المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين يقود ضياع بطاقة وطنية إلى التورط في قضية تهريب 11 طنا من الحشيش
شبكة اعتمدت عمليات محكمة لتزوير وثائق تأسيس شركة ورطت عددا من الأبرياء
نشر في المساء يوم 15 - 07 - 2013

قبل أسبوعين، أعلنت وزارة الداخلية الإسبانية عن تفكيك شبكة للتهريب كانت تقوم بتهريب الحشيش إلى إسبانيا، مخبّأ داخل شحنات السّردين المجمّد، و
كشفت أنها ألقت القبض على 14 شخصا في كل من ماربيا وقاديس وحجزت ما مجموعه 900 كيلوغرام من المخدرات.. وأن الشبكة، التي يديرها مهرّبون إسبان ومغاربة، كانت تستعمل كغطاء لعملياتها شركة لاستيراد السّمك وفواكه البحر.. فضلا على أنها لجأت إلى استخدام تقنية جديدة في التهريب وهي تنظيف السمك وتنقيته ليصبح جاهزا للاستهلاك وتجميده بعد حشوه بكميات صغيرة من القنب الهندي، حتى تصبح المخدّرات وقطع السمك قطعة واحدة يصعُب على أجهزة «السّكانير» رصدُها..
الخبر هو، بالتأكيد، واحدٌ من بين عشرات الأخبار التي تبثها وسائل الإعلام الإسبانية والمغربية، والتي ترصد عمليات التهريب الواسعة لمخدر الحشيش انطلاقا من التراب المغربي إلى الجارة الشمالية. ويكاد يكون الخبر «عاديا» بسبب توالي عمليات التهريب على مدار السنة.. لكنه مع ذلك يخفي في طياته كثيرا من التفاصيل التي لا تظهر إلى العلن إلا لِماما، تفاصيل تبقى حبيسة مكاتب المحققين وردهات المحاكم وبين سطور عشرات المحاضر التي يتم تدوينها.. وهذا كاف للدفع بعشرات الأسئلة المترابطة إلى الواجهة، أسئلة تصعب الإجابة عن كثير منها بسبب الدقة الكبيرة التي تدار بها عمليات التهريب.. ولعلّ أهمّ هذه الأسئلة هي: لماذا تلجأ شبكات تهريب الحشيش من المغرب إلى أوربا إلى استعمال غطاء شركات لتصدير السّمك أو بعض المنتجات الفلاحية لمداراة نشاطها؟ وكيف تتمكن من عبور الجمارك المغربية لتسقط غالبا في الضّفة الأخرى؟ ولماذا تعجز السلطات الأمنية المغربية في كثير من الحالات عن إيقاف الرؤوس المدبّرة لمثل هذه العمليات، خاصة في المغرب، حيث منطلق شحنات المخدرات؟ وما هي أهمّ الحيل التي تلجأ إليها مثل هذه الشبكات لتنفيذ عملياتها؟.. وما مدى استفادتها من تواطؤ عدد من الجهات التي تسهل عملها؟.. ووسط كل هذه التساؤلات يبرز سؤال غالبا ما يغيب في مثل هذه القضايا هو «كم من الضحايا الأبرياء الذين تخلفهم مثل هذه العمليات، وكيف يساق كثيرون إلى السجن في قضايا مماثلة دون أن تربطهم أيّ صلة بعمليات التهريب؟..
للإجابة عن السؤال الأخير تغوص «المساء» في تفاصيل عملية تهريب مشابهة لعملية السبت ما قبل الأخير، جرت أحداثها قبل 3 سنوات بالتحديد، لكنّ فصولها لم تنتهِ بعد، وما تزال كثير من وقائعها تستعصي على المحققين في الضفتين.. وطيلة السنوات الثلاث الماضية جرفت القضية ضحايا كثرا، قادتهم الصّدفة إلى التواجد في الزمان والمكان الخطأ، وهي الوقائع التي نعيد تركيبها لنبين كيف يمكن أن تقود أخطاء بسيطة أناسا بسطاء ليصيروا مطلوبين في قضايا التهريب الدّولي للمخدرات في عمليات تدار بملايين الأوروهات لا يكون لهم فيها من نصيب منها إلا المتاعب والرّحلات المكوكية بين أقسام الشرطة وقاعات المحاكم..
