وزارة الصحة تتبرأ من وثيقة متداولة تتحدث عن تلوث مياه "عين أطلس"    فاتح شهر ربيع الآخر 1446 ه بعد غد السبت    "حزب الله" يؤكد مقتل 17 جنديا إسرائيليا الخميس في معارك الجنوب    رسميا: فيفا يعلن عن موعد انطلاق مونديال كرة القدم سيدات تحت 17 في المغرب    الحكومة تُحدد نظام البذلة الرسمية لموظفي الجمارك    قلعة أربعاء تاوريرت بالحسيمة.. معلمة شاهدة على تاريخ الريف    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في حيازة وترويج 7 كيلوغرامات و800 غرام من الكوكايين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الحسيمة.. عائلة من افراد الجالية تتعرض لحادثة سير خطيرة على طريق شقران    "الماكلة واللعنة".. جزائريون مقيمون في المغرب يرفضون الانخراط في الإحصاء    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    المنظمة العالمية للملاكمة تقرر إيقاف الملاكمة الجزائرية إيمان خليف مدى الحياة    نقابات الصحة تكشف تفاصيل اجتماع تنفيذ الاتفاق مع الوزارة    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    الملك يهنئ رئيس الحكومة اليابانية الجديدة    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    موظف شرطة ينتحر بسلاحه في الرباط    "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان        مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب    بايتاس يلوم الجفاف على عدم تحقيق نسبة نمو كبيرة للاقتصاد المغربي    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024        عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    أخبار الساحة    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    تقييم "أوبن إيه آي" مطورة "تشات جي بي تي" ب157 مليار دولار بعد تبرعات طائلة    سفير إسرائيل بالأمم المتحدة:الرد على هجمات إيران سيكون قريبا    القطب الرقمي للفلاحة.. نحو بروز منظومة فلاحية رقمية فعالة    الرئيس الإيراني: "إذا ردت إسرائيل سيكون ردنا أقسى وأشد"    وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط        إطلاق مركز للعلاج الجيني في شيفيلد برئاسة أستاذ مغربي ببريطانيا    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة الطلابية «الناعمة» تطالب بحرية التعبير وإسقاط الفساد
حب في زمن الثورة
نشر في المساء يوم 30 - 07 - 2013

لم يتمكن « دوبتشك «ورفاقه من تحقيق مطالب الروس وهكذا في الواحد والعشرين من غشت غزت القوات السوفياتية تشيكوسلوفاكيا لإخماد ربيعها، ونقل «دوبتشك» و
بعض وزرائه إلى سجون موسكو. اتسعت حينها المقاومة ضد الغزو السوفياتي وقتل نحو مائة مدني وبثت وقتها صور الغزو في جميع أنحاء العالم كاشفة حقيقة المنظومة الاشتراكية.
عاد «دوبتشك» ورفاقه بعد موافقتهم مضطرين على إعادة الرقابة وحل المنظمات غير الرسمية مع الإبقاء على القوات السوفياتية بتشيكوسلوفاكيا في انتظار إعادة بناء عملية التطبيع. لكن هذه الثورة الشعبية لم يعد من السهل إخمادها حتى مع الدبابات الروسية التي سيطرت على شوارع «براغ» فتدفقت حشود المقاومة وتواصل توافد الشباب والأهالي على شوارعها رافعين علم البلاد لمواجهة الجنود والغزاة. فانطلقت حينها حملة شعبية تهدف إلى تغيير أسماء الشوارع ونزع الأرقام عن المنازل وإزالة علامات الطريق في محاولة لإعاقة الغزاة.
بحلول نهاية أكتوبر لسنة 1968، اندلعت احتجاجات عفوية حاشدة ضد الاحتلال، وبعدها في شهر نوفمبر نظم الطلاب إضراباً لمدة ثلاثة أيام. وواصل العمال انتخاب مجالسهم الخاصة داخل المصانع، كما هددت نقابة المهندسين الرئيسية بإضراب عام بعد ما تم طرد أحد أبرز قادة الإصلاح «جوزيف سمركوفسكي». وفي يناير 1969، قام الطالب «يان بالاش» بإضرام النار في نفسه احتجاجاً على تخلي الحزب الشيوعي عن الإصلاحات، وكرد فعل تدفق عشرات الآلاف إلى الشوارع للتضامن، إنها الثورة العارمة.
بدا الأمر وكأن القوات السوفياتية الغازية وحلفاءها من البيروقراطيين عاجزون تماماً عن مواجهة هذه الموجة الثورية، وعلى الرغم من حجمها وقوتها، ظلت الاحتجاجات محدودة وقاصرة، فهي لا تحمل في العمق أي مشروع واضح يمكن طرحه كبديل للدفاع عن مكاسب ربيع براغ. كانت العاطفة الوطنية المبالغ فيها هي سيدة الموقف.
