في الوقت الذي توصل فيه عدد من أمناء الأحزاب السياسية بالمغرب إلى شبه إجماع على ضرورة القيام بإصلاحات دستورية بتوافق مع المؤسسة الملكية، فإن أحزاب اليمين بدت غير معنية بهذا الخطاب، باستثناء حزب الحركة الشعبية الذي أعلن انضمامه إلى لائحة الأحزاب المطالبة بالإصلاحات الدستورية وفق حسابات سياسية خاصة. فمطلب الإصلاح الدستوري بقي غائبا عن برنامج الأحزاب السياسية المحسوبة على اليمين، والتي اكتفت باستعارة مصطلح «الحكامة الجيدة» الذي وضفته أحزاب الكتلة كبديل لمطلب التعديل الدستوري بعد انخراطها في مسلسل التناوب. قضية الإصلاح الدستوري لم تأخذ حيزا مهما في برنامج الأحزاب السياسية التي تصنف في خانة اليمين مثل التجمع الوطني للأحرار، الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية، لأسباب واضحة، فهذه الأحزاب ولدت من رحم المخزن وبقيت محافظة على ولائها للقصر، واكتفت بإعلان الدعم للمبادرات التي تتخذها المؤسسة الملكية في هذا الشأن، بالرغم من بعض الخرجات التكتيكية التي تم القيام بها وفق أجندة سياسية تتغير لاعتبارات براغماتية، مثل ما قام به حزب الحركة الشعبية في الآونة الأخيرة . فالحزب وجد نفسه مضطرا في النهاية إلى تبني مطلب الإصلاح الدستوري كورقة ضغط بعد إقصائه من الحكومة بطريقة جعلته يرغم على تقمص دور المعارضة. حزب الحركة الشعبية، وبعد أن فقد موقعه داخل الحكومة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة ليصبح حزبا معارضا بالصفة، قام بتغيير جذري في موقفه من الإصلاح الدستوري عكس ما كان عليه الأمر أثناء مشاركته في الحكومة، وأصبح يرى في التعديلات الدستورية «أمرا ملحا من أجل تكريس الديمقراطية»، رغم أن الأمين العام للحزب صرح في وقت سابق بأن «الإصلاح الدستوري ليس أولوية بل يجب أن نطبق أولاً الموجود»، واعتبر أن الدستور الحالي يعطي «اختصاصات واسعة للحكومة مثلما هو موجود في البلدان المتقدمة»، وأن «التطبيق هو من يطرح المشكل»، كما أضاف أن «الأولوية ليست لاختصاصات الملك والوزير الأول بل للإصلاحات المؤسساتية». حزب الحركة الشعبية وبعد صمت طويل قرر باحتشام الانخراط في مطلب التعديل الدستوري، بعد أن شعر بحرج كبير من موقفه المتناقض كحزب في المعارضة، مقارنة مع أحزاب تنادي بالتعديل رغم مشاركتها في الحكم مثل حزب الاتحاد الاشتراكي. خطاب التعديل لدى الأحزاب الإدارية واليمينية يشوبه نوع من الغموض، ففي الوقت الذي استخدمت فيه بعض الأحزاب لغة قوية أثناء مطالبتها بالتعديل، مثل الحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة، من خلال ملكية برلمانية تحد من صلاحيات الملك التنفيذية، وتمنح سلطات أوسع للوزير الأول والبرلمان، فإن خطاب أحزاب اليمين بخصوص مسألة التعديل بقي غامضا ومتناقضا، من خلال التأكيد على ضرورة الحفاظ على اختصاصات الملك، والقيام بإجراء تعديل يقوي صلاحيات الوزير الأول والبرلمان، وهذا ما عبر عنه الأمين العام لحزب الحركة الشعبية امحند العنصر عندما طالب بضرورة أن يبقى هذا الأمر بعيدا عن المزايدات السياسية، منتقدا التركيز على الفصل 19 من الدستور رغم أن الدستور فيه أزيد من 100 فصل على حد قوله. كما وظف العنصر لغة لا تخلو من الضغط من أجل تحقيق مكاسب سياسية، حينما قال: «لا يعقل أن تكون هناك حكومة يتم انتخابها من أجل تحمل المسؤولية لتأتي تفويتات الأراضي والامتيازات من جهة أخرى»، وأضاف أن «التعديل الدستوري هو مطلب ملح من أجل تكريس الديمقراطية ومبدأ محاسبة الناخب للمنتخب». حزب الحركة الشعبية لم ينخرط في مطلب الإصلاح الدستوري وفق تصور واضح، بل تعامل مع الأمر كنوع من التماهي مع الأحزاب التي رفعت مطلب الإصلاح، وحرص على ترك مسافة فاصلة بينه وبين تصور هذه الأحزاب للتعديل الدستوري. وكان الحزب قد وجد نفسه في مواجهة أزمة، بسبب مطلب التعديل الذي تم تبنيه من قبل أسماء محسوبة على شبيبة الحركة الشعبية، وهو الأمر الذي تطلب تدخل المكتب السياسي من أجل احتواء الموضوع، حتى لا يزيد من تعقيد وضعية الحزب الذي فقد بوصلته بعد نكسة الإقصاء من المشاركة في الحكومة، وظل يبحث عن طرق التفافية أخرى تتيح له التخلص من ثوب المعارضة الضيق، قبل أن يجرب اللعب بورقة المطالبة بالإصلاحات الدستورية.