بعد مد وجزر، وبعد مشاورات ونضالات، ساهم فيها كل الفرقاء والأطياف المنتمون لمختلف طبقاتنا الاجتماعية، حصلت الثورة الناعمة على مجموعة من التنازلات أمام استغراب الجميع، كان من بينها: في 23 نوفمبر 1989، بعد أن انتشرت معلومات عن استعداد الجيش للتدخل لصالح النظام، أعلن وزير الدفاع التشيكوسلوفاكي في مؤتمر صحافي عبر شاشة التلفزة أن الجيش لن يقوم بمواجهة المواطنين. في 24 نوفمبر 1989، بث التلفزيون الرسمي أول تصريحات للمعارض آنذاك فاتسلاف هافل لأول مرة وبعد ذلك انضم عدد من كتاب الصحف والمثقفين إلى المعارضة علنا. في 29 نوفمبر 1989، وافق البرلمان على إلغاء المادة الدستورية التي تنص على قيادة الحزب الشيوعي للبلاد. في 30 نوفمبر 1989، ألغيت مبادئ الثورة الشيوعية ومبادئ الماركسية اللينينية من المناهج التعليمية. وفي 3 ديسمبر 1989، أقدم الرئيس «غوسطاف هوزاك» على تعيين حكومة جديدة ضمت 15 وزيرا شيوعيا و5 وزراء غير شيوعيين لكنها قوبلت بالرفض من طرف المعتصمين. في 4 ديسمبر 1989، رفعت الدولة القيود عن السفر إلى النمسا وألغت البيانات الإلزامية التي كانت مفروضة على المواطنين لتقديمها قبل السفر، وبعد هذه المبادرة غادر أكثر من 200 ألف تشيكوسلوفاكي البلاد في اتجاه النمسا في عطلة نهاية الأسبوع الموالية. وفي 8 ديسمبر 1989، أعلن رئيس الدولة العفو عن كل الجرائم السياسية وأطلق بموجب ذلك سراح كل السجناء السياسيين. وفي 11 ديسمبر 1989، تمت إزالة الحواجز على الحدود مع ألمانيا الغربية. في 21 ديسمبر 1989، أعلن رسميا عن حل «ميليشيا الشعب» التي كانت تحمي النظام السياسي للبلاد منذ عام 1948، ولم تتلق خلال الثورة الأوامر لمهاجمة المتظاهرين. إذا كما تعلمون انتهت هذه الثورة السلمية بانتخاب «فاتسلاف هافل» رئيسا للبلاد في 29 ديسمبر 1989، وتم إلغاء المادة التي تخول القيادة للحزب الشيوعي، وتم السماح بالتعددية الحزبية وانتخابات حرة ونزيهة والانتقال بالاقتصاد الوطني إلى اقتصاد السوق ابتداء من سنة 1990. إذا سقط النظام الشيوعي الشمولي ودخلت المنطقة والعالم مرحلة التغييرات الكبرى من أجل بناء دول ديمقراطية يكون محورها الإنسان. كثيرون من أفراد مجتمعنا هم سعداء بهذا التغيير، تحسنت أوضاعهم ولكن في المقابل ظهرت تناقضات اجتماعية وعوائق مختلفة جعلت البعض منا يحن إلى العهد الشيوعي. لن أطيل كثيرا في العرض تضيف المحاضرة ولكن سنترك النقاش مفتوحا من خلال مداخلاتكم وأسئلتكم. بعد نهاية العرض أخذ رئيس الندوة الكلمة لفتح نقاش حول العرضين فكان نقاشا جادا ومسؤولا ولكنه لا يخلو من عتاب ومشادات عفوية ، كان من بين هذه المداخلات: يقول أحد المتدخلين: لماذا لم يتحرك الجهاز الأمني المختص بمكافحة الشغب لتقييد المظاهرات كما حدث في ربيع براغ لسنه 1968؟ هل كان ذلك بسبب الانقسام في الحزب الشيوعي نفسه؟ أم أن جهات خارجية دخلت على الخط ؟ قيل أيضا إن الاتحاد السوفياتي أرسل مندوبا عسكريا لمراقبة الوضع، لكنه لم يتدخل وظل محايدا؟ يقول آخر: لقد بدأت الثورة بأكذوبة لا أعتقد على أنها بريئة حيث إن أحد العملاء السريين لجهاز الأمن المسمى « لودفيك زيفكاك» اندس بين الطلبة ورمى نفسه أرضا كما لو أنه ميت، انتشرت شائعة قتل الطالب كالنار، فأثار ذلك الغضب في أوساط المجتمع خاصة المثقفين والفنانين الذين قرروا الانضمام إلى المحتجين في حركة العصيان المدني. كيف يمكن تفسير ذلك ؟ يضيف أحد المتدخلين بعصبية عفوية أثارت انتباه الحاضرين: نعم نجحت الثورة وقضي على النظام الشيوعي ولكن من الذي استفاد من نجاحها؟ لقد سرقت منا الثورة بعد نضالات مريرة لم نجن منها إلا الضياع والتيه، من الذي استفاد من خوصصة مؤسسات الدولة؟ من الذي استفاد من الوظائف الجديدة للدولة؟ أليس هم أبناء وحفدة الشيوعيين الذين كانوا يتوفرون على المعلومة وعلى المال والعلاقات الأفقية والعمودية للاستفادة من هذا التحول؟ نعم لقد استبدلنا نظاما سياسيا بنظام آخر، ولكن ظل البسطاء من شعبنا بعيدين عن كل هذه التغييرات، سيخلف هذا مستقبلا أزمات اجتماعية واقتصادية من الصعب التكهن بخطورتها. فما رأيكم في هذا الخلط والوهم ؟