لليهود في المغرب أولياؤهم الصالحون وولياتهم الصالحات، من ذوي الكرامات، إذ أقاموا لهم أضرحة و خلّدوهم في مواسم وحفلات شتى اكتسبت تقليدا وصيتا مع مرور الأيام والسّنوات.. تتناسل في تراب المملكة الشّريفة مئات المزارات لأولياء اليهود، أبرزهم على الإطلاق ضريح الرابي عمران بن ديوان في قرية «أسجن»، قريبا من مدينة وزان، والرابي حاييم بينتوو في الصويرة، ولالة سوليكة ويهودا بن العطار ومنشي بن ديان وفيدال سرفاتي في فاس، وإسحاق بن شتريت وأبراهام أمسلم وإيلياهو في الدارالبيضاء، ويعقوب أحكنازي، المشهور بلقب «مول الما»، في مراكش وضواحيها، وقِس على ذلك.. إلا أنّ أبرز الوليات اليهوديات هما لالة سوليكة، دفينة فاس، ومائير بار شيتات، دفينة مراكش. تعتبر المقبرة اليهودية، الموجودة قرب القصر الملكي في فاس، من بين أقدم المقابر اليهودية بفي المغرب، حيث يوجد فيها حوالي 20 ألف قبر، إذ يعود تاريخها إلى ما بين 2000 و2500 سنة، كما تضمّ أضرحة أشهر الحاخامات الذين يحظون بقدسية لدى اليهود، ونذكر منهم الحاخام يهودا بن دحان والحاخام حاييم كوهين والحاخام فيدال سرفاتي وضريح لالة سوليكة، وأغلبهم أولياء يهود عاشوا في القرن التاسع عشر الميلادي. تقف نساء اليهود طويلا أمام ضريح لالة سوليكة في المقبرة اليهودية في فاس ، يذرفن دموعا غزيرة على القبر، ومنهنّ من ينهار أمامه وهو يسترجع حكاية هذه الولية، التي صدر في حقها حكم الإعدام وفصِل رأسُها عن جسدها وعمرها لا يتجاوز 17 سنة.. اختلف المؤرّخون في تسمية هذه الولية اليهودية، هناك من يفضّل اسم لالة صليحة، وهناك من يطلق عليها إسم لالة زوليخة.. ولكن الرّاجح هو اسم لالة سوليكة.. لكنّ أغلب الكتابات التاريخية أجمعت على قصّة الحب التي جمعتها بشاب مسلم، وإن اختلفت في بعض الجزئيات البسيطة للقصّة. في سنة 1817، وُلدت سليكة هاتشويل من أب وأم يهوديين يقيمان في مدينة طنجة، ترعرعت الطفلة في كنف أسرة تنشط في مجال التجارة، وحين اشتدّ عودها وأصبحت فاتنة الجمال تحولت إلى حديث المجتمع الرّجالي في طنجة، بل وارتبطت وعمرها 14 سنة بشابّ مسلم يفوقها ببضع سنوات وينتمي بدوره إلى عائلة عريقة تدعى الطاهرة.. وهو شقيق صديقة سوليكة وعلبة أسرارها. ذات يوم، احتدم خلاف بين سوليكة وأمها التي كانت تحذرها من عواقب الزيارات المتكررة لمنزل الطاهرة.. بعد أن استنشقت نسائم علاقة ودّ تنسج في الخفاء بين العائلتين، إلا أنّ سوليكة رفضت مصادرة حقها في زيارة صديقتها، بل إنّ هذا الخلاف العائلي دفع العشيق إلى تقديم مقترَح الزواج من سوليكة شريطة التخلي عن ديانتها اليهودية واعتناق الدين الإسلامي.. لكنها رفضت تغيير ديانتها ولو اقتضى الأمر التضحية بالعشيق، الذي لم يكن ينتظر هذا الرفض، واعتقد أنّ الحب يكفي لاستبدال المعتقدات والديانات. في ظل هذا المأزق، عمد شقيق الفتى الولهان إلى استئجار شهود قدّموا شهادة مزيفة في حق الشابة اليهودية، وحرّروا محضرا يؤكدون من خلاله معاينتهم اعتناق سوليكة الديانة الإسلامية طوعا ودون أيّ ضغط، وأنها ردّدت الشهادة، مفتاح دخول الإسلام. لكنّ هذه الأخيرة رفضت هذه التمثيلية وأصرّت على الإبقاء على دينها، وهو ما جعلها مُهدَّدة بتهمة الرّدة، على اعتبار المحضر المزور.. ولأنّ عاقبة الرّدة هي القتل فقد راسل والي مدينة طنجة السلطانَ مولاي عبد الرحمن في النازلة طالبا منه فتوى تنهي المشكلة التي هدّدت التعايش الإسلامي -اليهودي في المنطقة.. أحال السلطان القضية على قاضٍ في فاس يدعى محمد بناني، ملمّ بالشؤون الدينية، الذي لم يجد بدا لاستحلاص براءة الفتاة إلا بنفي الرّدة والقول أمام الحاضرين إنّ الإسلام هو دينها.. في صبيحة أحد أيام سنة 1834، جيء بسليكة مغلولة القدمين واليدين لتقول شهادتها أمام القاضي في حضرة السلطان. التقطت أنفاسها وصرَخت: «وُلدتُ يهودية وعشتُ يهودية، ثم سأموت يهودية.. لن أغيّر عقيدتي ولن أستبدل ديانتي حتى ولو منحوني ذهب الدّنيا كلها».. أصدر القاضي حكما يقضي بسجن سوليكة ومنعها من الأكل إلى أن تقرّ ببقائها على دين الإسلام. بينما كان اليهودي السّرفاتي يرسل لها الطعام سرا إلى السّجن.. وحين تبيّن للجميع إصرارها على الاعتقال مَهْما كلفها الأمر، تقرّر إعدامها في عيد ميلادها السابع عشر بعد ثلاث سنوات من الأسْر، وقطِع رأسها في سوق أسبوعيّ أمام الجميع.. وتقرر حرق جسدها، تنفيذا لقرار المحكمة. وتقول الرّوايات التاريخية إنه أثناء قطع رأسها رمى اليهودي رفائيل قطعاً من الذهب في السماء، فانشغل الجميعُ بجمعها مما مكنه من سرقة الجثمان ودفنه في المقبرة اليهودية في الملاح قبل حرقه.. ليصبح مزارا يحمل اسم «الصّديقة سوليكة»، وهي الدّراما التي استلهم منها الكثير من الكتاب حكاياهم..