سردين بنكهة الحشيش..
بدأت الحكاية في صيف 2010، وتحديدا بتاريخ 7 يوليوز، حيث ضبطت مصالح الشرطة الإسبانية في ميناء الجزيرة الخضراء كمية من مخدر القنب الهندي، يبلغ وزنها 11 طنا، داخل حاوية محمّلة بالسردين المجمّد القادم من المغرب.. ولاحقا، كشفت وزارة الداخلية معطيات عن هذه العملية وأعلنت توقيف الشبكة المكونة من أربعة رجال وامرأة، وأن العملية جرت بعد عملية ترقب ومتابعة لهذه الشبكة، التي تتراوح أعمار أعضائها بين 30 و52 عاما، وهم من ذوي السوابق في تجارة المخدرات. وقد مكنت هذه العملية من تجميد 38 حسابا مصرفيا وتشميع سبعة عقارات سكنية قدرت قيمتها بأكثرَ من 860 ألف أورو، إضافة إلى مصادرة ثمان سيارات فاخرة، فضلا على 240 ألف أورو نقدا... كما تم الكشف عن أنّ المعتقلين اعتمدوا على شبكة شركات لتوظيف الأرباح الناتجة عن بيع المخدّرات تعمل في مجال الاستيراد والتصدير «بشكل طبيعيّ»، لكنْ كان عملها بشكل أساسي مخصصا لأنشطة مشبوهة، فضلا على مركز لبيع الهواتف المحمولة تمكن من تسجيل مداخيل مالية تزيد على مليون ونصف المليون أورو.. إضافة إلى ذلك، كانت الشبكة تقوم بغسيل الأموال من خلال شراء العقارات السكنية وطلب قروض عقارية يتم تسديدها من أرباح المخدرات...
إلى هنا، تبدو الأمور عادية وتوحي بأنّ الأمر يتعلق بواحدة من عمليات التهريب التي اعتادت الشرطة الإسبانية كشفها، ويتورّط فيها مواطنون من البلدين، لكنّ توالي الأحداث سيميط اللثام عن معطيات مثيرة.. إذ كشفت التحرّيات التي قادتها السلطات الأمنية، سواء في المغرب أو في إسبانيا، أنّ الأمر يتعدى عملية عادية لتهريب المخدرات إلى عملية أخطر تتعلق بالتزوير واستعماله لتوريط أشخاص غرباء عن الشبكة سيحملون وزر القضية في حال تم كشفها.. وهذه تفاصيلها كما أوردتها محاضر المكتب الوطني لمكافحة المخدرات في الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي تولت البحث في القضية، والتي كشفت أنّ التحريات الأولية التي أجريت على الحاوية المحمّلة بكمية المخدرات موضوع القضية بينت أن الحاوية رقم «WCU 6948035» موضوع التصريح الموحد رقم 0000189، والمحملة بكمية 24 طنا من سمك السردين المجمّد تم تصديرها من طرف شركة «A. F»، ومقرها في العيون، لفائدة الشركة الإسبانية «INQUISAN SL» تحت إشراف شركة التعشير «L. T». وقد أبحرت من ميناء أكادير بتاريخ 24 يونيو 2010، وهي المعطيات التي أوردها الممثل القانوني للشركة المصدرة، الذي أكد أن قسم التصدير في شركته تلقى اتصالا هاتفيا من شخص يدعى «مصطفى البوكيلي»، وهو زبون اعتاد التعامل مع شركته عن طريق شركة «DORANT PESCA»، التي يملكها مع أحد الأشخاص ويسمى «عبد الوهاب سفياني».. لكن العملية الأخيرة تمت عن طريق شركة «A .F»، كما هو شأن عمليات التصدير الأربع الأخيرة، بطلب من مصطفى البوكيلي، الذي تحجّج بأنه فضّ شراكته مع شريكه عبد الوهاب سفياني. وحسب ما أفاد الممثل القانوني للشركة فإنّ عملية إعداد شحنة السمك المطلوبة تمّت في مقر الشركة في العيون، بحضور مسؤول شركة التعشير «L.T»، الذي يشرف عادة على انجاز وثائق تعشير الشحنات التي تبيعها الشركة. كما حضر العملية عنصرُ الجمارك الذي أشرف على عملية المراقبة ووضع الختم قبل نقلها إلى وجهتها في ميناء أكادير تحت إشراف سائق يعمل لدى مصطفى البوكيلي، يدعى «محمد أوتانان»..