بعد شهور، وفي شهر أبريل لسنة 1969 تم تعويض «دوبيتشك» بالمتشدد «جوستاف هوساك»، وبحلول الذكرى السنوية الأولى للغزوالسوفياتي في غشت تمكن الجهاز الأمني للدولة التشيكوسلافية من سحق الاحتجاجات وإعادة المياه إلى مجاريها بدون مساعدة من قوات الاحتلال.
إذن فثورة ربيع براغ لسنة 1968 لم تتمكن من تحقيق الطموحات الشعبية لبلاد البوهيميا لكنها مهدت الطريق بعد حوالي عشرين سنة لإسقاط النظام الشيوعي وإعادة الاعتبار لشعوب المنطقة.
فختم كلامه قائلا: هذه رسالتي لكم أيها الجيل الجديد، جيل الثورة الناعمة، فتحية تقدير لكم ولكل الذين صنعوا ثورة ربيع 1968.
أما المداخلة الثانية للأستاذة «باولة بوزنوفا» فكانت تتمة للمداخلة الأولى حيث حملت مجموعة من الحقائق والمعطيات تخص ثورة 1989 تقول المحاضرة:
«إنها الثورة المخملية أو الناعمة كما لقبناها حينها. كانت بدايتها كما تعلمون في السابع عشر من نوفمبر 1989، كانت ثورة سلمية بعيدة عن إراقة الدماء، تستمد شرعيتها من المقاومة السلمية والعصيان المدني.
كان 16 نوفمبر لسنة 1989 يوما حاسما في تغيير مجرى التاريخ ببلادنا، حيث خرجت مجموعات من الطلبة ببراتيسلافا عاصمة الجزء السلوفاكي للفيدرالية إلى الشوارع في إحدى المناسبات الوطنية وكالمعتاد كانت قوات الأمن في حالة استنفار لمواجهة أي انفلات، إلا أن الأمور سارت بهدوء وتم إرسال وفد طلابي إلى وزارة التعليم لعرض مطالبهم المتركزة على حرية التعبير والحد من الفساد السياسي والإداري.
في اليوم الموالي خرجت مظاهرات مماثلة في العاصمة الفيدرالية «براغ»، ضمت حوالي 20 ألف طالب وطالبة حاصرتها قوات الأمن وحصلت خلالها مواجهات صاخبة وعنيفة واستمرت في التصاعد، وقدر عدد المتظاهرين في 27 نونبر بحوالي نصف مليون في براغ لوحدها. الغريب في هذه الوقائع تضيف المحاضرة وفي عز الثورة ظل الاتحاد السوفياتي في غيبوبة دائمة لانشغاله بأجواء التفكك وتنامي حركات الاستقلال بين جمهورياته، لم يصدر عنه أي قرار لمعارضة التغيير في تشيكوسلوفاكيا.
بعد مد وجزر، وبعد مشاورات ونضالات، ساهم فيها كل الفرقاء والأطياف المنتمون لمختلف طبقاتنا الاجتماعية، حصلت الثورة الناعمة على مجموعة من التنازلات أمام استغراب الجميع، كان من بينها:
في 23 نوفمبر 1989، بعد أن انتشرت معلومات عن استعداد الجيش للتدخل لصالح النظام، أعلن وزير الدفاع التشيكوسلوفاكي في مؤتمر صحافي عبر شاشة التلفزة أن الجيش لن يقوم بمواجهة المواطنين.
في 24 نوفمبر 1989، بث التلفزيون الرسمي أول تصريحات للمعارض آنذاك فاتسلاف هافل لأول مرة وبعد ذلك انضم عدد من كتاب الصحف والمثقفين إلى المعارضة علنا.
في 29 نوفمبر 1989، وافق البرلمان على إلغاء المادة الدستورية التي تنص على قيادة الحزب الشيوعي للبلاد.
في 30 نوفمبر 1989، ألغيت مبادئ الثورة الشيوعية ومبادئ الماركسية اللينينية من المناهج التعليمية.
وفي 3 ديسمبر 1989، أقدم الرئيس «غوسطاف هوزاك» على تعيين حكومة جديدة ضمت 15 وزيرا شيوعيا و5 وزراء غير شيوعيين لكنها قوبلت بالرفض من طرف المعتصمين.
