يمثل المغاربة حوالي 10المائة من مجموع الأشخاص المختفين بإيطاليا البالغ عددهم حوالي 24 ألف شخص, أي 2400 مختف, يشكل الأطفال القاصرون الغالبية العظمى منهم. وغالبا ما يكون اختفاؤهم مرتبطا بحوادث عنصرية وإجرامية. ويحاول معهد إيطالي متخصص الكشف عن مصير هؤلاء. تكشف كريستينا كتانيو المسؤولة عن مشروع لابانوف عن معطيات جديدة تهم تحديد هويات وجنسيات جثث مجهولة ومشوهة المعالم فارق أصحابها الحياة بمدينة ميلانو ونواحيها في ظروف غامضة. يرجح أن يكون أصحاب العديد منها مغاربة اختفوا في ظروف غامضة. معلومات وأرقام مفترضة كل المصادر الإيطالية التي تهتم بقضايا اختفاء الأشخاص وبجمع معلومات عنهم، أجمعت، من خلال أرقام مفترضة تتوفر عليها، على أن المغاربة صحبة مواطنين من أوروبا الشرقية يحتلون مراتب متقدمة في سلم الأشخاص المتغيبين بإيطاليا. فوزارة الداخلية الإيطالية ومعها جمعيات حقوقية وإنسانية، تؤكد جميعها هذه المعلوم ات لتكتشف أن نسبة المغاربة المختفين، والمأخوذة من رقم 24 ألف نسمة الذي يمثل العدد الإجمالي للمتغيبين بإيطاليا، تصل إلى أكثر من 10 %. هذا العدد المرشح للارتفاع، حسب مصادر بشمال إيطاليا، يتضمن نسبة مهمة من القاصرين المغاربة الذين اختفى أغلبهم في ظروف غامضة بعد دخولهم عالم الاتجار في المخدرات بعدد من مدن الشمال الإيطالي. فقد كانت العديد من وسائل الإعلام الإيطالية بمدينة تورينو قد سلطت الضوء قبل سنوات عديدة على هذا الموضوع، مؤكدة أن اختفاء القاصرين المغاربة بإيطاليا مرتبط أساسا بإقحامهم في عالم الجريمة المنظمة، وبالخصوص في تجارة المخدرات التي تؤدي بهم في غالب الأحيان إلى الموت إما عن طريق التعاطي للمخدرات أو بتصفيتهم جسديا، ليتم إقحامهم في سجلات المختفين والمفقودين بإيطاليا. أسباب الاختفاء تتعدد أسباب ودوافع اختفاء بعض مغاربة إيطاليا، وتتعدد بالتالي القصص والحكايات التي يرويها عنهم أقاربهم وأصدقاؤهم الذين بلّغوا عن اختفائهم لدى السلطات والمنظمات الإيطالية. فإذا كانت نسبة كبيرة قد اختفت لأسباب تتعلق بممارستها لأعمال غير شرعية بإيطاليا، فإن آخرين قرروا الانضمام إلى نادي المتغيبين هربا من أوضاع اجتماعية بائسة أو من أحكام قضائية، أو رغبة في استبدال هواء ملوث بهواء نقي. طرق المغربي رشيد.ع (25 سنة) عددا من الأبواب بمدينة تورينو بحثا عن صديقه وابن حيه كمال الذي اختفى قبل 7 سنوات بنفس المدينة التي وصلا إليها كمهاجرين سريين في مارس من سنة 2001 ليدخلا اضطراريا إلى عالم تجارة المخدرات بمنطقة «الموراتي» التي يطلق عليها مغاربة تورينو «الواد». كان يحكي عن صديقه وهو متأكد من كونه لم يختف بل قتل في ظروف غامضة قبل إخفائه، وقال: «بعد وصولنا إلى مدينة تورينو لم نجد إلا حياة قاسية وباردة، لا مأوى ولا مال ولا تعاطف من أحد، لنرتمي في أحضان تجارة المخدرات وندخل عالما الداخل إليه مفقود والخارج منه لن يكون إلا جثة هامدة. في بادئ الأمر كان كل شيء على ما يرام وكنا ننام نهارا في أحد منازل حي بورتا بلاتسو، ونعمل ليلا في بيع المخدرات. كانت حياة قاسية, لكن الأموال التي كنا نحصل عليها كانت تخفف عنا بعض الشيء. استمر الوضع على هذا الشكل أشهرا أخرى إلى أن وجدنا أنفسنا ذات يوم مطاردين من رجال الأمن لنفترق وأتمكن أنا من الهرب وتنقطع بالتالي أخبار كمال». حكاية