المعطيات التي صرح بها مسيّر شركة «A .F» تتوافق والمعطيات التي أدلى بها كل من المسؤول عن قسم التصدير في الشركة ذاتها وممثل شركة التعشير «L.T»، الذي قام بالإجراءات على مستوى مدينة العيون، وكذا ما صرّح به ممثل شركة التعشير «T..T»، الذي أشرف على إعداد وثائق التصدير على مستوى ميناء أكادير.. وقد هذا كان كافيا لتوجيه دفة البحث في اتجاه مسيري شركة DORANT» PESCA»، التي قامت في السابق بأزيدَ من 10 عمليات تصدير لشحنات من السّمك المجمد إلى إسبانيا، اقتنتها من لدن شركة «A .F» في العيون دون أن يعرف أي أحد من المتعاملين معها أي معلومات عنهم، علما أنّ جميع عمليات التصدير كانت تتم عبر تلقي طلبات إما بواسطة الهاتف أو الرسائل الإلكترونية، في حين يتم أداء المُستحَقات عن طريق وكالات تحويل الأموال أو حوالات بنكية بين أكادير والعيون..
اللغز الأول: C215153
حسب المعطيات التي كشفها البحث حول «DORANT PESCA» فقد تأسست الشركة في أكادير بتاريخ 26 مارس 2009، وهي مسجلة في السجل التحليلي للمكتب الوطني للملكية الصناعية والتجارية تحت رقم 17359 في اسم عبد الوهاب سفياني، الحامل لبطاقة التعريف الوطنية C215153، وعنوانه دوار «أدوز أوسعود» في بيوكرى أيت باها، برأسمال 100 ألف درهم. كما أنّ عنوان مقرّها الاجتماعي هو بلوك 2 رقم 138 حي الهدى -أكادير.. لكنّ البحث في هذه المعطيات سيكشف حقيقة مثيرة هي كون رقم البطاقة الوطنية الذي يتضمنه السجل التحليلي يخصّ شخصا آخر هو «أحمد غياض»، المزداد بتاريخ 1 يناير 1940 في دوار تامسنيت في غفساي إقليم تاونات، وهو موضوع مذكرة بحث وطنية منذ تاريخ 21 يوليوز 2007، من أجل تهمة تهريب المخدّرات على الصعيد الدولي صادرة عن مصلحة الشرطة القضائية في طنجة!
وخلال البحث مع أحمد غياض، الشيخ السبعيني، كشف أنه لم يسبق له أن أسّس أي شركة كيفما كان نوعها، وأنْ لا علاقة له بمجال التصدير والاستيراد. كما أنه يجهل أي شخص باسم عبد الوهاب سفياني، بل أكثر من ذلك لم يسبق له أن زار مدينة أكادير، حيث المقرّ الاجتماعي للشركة، ولا مدينة العيون حيث توجد الشركة المصدرة لشحنة السمك المجمد.. ما يعني أنه يجهل، أيضا، أيّ معطيات عن مسيري شركة «A .F»، فضلا على جهله لأيّ معطى يتعلق بمصطفى البوكيلي، الذي تشير إليه المعطيات بكونه شريكَ سفياني في شركة «DORANT PESCA»، المتورّطة في شحنة المخدرات التي تم توقيفها في الجزيرة الخضراء..
