بسرعة فائقة يستطيع حميد بوقرقيبة أن يقوم بعمليات رياضية غاية في الدقة والتعقيد، لكن بكثير من الضبط والثقة في الذات. هذا الشاب البالغ من العمر 27 سنة، والذي يقطن رفقة عائلته بحي سيدي بوجيدة الشعبي، معروف بعبقريته بمدينة فاس، وعادة ما تلجأ إلى خدماته جل شركات المدينة لضبط فواتيرها والتدقيق في عملياتها الحسابية والمالية دون أي استخدام لآلة حاسبة أو لأوراق وأقلام تأخذ الكثير من الوقت والجهد للحصول على نتائج يمكن أن يؤدي هامش الخطأ فيها، مهما صغر، إلى إرباك الميزانيات. لكن هذه الخدمات التي يقدمها هذا الشاب، الذي يتولى مسؤولية إعالة أسرته، عادة ما تجازى بمبالغ مالية هزيلة. «إنهم يستغلون وضعي الاجتماعي وحاجتي إلى الكسب الحلال من أجل إعالة أسرتي»، هكذا يرد هذا الشاب الذي يلجأ، في فصل الصيف، كذلك إلى امتهان حرفة بائع متجول في مختلف أزقة وشوارع المدينة. لم يتمكن رشيد من اجتياز مستوى السنة الثالثة ثانوي بسبب الظروف المادية الصعبة التي تعيشها عائلته، لكن بكثير من التحدي، حصل على شهادة الباكلوريا كمرشح حر، وولج الجامعة، وهو حاليا يتابع دراسته في السنة الثالثة شعبة الفيزياء والكيمياء. ويقول إن أغلب أساتذته يشجعونه على صقل موهبته، دون أن يستطيع أحد منهم أن يساعده ليفجر طاقاته ومواهبه، ودون أن تكلف إدارة كليته نفسها حتى عناء التعرف على إمكانياته وهو الذي يحصل في كل نهاية موسم دراسي على أعلى المعدلات. وبكثير من الحسرة، يشير هذا الشاب إلى أن المؤسسات التعليمية التي تعلم فيها، لم تكن تنادي عليه إلا للمشاركة في بعض حفلات «النشاط»، وهي الحفلات التي يطلب منه أن يقوم فيها ببعض العمليات الحسابية، كأن يسألك عن بعض الأرقام ليقوم بتحديد رقم هاتفك كاملا، أو أن يحدد رقم حذائك أو يتعرف على التاريخ الدقيق لولادتك ورقم منزلك... ومنذ شهر أبريل الماضي، استدعته شركة مسؤولة عن قطاع النظافة بالمدينة وتعاقدت معه لمدة سنة كاملة براتب 1900 درهم شهريا مقابل أن يتكلف بحساباتها، لكن مدة إقامته في المكتب لم تدم طويلا، لأن بعض مسؤولي الشركة قرروا توجيهه إلى مطرح النفايات لكي يقوم بحساب أطنان النفايات التي تجمع في مختلف أنحاء المدينة لتوضع في هذا المطرح الكبير. ويضطر هذا الشاب إلى العمل من السابعة صباحا إلى حدود الخامسة مساء طيلة ستة أيام من الأسبوع، ويخصص يوم الاثنين لمراجعة حسابات مصنع للنحاس بحي الصفارين بالمدينة العتيقة، مقابل مبلغ 100 درهم. في السنة السادسة ابتدائي كانت حالات إغماء تطارد، بين الفينة والأخرى، حميد بوقرقيبة. هذه الحالات تضاعفت، فطلب منه زيارة طبيب. وتم إخباره بأنه يعاني من مرض عصبي. لكن في هذه السنة كذلك، شعر هذا الشاب بأنه يستطيع أن يقوم بعمليات حسابية معقدة. فبمجرد ما كان ينطق المدرس بالعملية، كان الطالب يرفع أصبعه للجواب. كان هذا سنة 1991. ورغم نبوغه النادر في العمليات الرياضية كالضرب والقسمة والجمع والخصم والجذوع والمتتاليات، فإن رشيد يقول إنه لا يرغب في أن يفكر في أن بإمكانه أن يستغل طاقاته في النصب والاحتيال، مادام يستطيع، بقليل من المراس والتركيز، تعبئة الهواتف النقالة، وغيرها من العمليات. قبل أن يلج هذا الشاب شركة النظافة، نادت عليه شركة بالرباط ووعدته بتسوية وضعيته المادية، مقابل التكلف بملف حساباتها ومراجعتها. فرح حميد واختار السكن بحي شعبي بمنطقة التقدم، لكن بمجرد أن أنهى العمليات، مد إليه المسؤول عن الشركة مبلغ 300 درهم، فقرر العودة إلى فاس وهو يجر ذيول الخيبة في بلد يقول إنه لا يعترف بالمواهب.