في 4 ديسمبر 1989، رفعت الدولة القيود عن السفر إلى النمسا وألغت البيانات الإلزامية التي كانت مفروضة على المواطنين لتقديمها قبل السفر، وبعد هذه المبادرة غادر أكثر من 200 ألف تشيكوسلوفاكي البلاد في اتجاه النمسا في عطلة نهاية الأسبوع الموالية.
وفي 8 ديسمبر 1989، أعلن رئيس الدولة العفو على كل الجرائم السياسية وأطلق بموجب ذلك سراح كل السجناء السياسيين.
وفي 11 ديسمبر 1989، تمت إزالة الحواجز على الحدود مع ألمانيا الغربية.
في 21 ديسمبر 1989، أعلن رسميا عن حل «ميليشيا الشعب» التي كانت تحمي النظام السياسي للبلاد منذ عام 1948، ولم تتلق خلال الثورة الأوامر لمهاجمة المتظاهرين.
إذا كما تعلمون انتهت هذه الثورة السلمية بانتخاب «فاتسلاف هافل» رئيسا للبلاد في 29 ديسمبر 1989، وتم إلغاء المادة التي تخول القيادة للحزب الشيوعي، وتم السماح بالتعددية الحزبية وانتخابات حرة ونزيهة والانتقال بالاقتصاد الوطني إلى اقتصاد السوق ابتداء من سنة 1990.
إذا سقط النظام الشيوعي الشمولي ودخلت المنطقة والعالم مرحلة التغييرات الكبرى من أجل بناء دول ديمقراطية يكون محورها الإنسان. كثيرون من أفراد مجتمعنا هم سعداء بهذا التغيير، تحسنت أوضاعهم ولكن في المقابل ظهرت تناقضات اجتماعية وعوائق مختلفة جعلت البعض منا يحن إلى العهد الشيوعي.
لن أطيل كثيرا في العرض تضيف المحاضرة ولكن سنترك النقاش مفتوحا من خلال مداخلاتكم وأسئلتكم.
بعد نهاية العرض أخذ رئيس الندوة الكلمة لفتح نقاش حول العرضين فكان نقاشا جادا ومسؤولا ولكنه لا يخلو من عتاب ومشادات عفوية ، كان من بين هذه المداخلات:
يقول أحد المتدخلين : لماذا لم يتحرك الجهاز الأمني المختص بمكافحة الشغب لتقييد المظاهرات كما حدث في ربيع براغ لسنه 1968 ؟ هل كان ذلك بسبب الانقسام في الحزب الشيوعي نفسه؟ أم أن جهات خارجية دخلت على الخط ؟ قيل أيضا إن الاتحاد السوفياتي أرسل مندوبا عسكريا لمراقبة الوضع، لكنه لم يتدخل وظل محايدا ؟
يقول آخر: لقد بدأت الثورة بأكذوبة لا أعتقد على أنها بريئة حيث إن أحد العملاء السريين لجهاز الأمن المسمى « لودفيك زيفكاك « اندس بين الطلبة ورمى نفسه أرضا كما لو أنه ميت ، انتشرت شائعة قتل الطالب كالنار، فأثار ذلك الغضب في أوساط المجتمع خاصة المثقفين والفنانين الذين قرروا الانضمام إلى المحتجين في حركة العصيان المدني. كيف يمكن تفسير ذلك ؟
يضيف أحد المتدخلين بعصبية عفوية أثارت انتباه الحاضرين:
نعم نجحت الثورة وقضي على النظام الشيوعي ولكن من الذي استفاد من نجاحها ؟ لقد سرقت منا الثورة بعد نضالات مريرة لم نجن منها إلا الضياع والتيه، من الذي استفاد من خوصصة مؤسسات الدولة ؟ من الذي استفاد من الوظائف الجديدة للدولة ؟ أليس هم أبناء وحفدة الشيوعيين الذين كانوا يتوفرون على المعلومة وعلى المال والعلاقات الأفقية والعمودية للاستفادة من هذا التحول؟ نعم لقد استبدلنا نظام سياسي بنظام آخر، ولكن ظل البسطاء من شعبنا بعيدين عن كل هذه التغييرات، سيخلف هذا مستقبلا أزمات اجتماعية واقتصادية من الصعب التكهن بخطورتها. فما رأيكم في هذا الخلط والوهم ؟
بعد هذه المداخلات التي هي عبارة عن أسئلة وعتابات تدخل المحاضرون مرة أخرى للرد عليها، وكان الرد بشكل عام كالآتي.