ما صرّح به أحمد غياض يؤكده أحد أبنائه ل»المساء» إذ يقول: «لقد أوضح والدي للمحققين أنْ لا علاقة تربطه بأي شخص ورد اسمه في هذه القضية، وأنْ ألا علاقة له بالشّركات التي قامت بعملية تصدير الشّحنة المتضمنة للحشيش المهرَّب إلى إسبانيا، وقدّم لهم معطيات واضحة تفيد أنه تم استغلال رقم بطاقته الوطنية لتأسيس شركة
«DORANT PESCA»، الأمر واضح لأنّ البطاقة التي يتضمّنها ملف الشركة لدى المكتب الوطني للملكية الصناعية والتجارية تبرز بما لا يدع مجالا للشكّ أن الأمر يتعلق بتزوير، كما أبرز لهم أنه سبق أن فقد -في ظروف غامضة- بطاقته الوطنية سنة 2002، وأنجز إثر ذلك تصريحا بضياعها لدى الدرك الملكي في غفساي، وأنجز نظيرا للبطاقة خلال السنة نفسها».
المصدر ذاته يقول: «أوضح أبي للمحققين، أيضا، أنْ لا علاقة له بقضية تهريب المخدّرات في ميناء طنجة سنة 2008، والتي صدرت بموجبها مذكرة بحث وطنية، ويُتهم فيها بأنه قام بإدخال مقطورة مجرورة بشاحنة إلى ميناء طنجة محمَّلة بالبطيخ الأحمر دُسّت فيها كمية 19 طنا من مخدّر الحشيش، علما أنه لم يسبق له سياقة أي مركبة رغم توفره على رخصة السياقة، وآخر شاحنة استغلها رفقة والده بيعت سنة 1974 وكان يسوقها سائق مستأجَر مقابل أجر شهري».. لكنْ رغم كل القرائن التي قدّمها والدي، واقتناع المحققين بصحة كلامه وبكونه ضحية عملية تزوير متقنة، وهي الخلاصة التي تضمّنها محضر الاستماع إليه لدى محققي المكتب الوطني لمكافحة المخدرات في الدار البيضاء، فقد اعتقِل ونقِل -يوم جمعة- إلى الدار البيضاء، ثم إلى أكادير، حيث أودع سجن أيت ملول، ولم تُخبَر عائلته بأمر اعتقاله كما تفرض المسطرة المُتّبَعة، بل إننا علمنا بالأمر، صدفة، بعد أربعة أيام من أحد معارف أبي القدامى كان نزيلا في السجن نفسه»..
قضى أحمد غياض 45 يوما في الاعتقال داخل سجن أيت ملول، بسبب «تورّطه» في عملية تهريب دولي للمخدرات بناء على رقم بطاقته الوطنية، التي أسست بموجبها شركة «DORANT PESCA»، وهو الذي لم تتجاوز سفرياته مدينة فاس، كما يحكي ابنه، لكنّ قاضي التحقيق في أكادير قرّر إيداعه السجن فقط لأنّ اسمه ورد في قضية سابقة، ولم يغادره إلا بعد أن استنفدت أسرته جميع محاولاتها لتلجأ -في نهاية المطاف- إلى خوض اعتصام أمام وزارة العدل استمرّ زهاء 15 يوما، انتهى بلقاء ممثلين عن الأسرة برئيس ديوان وزير العدل مصطفى الرميد، ولاحقا أطلق سراح الأب في انتظار أن تفصل المحكمة في علاقته بالقضية المتابع فيها».
إطلاق سراح الأب أحمد غياض لم يكن كافيا بالنسبة إلى أبنائه لطي الملف، خاصة أنه ما يزال متابعا في الملف بتهمة التهريب الدولي للمخدرات والتزوير واستعماله، وهي تهمة يبقى «التخلص» منها رهينا بالكشف عن حقيقة عدد من الشخوص، وأهمهم عبد الوهاب سفياني، الذي ورد اسمه في بطاقة التعريف الوطنية التي تم تزويرها.. ولهذا كان ضروريا البحث عن هذا الشخص حتى تتمكن الأسرة من تأكيد براءة الأب..
هنا «أَدوز أوسعود»..
