علاقة المد والجزر بين السلفيين والدولة لازالت، كما كانت، لم تستقر على بر، إذ إن تجاذبات السياسة وتموقعات الفرقاء تؤثر في الكثير من القرارات الرسمية المتخذة في هذا الإطار من طرف متنفذي الدولة العميقة. ويبقى آخر فصول التوتر في هذه العلاقة هو إقدام القوات العمومية، باستعمال القوة، على إغلاق دور القرآن التابعة لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة في مراكش، التي يترأسها الشيخ محمد بن عبد الرحمان المغراوي، تنفيذا لقرار تعسفي لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي أصدره في مذكرة مشتركة مع وزير الداخلية، موجهة إلى والي جهة مراكش تانسيفت الحوز، محمد فوزي، وذلك بعدما راسل مندوب وزارة التوفيق جمعية الشيخ المغراوي لتفعيل قرار الإغلاق بدعوى عدم احترام منهجية التدريس المعتمدة من طرف الوزارة في المدارس العتيقة، واعتماد الروايات العشر في تحفيظ القرآن الكريم وعدم الاقتصار على رواية ورش، وهو المبرر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام، خاصة وأن الجمعية تشتغل في إطار قانون الجمعيات وليست مدارس عتيقة خاضعة لإشراف وزارة الأوقاف. بل وحتى في حالة وقوع تجاوزات، فإن القضاء هو المعني بالنظر في مثل هذه النوازل وليس حراس معبد "الحداثة العارية"، المأسورين بحب دفين لمنطق الاستبداد، ضدا على المصالح العليا للوطن وحرمة دور يحفظ فيها كتاب رب العالمين. إن الذين يزعجهم صوت القرآن اختاروا شهر شعبان للنطق بحكمهم الجائر. ولا أتحدث هنا عن وزير الأوقاف، الذي يتحمل المسؤولية طبعا، وإنما عن الجهات التي اتخذت القرار الذي دبر بليل. وفي سياق التذكير واسترجاع ما من شأنه أن يوضح بعض خلفيات وأسباب القرار، أتوقف عند محطات فيها توضيح ودروس وعبر: الجمعية تأسست منذ 1976 بناء على قانون الحريات العامة. وقد عرفت خلال هذه السنوات مدا وجزرا في علاقتها بالدولة، ونالت من التضييق ما نالته عموم الجمعيات والحركات والتيارات ذات المرجعية الإسلامية؛ تم إغلاق مقرات الجمعية سنة 2008، فتحركت جمعيات المجتمع المدني للتنديد والمطالبة برفع الحظر القانوني وفتح دور القرآن، وهو المطلب الذي دعمته عموم الأحزاب السياسية المغربية، باستثناء حزب الأصالة والمعاصرة من خلال فريقه النيابي في مجلس النواب؛ الاستثناء المتحدث عنه يتضح من خلال تعقيب لأحمد التهامي، عن فريق التجمع والمعاصرة، يوم 29 أكتوبر 2008، في رد له على جواب وزير الداخلية السابق شكيب بن موسى، عن سؤال متعلق بإغلاق دور القرآن تقدمت به فرق نيابية في المجلس، يقول أحمد التهامي: "نعتبر أن قرار الإغلاق قرار موافق للصواب لأنه يصحح وضعا يتميز بالشطط في استعمال الحريات التعليمية ويفضي إلى إنتاج فكر ونقل فكر أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه بعيد كل البعد عن العصر والمعاصرة"، ويضيف: "هذا نموذج ليس بعيدا عن نموذج آخر معروف على الصعيد العالمي وهو المدارس القرآنية في أفغانستان والتي أنتجت طالبان، فاستباقا لما يمكن أن تفضي إليه مثل هذه المؤسسات وحماية للحريات، والحريات التعليمية على وجه الخصوص، نعتبر أن القرار في محله وأن ما يقال من أن هذه المؤسسات خاضعة لقانون الجمعيات هو أيضا تفسير مجانب للصواب، لهذا نعتبر أن هذا القرار ما هو إلا تصحيح لوضع شاذ، لوضع غير مقبول، إن قانونيا أو أخلاقيا، لهذا نعتبر ما قامت به الإدارة ما هو إلا تحمل للمسؤولية يجب الاستمرار فيها"؛ زيارة مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، للشيخ المغراوي في مقر الجمعية بمراكش، وتحميل مبادرة شخصية أكثر مما تحتمله من طرف أكثر من جهة، خاصة من لدن أطراف ترى في هذا التقارب "تحالفا انتخابيا" قادرا على دك عروشهم الانتخابية المتهالكة؛ بعد هزيمة حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات الجزئية بمراكش، اتهم محمد المهدي الكنسوسي، النائب البرلماني عن ذات الحزب والممثل لدائرة الرحامنة، جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بكونها عبارة عن "حزب سري ومضلل"، ووصف رئيسها الشيخ المغرواي بكونه حاملا لفكر "إرهابي" ويتخذ من مراكش قاعدة له، وقال إنهم "أناس متطرفون دينيا، لا علاقة لهم بمؤسسات المغرب ولا بمبادئ الدولة، يحرضون الناس على محاربة السياحة ويجهرون بأنها تشجع على الإباحية ويخوفون الأجانب"؛ في معرض رد عبد الحكيم بن شماش، كبير مستشاري "البام"، على أحمد التوفيق، وزير الأوقاف، يوم 25 يونيو 2013، أياما قبل الإقدام على تنفيذ قرار إغلاق دور القرآن، اعتبر أن طريقة عمل هذه الدور يلفها الكثير من الغموض، متسائلا بصيغة لا تخلو من استنكار وتحريض "هل هذه الدور خاضعة لمقتضيات قانون 13.01 المتعلق بمدارس التعليم العتيق أم هي خاضعة لقانون 18 يناير 1958 المتعلق بحق تأسيس الجمعيات؟". إنها محطات للتأمل لتحديد من له المصلحة في إغلاق دور القرآن، ومن مهد لمثل هذا القرار الذي وقع عليه وزير الأوقاف بعدما أتاه الأمر المحتوم. التوفيق لم يخطئ في اتخاذ القرار وإنما في تنفيذ القرار الذي أريد من خلاله إظهار أن الحكومة "عاجزة" وأن الرهان على الحزب الذي يقودها رهان على "جواد" خاسر، هذه هي الرسالة التي بلغها السيد وزير الأوقاف "مرغما" عن جهات لم تستوعب بعد أنها تلعب بالنار وبمستقبل الوطن، وأن النار إذا اشتعلت -نسأل الله اللطف- فستأكل الأخضر واليابس. اتقوا الله في هذا الوطن.
نبيل الأندلوسي* *الكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية في الحسيمة