ردت الأستاذة «بوزنوفا « قائلة:
«أتفهم الذين يسألون عن مصير الثورة وعن المستفيدين منها، وأقول لهم: إن مسيرة التاريخ عملية جد معقدة يحاول الإنسان من خلالها التقدم إلى الأمام والمساهمة في حتمية التغيير بمختلف الوسائل والآليات، والثورات المختلفة التي عرفتها الإنسانية هي إحدى هذه الآليات، إذن فالأغلبية وخاصة الشعبية منها التي تعتبر وقود الثورات، ترغب في التقدم بسرعة كبيرة إلى الأمام، إلا أن فكرة التقدم بهذه السرعة تجعل النهاية أقرب. إذا فلا داعي للسرعة، فنحن نعيش في بداية الثورة وهي حرب غير معلنة والحرب في عمقها هي مجموعة من المعارك اليومية. فلا يمكن أن نقيم وننتقد الثورة في سنينها الأولى، فنحن محتاجون إلى كثير من الوقت لإعادة بنيان الدولة من جديد.»
نعم تضيف المحاضرة، هناك أخطاء ارتكبت، هناك ضحايا كثيرون، كما أن هناك انتهازيون وخونة ولكن الذي يهمنا الآن ليس الأشخاص، فالأشخاص بائدون والدوام لمؤسسات الدولة، الدولة التي نريدها جميعا لنجعلها وعاء يستوعب الجميع سواء الأجيال الحالية أو الأجيال المقبلة. فلا داعي للقلق فالمستقبل أمامنا.
أما رد الأستاذ « نوفاك « فكان كالتالي: نعم، أشاطركم الرأي بأن مسيرة الثورة منذ انطلاقها لم تكن بالعفوية أو البريئة، كانت هناك انزلاقات وأخطاء ولكن كانت هناك أيضا نجاحات وإيجابيات ساهم فيها الجميع، ستستفيد حتما منها أغلب فئات المجتمع وخاصة الأجيال المقبلة. لكن علينا أن ننتبه بأن هناك عددا كبيرا من أفراد المجتمع كانوا مستفيدين من العهد البائد وهم يقاومون بكل إرادتهم هذا التحول والتغيير، ولكنهم لا يمكنهم ذلك، بإمكانهم تعطيل التاريخ لسنين وعقود ولكن لا يمكنهم الوقوف أمام حتميته وأمام سيل الثورة الجارف. إن تاريخ الإنسانية يضيف المحاضر هو على العموم تاريخ التمرد الدائم ضد الأقوى وفي نفس الوقت تاريخ الظلم الدائم ضد الضعفاء، إنها جدلية حتمية لا يمكن للإنسان أن يهرب منها فهي جزء لا يتجزأ من كينونته وهي عملية معقدة لا تخص الإنسان بذاته، بل كل الكائنات الحية منها أو الجامدة، إذن فمسيرة الإنسان هي سلسلة من الهزائم والانتصارات، من النجاحات والإخفاقات، إنها حقا مسيرة التاريخ الكبرى.
إذن علينا جميعا التقدم إلى الأمام بخطوات هادئة بدون المبالغة في الالتفات إلى الوراء ونقد الذات وجلدها، فمصير الثورة ومستقبلها لا زال بيدنا من خلال نضالاتنا اليومية الهادفة والمتفائلة.
انتهت الندوة بتصفيقات الحاضرين وفي عمق الحدث سمعت صوتا يناديني ويقول : مصطفى، مصطفى لقد وصلنا إلى «صوفيا».
بعد لحظة تمكنت من العودة تدريجيا إلى الواقع فقلت ل»فييرا» : كانت الرحلة إلى صوفيا متعبة ولكن لم أشعر بالوقت ، لقد أعدت فتح كتاب ذكرياتي ببلاد البوهيميا.
بعد أن حطت الطائرة ب»صوفيا» اتجهنا عبر الحافلة إلى الفندق حيث سنقضي الليلة من أجل مواصلة السفر إلى المغرب في اليوم الموالي.
بعد وجبة العشاء خرجنا للتجول في المدينة، كانت علاقتي ب»فييرا» علاقة صداقة وحميمية من نوع آخر. كانت مبنية على الاحترام المتبادل وعلى النقاشات الجادة والمسؤولة كانت قوة العلاقة متمثلة في قوة المجموعة الطلابية التي كنا نكونها، فكانت المجموعة تتكون من طلبة وطالبات من جنسيات مختلفة يدرسون مجموعة من الاختصاصات كعلم التاريخ والفلسفة والصحافة والقانون وعلم الاجتماع والطب والصيدلة، إذن فهي مجموعة من المعارف كانت تشكل المادة الدسمة لنقاشاتنا، كان من بين الطلبة «كاظم» العراقي الذي يدرس القانون في سنته الأخيرة، ثم «ياسر» السوري الذي يدرس التاريخ و»عبد الله الفلسطيني» الذي يدرس الصحافة. كانت لهم كلهم علاقة حميمية مع طالبات تشيكوسلوفاكيات.