على مدى أسابيع عديدة، قاد بعض أبناء الشيخ أحمد غياض رحلات بحث عن المسمى عبد الوهاب سفياني، تنقلوا بين أكادير، حيث المقر المفترض لشركة «DORANT PESCA» في حي الهدى، وبين بيوكرى، حيث تشير البطاقة الوطنية المزورة إلى عنوان سفياني، لكنّ بحثهم كان يصطدم دائما بمزيد من الغموض..
«المساء» اقتفت -بدورها- أثر عبد الوهاب سفياني، لعلها تصل إلى نتيجة تزيح الغموض الذي يلفّ القضية.. كانت وجهتنا دوار أدوز أسَعود في تراب جماعة بيوكرى، التي تبعد عن أكادير بقرابة 40 كيلومترا. نسأل الكثيرين عن هذا الاسم فتختلف رواياتهم مثلما تختلف ردة فعلهم، يقول أول الشباب الذين نسألهم: «توجد هنا عائلتان تحملان هذا الاسم في الدوار، إحداها يملك أفرادها عربات للجرّ، وعدد الإخوة 7 إخوة، والعائلة الأخرى تضمّ شقيقين يعيشان رفقة أمهم، ومعروف عنهم اتجارهم في الخمور والممنوعات، وأحد الشقيقين متهم في قضية حشيش، في حين توفي الآخر قبل مدة قصيرة!»..
ننقل السؤالَ نفسه إلى شاب آخر، لكنه يفضل المواربة قبل أن يطلق ساقيه للرّيح بعدما تجاوزناه ببضعة أمتار، دون أن يشفيّ غليلنا.. أما الأكثر حذرا ممن سألناهم عن رجلنا الغامض فيهزّون رؤوسهم بالنفي ربما اتقاء لشرِّ أسئلة غرَباء لا يُؤمَن جانبهم.. ومع ذلك فالمعطيات التي خلصنا إليها تصبّ كلها في اتجاه وجود شخص بهذا الاسم في الدوار، وارتباطه -بشكل أو بآخر- بتجارة الممنوعات. لكنّ كل هذا لا يمثل دليلا ملموسا على أن سفياني متورّط في تأسيس شركة «DORANT PESCA»، وتورّطه في شحنة المخدرات التي احتجزتها السلطات الأمنية الاسبانية قبل ثلاث سنوات، وربما تكون الرواية التي سمعنا عن تورّطه في قضية مخدرات هي مجرّد رواية انتشرت مثل النار في الهشيم بعدما توالت زيارات رجال الأمن إلى الدوار بحثا عنه!..
انتهت رحلة بحثنا كما بدأت، دون أن نصل إلى أي يقين بشأن شخصية عبد الوهاب سفياني، الذي يتشارك بطاقة وطنية مع أحمد غياض، لكنّ أسئلة كثيرة بقيت تنتظر إجابات، هي نفسها التي يبحث لها محام يترافع في القضية عن أجوبة، وأهمّها: ماذا لو كان عبد الوهاب سفياني هذا -بدوره- ضحية مثل أحمد غياض، واستغلت بطاقته الوطنية لتأسيس الشركة والقيام بعمليات مشبوهة؟ وحتى لو افترضنا أنه شخص على علاقة بمجال الاتجار في المخدرات، بناء على الشهادات التي استقيناها من بعض سكان الدوار حيث يقيم، فإنّ هذا لا يعني البتة أنه من يقف وراء الشبكة برمّتها، وقد يكون تم توريطه أيضا مثلما تم توريط ضحايا آخرين كشفت التحقيقات التي أجريت بُعدهم التام عن القضية؟ ولهذا يضيف المصدر ذاته: «الأولى توجيه البحث نحو الشخصية المحورية التي وردت في تصريحات عدد من الأطراف التي تم الاستماع إليها، والتي قدِّمت بشأنها أوصاف ومعطيات دقيقة، وهو الشخص الذي يشرف على عمليات اقتناء السردين المجمّد بصفته شريكا لسفياني في شركة «DORANT PESCA» وهو من كان يجري الاتصالات ويسدّد الدفعات لشركة «A .F» في العيون!
