حجز عدد كبير من الرياضيين في الآونة الأخيرة قبورا في المدافن، بعد أن اختارهم الله إلى جواره، وحجزوا أيضا مساحات في ركن التعازي بالجرائد الوطنية والرياضية. أصبح مشهد اللاعبين والمسيرين والمدربين مألوفا أمام القبور، واستأنس أحياء وأموات المقابر بحافلات الفرق الوطنية وهي تسير ببطء خلف النعش محملة بالمعزين وفي أحشائها ماء معطر وتين يابس وأدوات الطقوس الجنائزية بدل الكرات والعتاد الرياضي. في مدينة الدارالبيضاء تناوب الوداديون والرجاويون على المقابر، قبل أن يفسح المجال لفرق القسم الثاني في مشهد غريب. مات كبير مشجعي الوداد محمد كباطاس ولم يصدق المشيعون الذين كانوا يمشون خلف الجنازة الخبر، فقد ظل إلى آخر رمق في حياته حاضرا في المنتديات الودادية يوزع بسخاء طرائفه وقفشاته على الرياضيين، فقد كبطاس البصر ولم يفقد البصيرة وظل مداوما على متابعة مباريات الوداد لأنه يحس بناديه بتحركات لاعبيه يسمع نبض القلوب ولا يتردد في الاحتجاج عن قرارات الحكام رغم ضعف الرؤية. في حفل تأبين المرحوم لحريشي رفيق دربه في عشق الوداد، طالب كباطاس بوضع شعار الوداد على شاهد قبره، وأوصى بدفنه إلى جانب وداديين تجنا للجدل مع الرجاويين، فقوبلت الوصية بقهقهات المعزين قبل أن يدعو أحد المسمعين الحضور إلى التزام الهدوء. اجتمع الرياضيون كثيرا حول موائد حفلات التأبين، فلا يخلو أسبوع من لقاء لتقديم العزاء يكون فرصة لفتح نقاش لا ينتهي حول الكرة، حتى يكاد المرء ينسى مناسبة اللقاء. مات والد لاعب الوداد هشام جويعة ولم يفرح كبقية اللاعبين بالانتصار على النادي القنيطري، فعلى امتداد مسافة السفر كانت حافلة الفريق أشبه بمأتم، واضطر زميله عبد الرحيم السعيدي إلى مغادرة معسكر وجدة بعد أن تلقى خبر وفاة شقيقه وعاد على الفور إلى الدارالبيضاء لاستكمال إجراءات الدفن، وقبله فقد طبيب الوداد محمد عبور والده وما أن مسح دموعه حتى ركب الطائرة رفقة الوداد في رحلة حلب وفي عنان السماء كان الرجل يتلقى العزاء. ضربت الموت أيضا فصائل الرجاء وعاش الأخضر طقوسه الجنائزية بنفس الهم والغم والآهات، فقد مات الرجل الأخضر الذي ظل يتأبط دفاتر الرجاء ويبتلع آلامه من أجل مقعد في المدرجات، والتقى الرجاويون في المقابر لدفن والد الحارس مصطفى الشادلي، وعاد نفر منهم إلى المقبرة لتشييع جثمان والدة لاعب الرجاء السابق إدريس عشا، فيما شوهد بعض اللاعبين الدوليين القدامى وهم يقدمون فروض العزاء للاعب عبد الرحيم مهاجم نجم الشباب السابق، بل إن أسرة النجم لم تراوح المقبرة لتشييع جثمان لاعبها في فترة الستينات المحجوب خليل، وغيرهم من الوجوه الرياضية التي اختطفتها يد المنون من المدرجات وأرسلتها إلى المقابر. ومن الصدف الغريبة في مشهدنا الكروي وجود علاقة جوار بين ملاعب كرة القدم والمقابر، فمقبرة الشهداء بالدارالبيضاء تقتسم موقف السيارات مع مركب الصخور السوداء، وملعب تيسيما لا يبعد إلا بخطوات عن مقبرة سباتة، ومقبرة سيدي مومن تطل على فضاء المركب الجديد للدار البيضاء وفي مدن عديدة كفاس ومكناس وطنجة والجديدة يتعايش اللاعبون والأموات. يكتفي المسؤولون بتوقيف العداد دقيقة واحدة لقراءة الفاتحة على روح الفقيد لتستأنف المباريات وتستمر الحياة في انتظار جنازة كرة.