قضينا حوالي ساعتين ونحن نتجول بالمدينة، كنا نحكي عن أفراد شلتنا، عن علاقتنا، عن الرحلة، فسألتني مبتسمة:
هل ستتذكرني بعد فراقنا ؟
قلت لها: بالطبع، لأنك جزء لا يتجزأ من علبة ذكرياتي.
أضافت: كيف تنظر إلى علاقتنا؟
أجبتها قائلا: إنها علاقة من نوع آخر، علاقة المريض بطبيبه، كنت مريضا بداء الفراق وأنت تعرفين قصتي مع «كاطارينا»، لقد أنسيتني كل معاناتي وأدخلتني مرحلة أخرى من حياتي، فوجودك بقربي في تلك اللحظات الصعبة كان ولا يزال يشعرني بالاطمئنان والأمان خاصة بعد أن غمرتني الوحدة والقلق لوقت طويل. فاعلمي أنني لن أنساك أبدا.
في تلك اللحظة استسلمت «فييرا» للبكاء وارتمت علي وعانقتي بقوة قائلة: أنا كذلك لن أنساك وستظل في مخيلتي في كل زمان ومكان.
أخذتنا سيارة الأجرة إلى الفندق فعم الصمت وتدفقت الأحاسيس والذبذبات، إنه حب آخر في زمن آخر، ومكان آخر.
وصلنا إلى الفندق ونحن في غاية التعب، بعد لحظات وجدنا أنفسنا على فراش النوم، تبادلنا تحيات النوم واستسلمنا لسبات عميق.
حل الصباح تناولنا وجبة الفطور وبعدها مباشرة أخدنا الحافلة إلى مطار «صوفيا» في اتجاه المغرب.
صعدنا الطائرة، أخذنا مكاننا، فاستمرت رحلة العودة. بدأنا في الدردشة قليلا لكن النوم كان يلاحقني من شدة التعب. قبل الدخول في النوم، فتحت مرة أخرى كتاب ذكرياتي في بلاد البوهيميا، فتذكرت حينها يوم احتفلت رفقة شلة «فييرا» بنهاية الدراسة الجامعية. كان ذلك في مساء دافئ من أيام الصيف بغابة «براتيسلافا» الجميلة، وصلنا إلى عين المكان، أشعلنا النار ثم جلسنا على شكل دائري. وزعنا قبل ذلك الأدوار، فهناك من كان يوزع المشروبات الروحية وهناك من يهيء وجبات الأكل على النار المشتعلة.
بعد وقت وجيز دخلنا في دردشات ثنائية وثلاثية، أخذتنا إلى عالم الدراسة والمعرفة، إلى المستقبل ثم إلى ثورة تشيكوسلوفاكيا الناعمة، وكذلك هموم المجتمع وأخطاء الساسة. وصلنا منتصف الليل، قررنا تنظيم النقاش والحوار من خلال مجموعة من المداخلات والاستفسارات ظلت تشغل بالنا، فتدخلت «فييرا» لتفتح النقاش، فدخلت مباشرة في نقاش مع «كاظم» الطالب العراقي فسألته عن مستقبل العراق والدول العربية في ظل الحصار الذي تفرضه دول القوى العظمى على بلاد الرافدين في غمرة سقوط حائط برلين ؟
أجابها قائلا : كما تعلمين فالعراق وباقي المجتمعات العربية تعيش تدهورا خطيرا على جميع المستويات، أنظمة سياسية تقادمت وتهالكت وأصبحت بعيدة كل البعد عن مجتمعاتها وعن قسوة الحياة اليومية وضراوتها، لقد وصلت العلاقة بينهما إلى طريق مسدود ولكن ما السبيل لحلحلة الوضع ووضع مجتمعاتنا على الطريق الصحيح ؟ لا نحتاج إلى تغيير أنظمة سياسية بأخرى بقدر ما نحتاج إلى تغيير نظرتنا إلى أنفسنا وإلى الآخر، وإلى ريح الديمقراطية والحرية. نحن محتاجون أكثر من أي وقت مضى إلى ثورة ثقافية تكسر الطابوهات وتزيل الأفكار الراسخة وتعيد الإنسان إلى ذاته، وتجدر الإشارة إلى أن منطقتنا عرفت قديما وحديثا مذاهب دينية مختلفة زادت من تشتت وتيهان وعزلة أفراد مجتمعاتنا. إضافة إلى هذا لا زال الفكر العشائري والقبلي يسيطر على حركية دولنا ويقف سدا منيعا أمام تأسيس دول عصرية حقيقية. ومما زاد الطين بلة محاولة قومنة بعض الفئات المجتمعية من عالمنا العربي والإسلامي والتي كانت إلى وقت قريب متجانسة ومتماسكة بمجتمعاتها. ومن بين هذه المحاولات نذكر على الخصوص تلك المتعلقة بالأكراد والشيعة والأمازيغ والسنة والأقباط وغيرها، إذن فواقع منطقتنا ومستقبلها لا يبشران بالخير.
