الساعة تشير إلى حوالي السادسة والنصف صباحا. محمد، دقاق للقنب الهندي الشهير بأرياف كتامة، يعد عدته لاستقبال يوم طويل وشاق من العمل بگراج لتحويل الكيف إلى حشيش يملكه أحد المزارعين المعروفين بالمنطقة. عصي وبعض أمتار من قطعة ثوب سوداء اللون ومن البلاستيك... أدوات وضعها محمد جميعها في قفته مستعدا للخروج من غرفته الصغيرة بالمنزل الفسيح للمزارع المشهور. بعد ابتعاده بأمتار عن غرفته في اتجاه الفناء، سرعان ماعاد إليها باحثا عن شيء يبدو أنه مهم ونسيه داخلها. فتش في الرفوف وبين البطانية وسريره وفي مختلف زوايا الغرفة إلى أن عثر على ضالته تحت السرير، أخرج عودا طويلا وحزمة صغيرة ملفوفة بشكل جيد في كيس من البلاستيك بداخلها عشبة خضراء. «آش هادشي؟»، سألته. «هادا سبسي، بيه كندوز الوقت وهو اللي كيصبرني على الخدمة...»، أجابني راسما ابتسامة عريضة, مظهرا أسنانه التي أخذت لونا أسود. قبل الولوج إلى المعمل أو «الگراج»، توجه محمد إلى فناء المنزل، حيث أعدت له مائدة خاصة به مؤثثة ببراد شاي وبعض الزيتون والزيت والبيض المقلي. الدقاق يحظى باحترام أصحاب المنزل ويُعامل كفرد من الأسرة لأن في ذلك نوعا من التحفيز للإنتاج أكثر، سيما وأنه يُعتبر بمثابة «المعيل» بالنظر إلى أن مداخيل إنتاجه من الحشيش تعيش عليها العائلة بأكملها. «الله يعيطينا القناعة» كانت الساعة تشير إلى حوالي السابعة والربع حين انتهى صديقنا من تدخين «السبسي»،ومن تناول وجبة الإفطار، معلنا عن بداية موعد الجد والعمل. «الگراج»، الذي ولجه محمد، يوجد في نفس المنزل، وهو عبارة عن غرفة صغيرة تخترقها أشعة الشمس عبر نافذة صغيرة. رتّب أدوات العمل كل في مكانه، حيث وضع إناء كبيرا أبيض اللون أمام الكرسي الصغير وشرع في تغطية الإناء بقطعة التوب سوداء، ذات ثقوب صغيرة جدا، وكرر ذلك ثلاث مرات، ليصبح الإناء مغطى بثلاث طبقات من الثوب. محمد يفسر إكثار طبقات الذرة بكون كميات الكيف الكثيرة الثوب جمعت في أكياس بلاستيكية كبيرة سيتم دقها للمرة الأولى، لذلك فمن الضروري القيام بذلك، يضيف محمد، حتى يُستخرج منها «غُبرة حشيش» خالصة، سمّاها ب«التكراف أو التكماش»، وهذا النوع من الحشيش المستخرج من عمليات الدق الأولى للكيف لا يحتاج إلى «السّخون» أو «الپريسا» لكي يصبح صلبا، بل يكفي أن يجمع باليد حتى يصلب، وهو أرفع أنواع الحشيش وأغلاها ثمنا. استعمل محمد إناء صغيرا لصب كميات من الكيف فوق الإناء المغطى بالذرة السوداء، قبل أن يغطيها بكيس بلاستيكي كبير، وشرع في دق الكيس بعصيه مفرزا غبارا كثيفا أحدث ضبابا في الغرفة الصغيرة. العملية تكررت لما يناهز الأربعين دقيقة، حيث يعاود نزع الغطاء البلاستيكي ويفرغ ما تحته من كيف في كيس بلاستيكي آخر ويأخذ حفنة أخرى بواسطة إناء صغير من كيس آخر ويضعها فوق الثوب الأسود ويغطي الكيس من جديد ويشرع في الدق... بين الفينة والأخرى، كان صديقنا يضع عصيه جانبا ويعمد إلى إخراج رزمة بلاستيكية صغيرة ملفوف بداخلها «الكيف» ويقوم بملء رأس صغير في أسفل «السبسي» منه ويشعله لتنبعث منه رائحة قوية، يقول عنها محمد إنه حضّرها على يديه وإنه يدخن أحسن ما يوجد في المغرب من كيف. في كل مرة كان يأخذ محمد بين يديه «السبسي الكبير المنقوش» يبدأ في التحدث عن الگراجات التي اشتغل بها، وعن سمعته الطيبة بين المزارعين وتجار المخدرات، والثقة التي يحظى بها عندهم، قاصا بعض ما حدث لمزارعين مع بعض الدقاقة الذين كان بعضهم يقوم بسرقة ما يستخرجونه من حشيش، حيث يختفون ليلا ويتركون المنطقة دون رجعة، لأن غالبية الدقاقة في كتامة ينحدرون من مدن داخلية. لكن يعود محمد ويدافع، في بعض الأحيان، عمَّا يقوم به «زملاؤه» من عمليات سرقة، مستدلا على الأجر المتواضع الذي يحصلون عليه مقابل شهور يقضونها داخل الگراجات. ويضيف قائلا : «نقوم بعمل شاق طيلة اليوم مقابل 100 إلى 150 درهما، في الوقت الذي نقوم فيه باستخراج كميات من الحشيش عبر دق الكيف تصل إلى 10 كيلوغرامات في اليوم الواحد وقد تصل قيمتها المالية إلى 7000 درهم للكيلو الواحد، كيف يمكن لهؤلاء ألايقوموا بالسرقة في مثل هذه الحالات؟ «غير الله يعيطينا القناعة وصافي» «قانون الغاب» يتذكر محمد كيف استعملت أبشع أساليب التعذيب في حق دقاقة ضبطوا وهم يقومون بسرقة الحشيش المستخرج من الكيف، حيث أكد أن أحد التجار المعروفين بالمنطقة قام بربط دقاق، كان يشتغل في گراج يمتلكه وحاول سرقة «السلعة»، فاغتصبه أمام أعين باقي العاملين ليكون «عبرة لهم»...هنا لايوجد قانون آخر يسمو عن ذلك الذي وضعه كبار «التجار»، يقول محمد خافتا صوته، مضيفا : «ماكاين هنا لا مخزن ولا هم يحزنون...». محمد الذي ينحدر من مدينة الخميسات قضى ما يناهز 25 سنة متنقلا بين حقول الكيف، حيث عمل كمزارع فيها، قبل أن يقرر الانتقال إلى العمل في الگراج لارتفاع الأجرة التي قد تصل إلى 200 درهم في اليوم إن أبان الدقاق عن جديته في العمل والاتصاف بخصلة الأمانة، التي يضعها كبار التجار في المنطقة كشرط أساسي لكل من يريد العمل معهم وإن أخل ببنود الاتفاق فقد يتكرر معه سيناريو القصص التي شاهد بعض أبناء المنطقة فصولها وكان أبطالها تجار مخدرات ودقاقة «خانوا الأمانة». لا ينفي محمد إحساسه بالخوف في منطقة لا «أمان» فيها ولا في «حُكامها»، لذلك فهو يحاول أن يقوم بعمله على أحسن ما يرام دون خرق أي بند من بنود الاتفاق بينه وبين صاحب الگراج، فالدقاق مسموح له بأن يدخن من الحشيش الذي يستخرجه من الكيف، وبإمكانه أيضا أن يستعمل الكيف في ملء رأس السبسي، لكن حياته تصبح في خطر إذا ما تجرأ ومد يده إلى الإناء الواسع محاولا ملء كيس صغير لبيعه في مكان آخر. ليس سهلا أن يعلم المرء أن نهايته قد تكون في أية لحظة، وقد تكون بطرق تحط من كرامته، لذلك فمحمد اجتنب مواصلة الحديث عن الأمر مقررا وقف الاستراحة القصيرة، حيث وضع السبسي وكوب الشاي جانبا، وعاد إلى دق الكيس البلاستيكي بشكل أعنف، ربما كان للحديث الذي جرى بيني وبينه وقعا مؤلما على نفسيته. بين «التكماش» و«الترقيعة».. تتغير الأثمنة والمزاج واحد قصاصات وكالة المغرب العربي تطلق عليه اسم «الشيرا» والبعض يسميه «الزطلة» وآخرون يطلقون عليه «الغلية»...الحشيش يعد أكثر أنواع المخدرات انتشارا في المغرب لانخفاض أثمنته وتزايد العرض، خصوصا مع توسع الحقول التي يزرع فيها القنب الهندي. جودته تختلف بحسب المناطق التي يزرع فيها وأيضا بحسب الطريقة التي استخرج بها من الكيف، علاوة على نوعية المواد التي تم خلطها ب«الغبرة» التي تنتجها عمليات الدق. «التكراف» أو «التكماش» يعد من أرفع أنواع الحشيش الموجودة في المغرب. مصدرها الوحيد هو منطقة كتامة، وتتصلب بمجرد لمسها باليد، حيث لا تحتاج إلى «السخون» أو «الپريسا». ثمنها يتراوح ما بين 5 آلاف و7 آلاف درهم للكيلوغرام الواحد الموجه للتوزيع في المغرب، وقد يصل ثمنها إلى 5 ملايين سنتيم إذا ما كانت موجهة للتصدير خارج المملكة. «البارد» يوجد في مختلف گراجات تحويل الكيف إلى حشيش بالمغرب. في تاونات والشاون وباب برد وكتامة يوجد هذا النوع من «الزطلة» بشكل كبير، ويصل ثمنه إلى 4 آلاف درهم للكيلوغرام الواحد، ويتصلب بعد ضغطه بالپريسا». ويوجد أيضا نوع آخر من الحشيش يطلق عليه اسم» اللول»، لا يتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد منه 1800 درهم، ويتطلب وضعه في «السخون» وتحت «الپريسا» كي يصبح لونه بنيا، كما هو الشأن بالنسبة لنوع آخر يطلق عليه اسم «الثاني»، الذي لا يتجاوز سعره 1500 درهم للكيلوغرام الواحد، فيما لا يتجاوز سعر «الترقيعة»، وهو نوع رديء من الحشيش، 600 درهم، موجه خصوصا إلى السوق الوطنية. يذكر أن كل تاجر مخدرات يتوفر على «طابع» خاص يؤشر به على بضاعته، فبعضهم يختار الأرقام وآخرون الأسماء، فيما يعتمد البعض الآخر على رسومات لتمييز سلعتهم عن باقي السلع المتداولة في السوقين الوطني والدولي.