات المغرب من بريطانيا أكثر غلاء، وانطلق هذا الأمر منذ بداية الفصل الثاني من 2008، ثم هناك مقاولات مغربية تتعامل مع أسواق أوربية محدودة، وبالتالي أسواق ليس لديها انتشار واسع، فمثلا شركة «زارا» لم يكن لديها انخفاض ملحوظ في طلباتها، لأن لديها انتشارا واسعا بعدة أسواق، والسوق المغربية له أسبقية لدى هذه الشركة، وهي تفضل رغم الأزمة التعامل مع المغرب. ويتوقع مهنيو قطاع النسيج أن تكون أصعب الظروف خلال الدورة الأولى من هذه السنة، حيث من المنتظر أن يشهد شهر أبريل المقبل العودة إلى ارتفاع نمو القطاع مرة أخرى، ولهذا كانت هناك إجراءات سريعة همت قطاع النسيج، ونفس الأمر بالنسبة لقطاع السيارات، حيث عرفت شركات عالمية لصنع السيارات أزمات خانقة وصلت إلى حد إقفال بعض مصانعها، وبالتالي أصبح الطلب في انخفاض على التجهيزات والمعدات المرتبطة بالسيارات، وهو ما انعكس على المقاولات المغربية المتخصصة في الأسلاك الكهربائية والمرتبطة أساسا بقطاع السيارات، والتي انخفض الطلب عليها في الآونة الأخيرة. - وماذا عن الرقم المعلن حول فقدان قطاع النسيج لأكثر من 50 ألف منصب شغل جراء هذه الأزمة؟ هل هذا الرقم صحيح؟ < لا يمكننا حاليا الحديث عن وصول العدد إلى 50 ألفاً، لكن ما حاولنا لحد الساعة القيام به هو الحد من النزيف مهما كان الرقم، فالإجراءات الحكومية الأخيرة لمواجهة الأزمة ابتدأ مفعولها منذ فاتح يناير 2009، وكان الهدف منها إيقاف أي تسريح للعمال في هذه الظرفية، ويروم ذلك تحقيق هدفين اثنين، أولهما الحفاظ على القدرة الشرائية للمستخدمين والعمال، ثم الهدف الثاني الحفاظ على الكفاءات داخل المقاولة المغربية، لأنه مهما طالت الأزمة فإنها ستزول، وبالتالي يجب ألا نفرغ مقاولاتنا من أطرها التي استثمر المغرب في تكوينها منذ سنين بمبالغ محترمة فليس من المقبول إهدار هذا المجهود. إجراءات رسمية - ماهي بالتحديد هذه الإجراءات التي قامت بها الحكومة؟ < أولا، تشجيع المقاولات بالاحتفاظ بمستخدميها، حيث ستساهم الدولة بحوالي 20 في المائة من كتلة الأجور عبارة عن تحمل الأعباء الاجتماعية للمستخدمين كالضمان الاجتماعي والتقاعد... حيث إذا كانت المقاولة تدفع مثلا 100 مليون سنتيم عن هذه الأعباء، فإن الدولة ستتحمل عنها 20 مليون سنتيم، وبالتالي ستنخفض تكلفة الأجور لدى هذه المقاولات، وهو ما سيقوي من قدرتها التنافسية، لكن هناك شرطاً أساسياً وضعته الدولة للاستفادة من هذا الدعم وهو الاحتفاظ بالمستخدمين، كما بادرت الحكومة إلى تشجيع الأبناك على تمويل المقاولات التي تعاني من الأزمة، من خلال ضمانة تعطيها الدولة لصالح القروض بنسبة تصل إلى 65 في المائة، والبنك سيتحمل 35 في المائة، الشيء الذي سيشجع الأبناك على منح قروض إضافية للشركات والمقاولات، خصوصا في هذه الظرفية. كما اتفقنا مع الأبناك على منح تسهيلات في أداء أقساط القرض بالنسبة للمقاولات المتضررة، حيث على المقاولة تسديد أقساط الفائدة بدون القسط الرئيسي لمدة سنة، ثم هناك إجراء آخر يتمثل في الرفع من قيمة التأمين على قروض الصادرات، وذلك لتشجيع المقاولة على البحث عن أسواق بديلة، تكون فيها نسبة المجازفة كبيرة، لكونها أسواق غير معروفة من لدن المقاولات المغربية، في حدود 100 ألف درهم لكل مقاولة ستقوم بالبحث عن زبناء جدد، وستضع الدولة لدى هؤلاء المقاولات لائحة بالأسواق ذات الأهمية بالنسبة لقطاع النسيج والسيارات. رفع الصادرات - تعتزم الحكومة الرفع من حجم صادرات المغرب إلى 230 مليار درهم في أفق 2018 خارج مبيعات الفوسفاط ومداخيل السياحة. كيف سيتم ذلك؟ < تعلمون أن صادرات المغرب تمثل أقل من 25 في المائة من الناتج الداخلي الخام، نتيجة محدودية العرض الخاص بالصادرات المغربية، حيث يمكن القول إن هناك حوالي 200 مقاولة مصدرة فقط تتعامل بكيفية منتظمة مع أسواق وزبناء مستقرين، لكن المقاولات الأخرى ليست لديها أسواق قارة، أي تصدر هنا وهناك بشكل غير منتظم، وهو ما يقلل من قوة حجم صادراتنا إلى الخارج، الشيء الذي دفع الحكومة إلى التفكير في تغيير الوضعية منذ سنة 2004، حيث بادرت الحكومة إلى إخراج «برنامج إيميرجونس” الذي لم ينطلق من فراغ، فلا يمكننا تنمية اقتصاد المغرب بكيفية ملموسة تجعلنا نخفض من نسبة البطالة وتشغيل أكثر لليد العاملة خلال السنوات المقبلة إلا إذا أنتجنا أكثر وبالتالي نسوق أكثر، مع البحث عن أسواق جديدة وليس الاقتصار على السوق الداخلية، ولكي نصدر منتجاتنا يجب أن نتخطى منطق المقاولة العائلية إلى منطق تدويل المقاولة، أي إعادة النظر في النسيج المقاولاتي المغربي، وهو ما جاء به برنامج «ايميرجونس» منذ سنة 2004، خصوصا في قطاعات معينة كالنسيج والسيارات والصناعة التقليدية... وكان من المنتظر أن تكون 2010 سنة جني نتائج البرنامج، لكن مع الأسف سيتأخر ذلك نتيجة الأزمة العالمية، وكمثال على ذلك مشروع «رونو-نيسان» بطنجة الذي سيتأخر لبضعة شهور. انكماش سعر الفوسفاط - لنتحدث الآن عن الرافد الأساسي لصادرات المغرب «الفوسفاط»، حيث لوحظ مؤخرا أن سعره بالأسواق العالمية عرف بعض الانكماش، ألا يشكل ذلك تهديدا للتوازنات المالية للمغرب؟ < جدير بالذكر أنه خلال السنة الماضية سجل الفوسفاط أرقاما قياسية في المداخيل، وحاليا لمسنا تراجعا في الأسعار حيث عاد إلى مستوياته السابقة، لكن بالمقابل لمسنا كذلك انخفاضا في أسعار البترول. الذي يشكل أهم واردات المغرب، بالإضافة إلى تراجع أسعار بعض المواد الغذائية كالحبوب مثلا، أي أن هناك توازنا بالنسبة لميزان الأداءات، كما أن العبء بالنسبة لصندوق المقاصة سينخفض، وبالنسبة لتخمينات الحكومة من خلال ميزانية 2009، أخذنا بعين الاعتبار التراجع في سعر الفوسفاط، أي أن هناك وعياً بأن أسعاره في 2008 كانت استثنائية، وليس في صالح المغرب أن تبقى هذه الأسعار مرتفعة، لأن ذلك يؤثر أولا على الكميات المصدرة، ثم إن ارتفاع الأسعار سيشجع دول أخرى للاستثمار في قطاع الفوسفاط بالنظر إلى مداخيله العالية، وهو ما سيجعل المغرب في منافسة دول أخرى . - تمثل مبادلات المغرب مع الاتحاد الأوربي أكثر من 62 في المائة من حجم المبادلات، لكن التجارب كانت دائما تبين أن أوربا تكون أول المعرضين لأي أزمة كبيرة، ماهي الحلول البديلة للنقص من هذه “التبعية” وتدعيم “استقلالية” الاقتصاد الوطني تجاه دول أخرى؟ < لايمكن الحديث عن أن أوربا هي المتضررة الوحيدة من الأزمة، فهناك أمريكا وآسيا، أي أن العالم بأسره اكتوى بنار الأزمة الحالية، وحتى العالم العربي وإفريقيا، رغم أنها ليست بنفس الحدة، وبالتالي فهذه الظرفية لم تستثن أحدا، ومع ذلك أتفق معك على أنه يجب أن يكون هناك تنويع، لكن هذا الاخير ليس غاية في حد ذاته، وفي هذا الصدد قامت الحكومة باكتشاف أسواق أخرى يمكن للمغرب أن تكون لديه حظوظ بداخلها، كما أن للمغرب إمكانيات لم تستغل بعد، لكن في نفس الآن يمكن القول اليوم إن السوق الاوربية تبقى هي القريبة منا لا من حيث المسافة أو من حيث درجة التواصل معها، وبالتالي أختلف مع الذين يقولون إن السوق الأوربية ليست بالجيدة، بالعكس يجب أن نحافظ على مكانتنا بداخلها بل الزيادة في اختراقها، لأن المغرب لا يتوفر إلا على 1 في المائة داخل هذه السوق، ولهذا يجب تعزيز موقع المغرب بأوربا وفي نفس الوقت يجب التنويع في الأسواق، وهو مادفع المغرب إلى عقد اتفاقيات التبادل الحر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والعالم العربي... وقريبا سيوقع المغرب اتفاقية مع الاتحاد النقدي الاقتصادي لإفريقيا الغربية. وعود حزب الاستقلال - كان حزب الاستقلال قد وعد المغاربة في حملته الانتخابية الأخيرة بخلق 2.5 مليون منصب شغل خلال 5 سنوات، بمعنى 500 ألف منصب كل سنة، مضت السنة الأولى ولم نلمس ذلك. ما رأيكم؟ < لقد وصلنا تقريبا إلى 400 ألف منصب شغل في ظروف خاصة، وإذا أخذنا بعض القطاعات كالبناء والطرق والسياحة والصناعة.. فليست لدي أرقام مضبوطة لكن كانت هناك 380 ألف منصب، وأحسن دليل على ذلك هو تراجع معدل البطالة بالمغرب إلى أقل من 10 في المائة وفي ظروف مثل هذه، حيث عرفنا 3 أزمات، الأولى في الطاقة والمواد الأولية، ثم الأزمة المالية، وأخيرا الازمة الاقتصادية، وحقق المغرب رغم ذلك 6 في المائة من نسبة النمو و9 في المائة بالنسبة للبطالة، وهذا ليس بالأمر السهل. - ما هي توقعات حزب الاستقلال بالنسبة للانتخابات الجماعية المقبلة وكذلك نسب المشاركة؟ < نحن متفائلون بها مثل الانتخابات التشريعية الأخيرة وكذا الانتخابات الجماعية السابقة، حيث كان حزب الاستقلال في المقدمة، أما توقعات الحزب لنسب المشاركة، فصراحة لا يمكنني أن أعطيكم أي توقع، إذ لا أتوفر على أي معطيات في هذا الشأن، لكن أتمنى أن يكون المغاربة واعين بأهمية الانتخابات المقبلة. 10 أرقام في ميزان التجارة الخارجية حتى أكتوبر 2008 < بلغت المبادلات التجارية الخارجية 520 مليار درهم. < بلغت قيمة الصادرات 219.5 مليار درهم محققة ارتفاعا وصل %18. < وصل حجم الواردات 300 مليار درهم، مرتفعة ب%29.50. < سجل معدل تغطية الواردات بالصادرات تراجعا ليصل إلى %73 عوض %80. .تفاقم العجز التجاري ليبلغ تقريبا 80.5 مليار درهم، مرتفعا بمعدل %76. < بلغت المشتريات النفطية 64 مليار درهم مقابل 43 مليار من نفس الفترة سنة 2007 وساهمت ب%31 في ارتفاع إجمالي للواردات. < دوصلت قيمة مبيعات الفوسفاط ومشتقاته 48.6 مليار درهم مقابل 17.9 مليار درهم عن سنة 2007. < مثلت مبيعات الفوسفاط ومشتقاته %36 من إجمالي الصادرات. < بلغت مبيعات مواد التجهيز13 مليار درهم بزيادة 13% وتتشكل أساسا من مبيعات الخيوط والأسلاك الكهربائية اتجاه فرنسا وإسبانيا وإيطاليا. < تشكل أوروبا %62.9 من صادراتنا و%61.6 من وارداتنا وتشكل فرنسا %22 وإسبانيا %17 من صادراتنا وعلى التوالي 15.6% و%10.6 من وارداتنا.