فتدخل «رومان» خريج العلوم السياسية قائلا: ماذا تقصد بالثورة الثقافية ؟
فأجاب «كاظم» : لقد عاشت مجتمعاتنا لسنين وقرون على نزعتين، نزعة ماضوية تحن إلى الماضي السلفي وبنيان الدولة الدينية التي تتخذ من الشريعة شرعيتها، ثم هناك نزعة حداثية تستعمل الحكمة والشرع وتجعل من العقل وسيلة من الوسائل الناجعة للوصول إلى الحقيقة النسبية وتعتبر الإنسان إحدى ركائزها. ظلت شعوبنا ومجتمعاتنا تعيش على هذا الخلط والانفصام الذي أثر على فكرها وواقعها، خلافا لمجتمعاتكم الأوروبية التي واجهت اللاهوت الديني وأسست لدول مدنية تجعل من الديمقراطية إحدى ركائزها الأساسية ومن الإنسان منطلقها ومنتهاها، لقد كان تاريخكم عبارة عن مسيرات متعددة، ثورة تلو أخرى ونجاح تلو آخر. ستعرف مجتمعاتنا عاجلا أم آجلا ثورات مختلفة من الصعب التحكم فيها.
بعد ذلك تدخلت «إيفا المجرية» لتطرح سؤالا على «عبد الله» الفلسطيني: في نظرك، ما مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ وهل هناك من حل لإنهاء هذا الصراع، خاصة بعد سقوط حائط برلين والإعلان عن نهاية الحرب الباردة ؟
فأجابها قائلا وهو يتنهد:
لا أريد الحديث عن هذه القضية المصطنعة والتي عمرت طويلا لأن الحديث عنها يؤلمني، ولكن للأمانة فدولتكم تشيكوسلوفاكيا هي من الدول الأوائل التي ساعدت الدولة العبرية في التواجد على أرضنا بتزويدها بالأسلحة بمباركة من الاتحاد السوفياتي سابقا، كان ذلك ابتداء من سنة 1948 عندما استولى الشيوعيون على زمام الأمور ببلادكم. ولكن صدقوني لا يمكن فهم هذه القضية بشكل سليم إلا بإعادة تشخيصها وإعادة قراءة تاريخها قراءة محايدة ومتأنية.
بدأ الصراع العربي الإسرائيلي على الأرض بعد هزيمة العرب وإذلالهم في حرب 1948 وزاد من تعميق جراح الهزيمة مأساة ونكبة يونيو لسنة 1967، بعدها وفي سنة 1979 تم التوقيع على اتفاقية سلام بين السادات وإسرائيل، تحاشت الاتفاقية التعرض لإنشاء دولة فلسطينية ولمصير اللاجئين والقدس المحتلة. فمقابل بعض الكيلومترات من صحراء سيناء تخلت مصر عن مكانتها الرائدة في المنطقة فأصبحت نضالات شعبها وكاريزما جمال عبد الناصر القومية في خبر كان.
أنا مقتنع وأتمنى أن تكونوا كذلك، بأن الحركة لم تكن أبدا يهودية بل كانت دائما جزء من السياسة الرسمية للدول الغربية وأنها فرضت على اليهود فرضا مع أن هؤلاء حاربوها أولا بعنف وواجهوها بالحجج التي يلجأ إليها العرب اليوم، إلا أن الغرب خلق المناخ الذي أرغم اليهود في النهاية على السير في الاتجاه الذي خطط لهم فكانت كل دولة غربية مقتنعة أن كيانا يهوديا في فلسطين يخدم مصالحها.
