لم تشفع دموع أزيلال المذروفة على أبنائها الأبرار الذين جرفتهم السيول بكل القسوة، في أن تحرك رموش مسؤولي تلفزيوننا العصية على التفاعل والانكسار، ولم تستطع صور البيضاويين الموتى والمعذبين، التي أمكن تقديمها للمشاهد المغربي طبعا، أن تنال من عزم وإصرار الدوزيميين في الرقص على الآلام والعذابات، ولم تكن مشاهد الفيضانات, التي همت أغلب المناطق المغربية ومشاهد كفاح الإنسان والحيوان على قدر سواء لمقاومة سلطة الطبيعة المتحدية والكاسرة لكل مقاومة وتشبث بالحياة، بقادرة على الحد من الموج والتموج الفني الشعبي الموجه والمفهوم الذي أهدى بكل الوفاء غير المفترض للمهجرين واليتامى والأرامل والمرضى والمعدمين، أصدق تعبير عن الوطنية التلفزيونية التي تتغذى من عذاب المشاهد المغربي وأصدق دليل عن النأي إلى ما لا نهاية عن الهواجس الحقيقية لمشاهد ومتلق مغربي يبحث عن ذاته وأحلامه وأحزانه في تلفزيون عمومي توفرت له كل المعطيات، إلا معطى استراتيجية ضرورة اقترابه من هذا المتلقي. ففي الوقت الذي ألغت فيه القناة الأولى في آخر لحظة -رغم أنها أعلنت لعدة أيام عن بث سهرة سيحضرها رموز الحيحة الشعبية التي صارت العلامة المميزة لبرنامج نغموتاي- سهرة رأس السنة المؤجلة، وعوضتها بفيلم تلفزيوني لعبد الرحمن التازي عن شبح الإرهاب دون تبرير لهذا الاختيار الملتبس ارتأت القناة الثانية- ولا ندري من أوعز إليها بذلك، ولم نفهم القصد إلى حد الساعة- أن تلغي سهرة لا تخلو من بصمة حيحية كذلك تمت برمجتها لاحقا وتعويضها بكوكتيل شعبي (من الشعبوية كي لا ننسى) ليرقص فنانوها المختارون بكل عناية على كل الإيقاعات وكل الجراح الممكنة وغير الممكنة. فحينما شدا المغني حجيب بكل أدواته وطاقاته -الصوتية والجسدية- المعروفة قائلا: غزالي غزالي... داداه حياني جاك النعاس وانا ماجاني، في أمسية السبت ما قبل الماضي، أدرك المرء بما لا يدع لمخيلته وإدراكه شكا أو ريبا، أن القناة الثانية تعلن الشكل الأمثل للحداد على الضحايا المغاربة، وتعلنها لغة تضامنية مطلقة مع عشاق فن ينتمي إلى الدرجة الدنيا أو الدرجة الصفر من الفن والإبداع. هو التضامن الذي غاب للأسف في سهرة الحيحة بدوزيم هذا الأسبوع التي أعادت إلى الأذهان تعاطي القناتين الأولى والثانية مع حريق روزامور الذي أبكى البيضاويين بعدما سرق بغتة منهم العشرات من أبنائهم وأخواتهم وآبائهم.. بكاء رقصت عليه الشيخات كثيرا، وتغنى له حجيب وعبد الله البيضاوي وزينة الداودية والحاجة الحامونية والداودي والصنهاجي والحاج مغيت صاحب الرقصة الشهيرة.. بفن يحمل بصمتهم التكوينية والمعرفية التي صقلها صناع التلفزيون المغربي وفق مقاسات ومقامات استثنائية، بعيدا عن استشراف أفق المتلقي المغربي الذي يتوق إلى فنون أصيلة تعكس أصالة أصحابها وتتناغم مع خصوصية المجتمع الذي تعيش فيه، تطرب لأفراحه وتئن لآلامه دون مزايدة أو رقص غير مقبول على الجراح.