رشيد ذكرتني بما تعرض له مغربي من تجار المخدرات بمدينة تورينو حين كبله رجال الشرطة من يديه قبل إلقائه في نهر البو للتخلص منه، وذكرتني بالحادث الذي تعرض له المغربي عبد الرحمان خلفة في نفس النهر بعد مطاردة من رجال الشرطة بسبب اتجاره في المخدرات، ليفارق الحياة هناك حسب ما روته شرطة تورينو غرقا، في حين أن أصدقاءه أكدوا أنه قتل على يد مطارديه. حكايات أخرى عن اختفاء مغاربة بإيطاليا، خصوصا أولئك الذين دخلوا عالم الجريمة المنظمة، تؤكد غالبيتها أن تصفية الحسابات بين تجار المخدرات تقف وراء هذا الموضوع، فبمدن تورينو وميلانو وبيرغامو ونابولي وغيرها من المدن الكبرى تم إعدام مغاربة من تجار المخدرات من طرف عصابات منتمية إلى المافيا قبل إخفاء جثثهم أو تشويهها ردا على خيانة صدرت عنهم أو على منافسة غير مرخص لها من طرف عصابات المافيا. ودائما بشمال إيطاليا وبمدينة كريمونا، اختفت ومنذ سنوات، قاصر مغربية تدعى ضحى.س بسبب رفض أسرتها لعلاقة غرامية كانت تجمعها بقاصر إيطالي كان يدرس معها. وحسب مصادر بمدينة كريمونا، فإن القاصر كانت ترفض العيش مع أسرتها وترفض بالتالي الثقافة المغربية المتحكمة فيها، لتعبر مرات عن رغبتها في العيش مع عشيقها، قبل أن تقرر الهرب نحو المجهول. بمدينة ميلانو، اعتاد المغربي محمد (39 سنة) على كسب قوت يومه من الاتجار في بيع السيارات، الشيء الذي جعله يسلك طرقا ملتوية لتحقيق أرباح إضافية من سيارات مسروقة، مما دفع السلطات الأمنية الإيطالية إلى ترصده واتهامه بالسرقة والنصب والاحتيال ليختفي عن الأنظار وتنقطع أخباره حتى عن أقاربه بالمغرب. تجربة «لابانوف» لأهداف علمية أسست مؤسسة الطب الشرعي التابعة لجامعة ميلانو مختبر Labanof (مختبر الأدلة الجنائية عن طريق الأنثروبولوجيا وطب الأسنان) لإجراء أبحاث أنثروبولوجية على بقايا جثث قديمة لتحديد هوياتها وإثايتها ومعرفة أسباب وفاة أصحابها، وكذا تأثيرات الظروف التاريخية والمناخ الثقافي الذي كانوا يعيشون فيه. هذه التجربة، التي تعتبر من بين التجارب الأولى بأوروبا في هذا المجال العلمي، لاقت اهتمام السلطات الأمنية الإيطالية ومنظمات إنسانية، طلبت المساعدة في الكشف عن المعلومات حول جثث مجهولة ومشوهة المعالم لتحديد هوياتها ومعرفة أسباب مفارقة أصحابها للحياة. هذا التعاون مع السلطات الأمنية الإيطالية، رغم أنه أزاغ قليلا تجربة «لابانوف» عن أهدافها العلمية الأنتروبولوجية، فإن نتائجه كانت مثمرة جدا في الكشف عن هويات أكثر من 500 جثة نسبة 30 % منها كانت لمغاربة. لقاء مع باحثة «لابانوف» كان لقائي بمديرة «لابانوف»، كريستنا كتانيو، ليس فقط لمعرفة طريقة عملها في الكشف عن الجثث وأهداف ونتائج تجربتها العلمية، بل كذلك لتمنحني أرقاما وتفاصيل عن عدد الجثث المغربية التي أخضعتها لبحث الطب الشرعي الأنثروبولوجي للكشف عن هوياتها وعن أسباب وفاة أصحابها: لماذا زاغت تجربة لابانوف عن أهدافها الحقيقية لتصبح أداة للتحريات البوليسية؟ التجربة لم تزغ عن أهدافها لكنها خصصت نسبة من نشاطها للتعاون مع السلطات المحلية لتحديد هويات وتفاصيل عن الجثث مجهولة الهوية، فنحن وجدنا في هذا التعاون خدمة إنسانية ومجالا خصبا لمعرفة تفاصيل عن جثث من ثقافات أخرى قد تساعدنا جدا في أبحاثنا الأنثروبولوجية. كيف يتم تحديد هويات الجثة المجهولة والمعروضة على لابانوف؟ مختبرنا يضم خبراء وعلماء يهتمون بالتشريح والطب الشرعي وطب الأسنان وطب العظام تلقوا تعليما وتكوينا في العلوم الأنثروبولوجية والحفريات وعلوم أخرى تهتم بالكائن البشري، هذا إضافة إلى ضمه كذلك علماء وباحثين في علوم البيولوجيا والكيمياء والعلوم الطبيعية وعلماء آثار وأنثربولوجيين. فعندما تصلنا أية جثة يتم إجراء تقارير عنها من جميع النواحي من طرف هؤلاء الخبراء في تنسيق تام في ما بينهم، ليتم بناء على ذلك، ومن خلال شكل ولون الجثة وفيزيونومية الجمجمة وأسنانها، التعرف على أصولها الإثنية والثقافية وعمرها كذلك، فمثلا إن كانت ذات تفاصيل سلافية فإننا نبعث بصورها وبصمات يدها وبكل جزئياتها إلى سفارات وقنصليات دول أوروبا الشرقية المعتمدة بإيطاليا للتعرف على هوياتها. المرحلة الثانية، هي التعرف على تاريخ وأسباب الوفاة لإصدار تقرير مفصل يسلم إلى السلطات المحلية. فكرنا في مشروع الحمض النووي لتحديد هويات الجثث المجهولة، لكن في غياب أبناك خاصة بإيطاليا وخارجها لتسجيل وتجميع معلومات عن «أي دي إن» المواطنين يبقى المشروع نظريا. وكيف يتم التعرف على هويات الجثة المشوهة؟ يتم التعرف عليها بالاعتماد على تقنية علمية جديدة تمكن من صناعة وبناء تفاصيل الوجه المشوه بالاعتماد على شكل الجمجمة وبعض تفاصيل الجثة، وهذا العمل يقوم به علماء أنثروبولوجيون تلقوا تكوينا علميا في فن النحت وكيفية بناء الوجوه بالطريقة الكلاسيكية أو عن طريق برنامج خاص للكومبيوتر. كم هو عدد الجثث المغربية التي تم تحديد هوياتها؟ مختبرنا حدد هويات أكثر من 500 جثة مجهولة، من بينها نسبة تفوق 30 % تخص متوفين مغاربة، وأعتقد أن غالبية الجثث المغربية التي حددت هوياتها إما تعرض أصحابها للقتل أو فارقوا الحياة تحت ظروف قاسية مثل البرد والمرض وغيره من الأمور. وإلى حد الآن مازلت لدينا 80 جثة مجهولة الهوية لم تتعرف عليها أية جهة، لهذا نشرنا فقط صورا وتفاصيل عنها في موقعنا الإلكتروني. هل هناك تعاون بين السلطات والجمعيات المغربية في هذا الإطار؟ نعم لدينا تعاون إيجابي وفعال مع قنصلية المغرب بميلانو التي نبعث إليها بصور وبصمات الجثث المشكوك في كونها مغربية لنحصل بسرعة على معلومات منها بخصوص الموضوع، وهو ما مكن من التعرف على هويات جثث كثيرة أصحابها مغاربة. أعتقد أن المغرب يتعاون أكثر من غيره من الدول الأخرى بخصوص الكشف عن هويات الجثث، لأنه يتمتع بنظام جيد ومتقدم لحفظ البصمات ويجبر جميع المغاربة على تسجيلها لدى السلطات الأمنية المغربية. ما أتمناه، رغم كل ذلك، هو أن أتواصل مع جمعيات مغربية تهتم بمواضيعنا وكذلك مع خبراء من داخل المغرب يحاولون تأسيس تجارب أنثروبولوجية في إطار التشريح والطب الشرعي وذلك لتبادل التجارب بيننا وبينهم. عناوين مهمة نظرا إلى غياب مصادر محددة لمعرفة مصير المختفين المغاربة بإيطاليا، فقد وجدنا أن الاعتماد على الموقعين الإلكترونيين الإيطاليين التاليين قد يفيد على الأقل في الحصول على معلومات إضافية وفي ربط الاتصال بمؤسسات إيطالية تهتم بالبحث عن المتغيبين: - موقع برنامج إيطالي للبحث عن المختفين: http://www2.chilhavisto.rai.it/CLV/Associazione.htm - موقع مختبر «لابانوف» Labanof الذي يتضمن صفحة خاصة بصور الجثث مجهولة الهوية «http://users.unimi.it/labanof/