فتدخلت قائلا: نعم أشاطرك الرأي، فحتى نحن المغاربة تأثرنا كثيرا بهذا الصراع، للأمانة وللتاريخ، لقد غادر اليهود المغاربة مجبرين المغرب في أعقاب الاستقلال ونشوب حرب السويس ابتداء من سنة 1967 بتشجيع من الجنيرال المغربي أوفقير، الرجل الدموي بامتياز وأحد عملاء القوى العظمى آنذاك مقابل إتاوة مهمة، فاستقروا في إسرائيل وفرنسا وكندا. فالمغاربة اليهود حينها مروا بتجربة مرة، كما حكى لنا صديق والدي اليهودي «مارسيانو» يوما، حاولوا حينها الاندماج في مجتمع يهودي ونصراني واصطدموا بعقبات عدة. المفروض حسب النظرية الصهيونية أن اليهود مهما كانت أصولهم يعتبرون إسرائيل أرض الأجداد، إلا أن هذا لم يحصل إلى يومنا هذا، لا تزال الأغلبية «الإشكنازية» في إسرائيل تنظر إلى اليهود المغاربة كعرب، كأفارقة بل كسود. كانت النتيجة أن هؤلاء قرروا أن يصنعوا من مغربيتهم علامة افتخار، بدؤوا يكافحون من أجل حقوقهم في إسرائيل انطلاقا من تلك الهوية وراحوا يبحثون عن دعم السلطات المغربية بلد آبائهم وأجدادهم. كان خطابهم إما أن يعاملوا في إسرائيل كمواطنين وإما أن يعودوا إلى وطنهم الأصلي، علما أن هذا الخطاب يفزع يهود أوروبا لأنه يختلف مع البناء الصهيوني. فكان لهذا تأثير قوي على القضية العربية الإسرائيلية.
ستطوى عاجلا أم آجلا هذه الصفحة الحزينة الموقعة بدماء الشهداء الفلسطينية والعربية والإسلامية وكذلك بدماء يهود أبرياء أقحموا في هذا الصراع الإيديولوجي المرير بدون استشارتهم ولا رغبتهم، ظلوا لسنين ولا زالوا مجبرين خاضعين لجبروت الفكر الصهيوني المتعالي المتطرف. لقد أثر هذا الصراع على نفسية وفكر وحياة الجانبين وكان للمغاربة نصيب من هذا التأثير، أما علاقة المغاربة اليهود مع باقي الطيف المغربي، سواء عرب أو أمازيغ أو أندلسيين أو حسانيين فكانت سمنا على عسل والتاريخ يشهد بذلك.
قاطعني «عبد الله الفلسطيني» قائلا:
يستحضرني في هذه اللحظة موقف أحد المثقفين الإسرائيليين المناضلين والمدافعين عن الحداثة والسلام وهو من أصول مغربية، وينحدر من منطقة « تنغير» الضاربة في القدم الواقعة في جنوب المغرب. عندما طرح سؤالا وجيها :» إلى أين ستذهب إسرائيل بعجرفتها هاته ؟» كما أضاف هذا المفكر سؤالا آخرا لا يقل أهمية عن الأول: «هل بوسع إسرائيل البقاء فترة أطول على حالها على الرغم من حيويتها الاقتصادية ؟ «. شيء جميل ما قاله هذا المناضل ولكن الأجمل هي الحركية العفوية التي يعرفها المجتمع المدني حديثا داخل إسرائيل، يقودها إسرائيليون يناضلون جنبا إلى جنب مع الفلسطينيين ضد الاحتلال ومن أجل تحقيق السلام، ومن بين المجموعات الناشطة في هذه القضية الحساسة:
«مجموعة كسر حاجز الصمت، مجموعة مراقبة الممرات الأمنية، ومجموعة ثوار حائط العزل ومجموعات عديدة من أهل الأدب والفكر والفن «.
عاجلا أم آجلا سيعرف المجتمع الإسرائيلي تحولا جذريا وعميقا يتوج بربيعه الديمقراطي سيلعب المجتمع المدني الإسرائيلي المسالم حينها دورا طلائعيا في هذا التحول التاريخي الذي تنتظره المنطقة برمتها منذ عقود وسيعلن من خلال هذا التحول عن ميلاد دولتين مستقلتين تعترفان ببعضهما البعض، بتاريخهما وثقافتهما وحدودهما بدون إقصاء ولا إلغاء وبمباركة شاملة من المجتمع الدولي: دولة فلسطين ودولة إسرائيل.
يضيف «ياسر» الطالب السوري بكل عفوية: لم أكن أرغب في التدخل، فأنا كما تعلمون سوري الجنسية ولكن من أصل كردي، نعاني نحن الأكراد وباقي الأقليات الأمرين، نشعر بالتهميش والغبن والظلم، أخاف الإفصاح عما يجول بداخلي لأن كل سوري يراقبه مخبر بعثي يلازمه كالظل. نعيش كما كنتم تعيشون خلال العهد البائد، نظام واحد وحزب واحد.
إذن علينا جميعا كمسلمين ومسيحيين ويهود وكأكراد وسنة وشيعة وأمازيغ وغيرهم أن نواجه بكل تعقل وحكمة وبصيرة العقل الديني اللاهوتي والفكر العنصري والاثني والتعصب المتجاوز والتطرف والقداسة المرعبة التي تؤسس للكره المتبادل المطلق وأن نؤسس إلى أخلاق أكثر إنسانية وتسامح، وأن يعم الفكر الكوني الحداثي العقلاني الذي يحترم إنسانية الإنسان ويدافع عن حرياته ومعتقداته بدون الطعن في ثقافته ووجوده، وما ثورات أوروبا الشرقية وسقوط حائط «برلين» وإفلاس إيديولوجية الحرب الباردة إلا بداية إيجاد الحلول الناجعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
إذن ما أحوج منطقتنا كما قال «عبد الله» إلى ربيع ديمقراطي يؤسس لمرحلة جديدة، يعاد الاعتبار من خلالها لشعوبنا المقهورة، المغلوب على أمرها.
وفي غفلة من الجميع تبادلت النظرات مع «فييرا» نعلن من خلالها انسحابنا من الدائرة. فاتجهنا في ليلة مقمرة وهادئة إلى الحي الجامعي ولكننا سلكنا الطريق الخطأ في اتجاه الحدود السلوفاكية النمساوية فتهنا في الغابة الكثيفة، مرت أكثر من ساعة ونحن نبحث عن الطريق الصحيح، في تلك اللحظة توقفنا للإستراحة قليلا ، نظرت إلي نظرة معبرة وقالت: ماذا عن علاقتنا مستقبلا مصطفى ؟
أجبتها: كما تعلمين اخترت العودة إلى بلدي واختياري هذا لا محال سيقودني إلى المجهول، لا أريد أن أبني لك قصرا من الأحلام فالحياة هناك صعبة وقاسية، فلنبقى أصدقاء وهذا عين العقل.
قالت والدموع على وشك السقوط من عينيها العسليتين: أقدر فيك صراحتك لهذا أريد أن أصارحك بدوري، أتتذكر «ميلان» ؟
أجبت قائلا: نعم، أتذكره بالفعل ذلك الفتى الأشقر الوسيم الذي كان يعزف على «قيتارته» عندما كنا معا في منتجع « جبال التاطري « الخلابة نقضي العطلة الشتوية، كانت بالفعل أيام جميلة لا تنسى.
قاطعتني قائلة: لقد عزمني مرة بمناسبة عيد ميلاده، احتفلنا معا، أمضينا الساعات الطوال في الدردشة حول الدراسة والمستقبل وأشياء أخرى، وبعدها استمرت تلك العلاقة من حين إلى آخر عبر الهاتف، وفي يوم من الأيام فاجأني «ميلان» بطلب يدي للزواج فاندهشت وقلت له إنه لا يمكننا التفكير حاليا في هذا الموضوع لأنني مرتبطة كما تعلم بمصطفى، لنترك الأمور إلى حينها.
قلت لها وأنا في غاية الدهشة: لم أكن أنتظر هذا ولكن المستقبل مستقبلك فافعلي ما شئت أما أنا فلا زال أمامي كثير من الوقت لأبدأ التفكير في حياة الاستقرار.
ردت قائلة: لنضع هذا الأمر جانبا ولنفكر في رحلتنا معا إلى المغرب.
بعد الاستراحة وجدنا طريق العودة إلى حينا الجامعي بعدما كنا تائهين في أغوار الغابة الكثيفة.
دخلنا الغرفة، اتجهت «فييرا» مسرعة نحو الحمام بعد بضع دقائق أطلت وهي مرتدية لباسا شفافا ذهبيا كأننا في قصة « ألف ليلة وليلة « كانت الموسيقى اللاتينية تبث عبر إذاعة براتيسلافا المحلية، أخذت ترقص على إيقاعاتها..
عانقتني بعدها «فييرا» وابتسمت، فكان كلامها في ابتسامتها، يا لروعة اللحظة وجمالها، في هذه اللحظة بالضبط تداخلت الذبذبات والوقائع فسمعت صوتا قريبا يخاطبني ويقول :
بعد ربع ساعة ستحط الطائرة بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء، إنه صوت المضيفة.
عدت إلى وعيي ووجدت «فييرا» بجانبي، نظرنا إلى بعضنا بشوق وحنان ومن خلال هذه النظرات أعلنا عن استمرار الرحلة.



مصطفى بلعسري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.