يفرض البحث في شخصية مصطفى البوكيلي العودة إلى بعض التفاصيل الثاوية بين محاضر الاستماع المنجَزة في القضية، وستكون البداية بمحضر الاستماع إلى مسير شركة «A .F» في العيون الذي أكد للمحققين أنه سبق له -في شهر يونيو- أن تلقى مكالمة هاتفية من طرف المسمى مصطفى البوكيلي، الذي يعدّ زبونا قديما لشركته، وسبق له اقتناء كميات من السمك المجمد عبر شركته DORANT» PESCA»، التي يملكها مع عبد الوهاب سفياني، وهي العمليات التي يتلقى عنها تحويلات على شكل دفعات، سواء عن طريق وكالة لتحويل الأموال أو عن طريق دفعات في الحساب البنكي للشركة أو في حسابه الشخصي، لكنْ في كل الحالات لم يسبق له أن التقى به أو شاهده..
المعطيات ذاتها يوردها مسؤول قسم التصدير في شركة «A .F»، الذي أشرف على عملية إعداد الوثائق الخاصة بشحنة السّردين المجمد، وهي معطيات يؤكدها مسؤولو شركتي التعشير في العيون وأكادير، وهؤلاء كلهم ينفون أن يكونوا التقوا مصطفى البوكيلي وأن جميع عمليات التصدير التي أشرفوا عليها تمت بناء على مكالمات هاتفية أو عبر البريد الإلكتروني.. لكنّ البحث سيكشف لاحقا شخصين سبق لهما أن التقيا بالبوكيلي، وهما من سيقدّمان بعض المعطيات حوله.. الأول هو أحد المسيرين السابقين لشركة تصدير السمك في العيون، الذي صرّح للمحققين بأنه سبق أن التقى، بطلب من شريكه السابق، البوكيلي في محطة للبنزين قرب ميناء أكادير في لقاء لم يتجاوز 5 دقائق، نقل إليه خلاله رسالة من شريكه في العيون باعتباره أحد زبناء الشّركة.. وقد قدم للمحققين أوصافا تخصّه، إذ أشار إلى أنه يبلغ من العمر حوالي 37 سنة، ومتوسط القامة وقويّ البنية، ذو لحية خفيفة يتخللها شيب، وشعر رأسه خفيف فيه شيب ويمتطي سيارة من نوع «توارك» سوداء اللون.. وهي الأوصاف التي تنطبق مع تلك التي قدّمها مسؤول شركة التعشير «G.S.T»، الذي استقبل الحاوية في ميناء أكادير بناء على طلب من مصطفى البوكيلي باعتباره صاحبَ الشحنة وطلب من شركة «A .F»، وهي الحاوية التي يؤكد أنها كانت تحتوي على ختم جمارك مدينة العيون، مضيفا أنه سبق له التعامل مع البوكيلي في أكثرَ من مناسبة وأشرف على إجراءات تعشير عدد من شحنات السمك المجمّد التي كان يقتنيها من شركة «A .F».
وإلى جانب اسم مصطفى البوكيلي، الذي يتردد في جميع محاضر الاستماع التي أنجزت في القضية، يظهر اسم «محمد أوتانان»، وهو الذي تشير إليه تصريحات مسؤولي شركة «A .F» والتصريحات المتطابقة لمسؤولي شركات التعشير الثلاثة الذين أشرفو على إجراءات خروج الشحنة من العيون إلى إسبانيا مرورا بميناء أكادير، بأنه سائق الشاحنة، التي تعود ملكيتها إلى البوكيلي، وهو السائق التي تكفل بحمل الحاوية المتضمنة لكمية الحشيش المحجوزة، كما كان يتكفل بنقل جميع الطلبيات التي سبق لشركة «DORANT PESCA» أن طلبتها في الفترة الممتدّة بين 2009 و2010 من عدد من شركات السمك المجمّد، ومن ضمنها «A.F» في العيون، والتي تزيد على 10 عمليات.. والمثير في حكاية «محمد أوتانان» هذا هو أن رقم بطاقته الذي توصل إليه المحققون لا وجود له في الناظم الآلي لإدارة الأمن الوطنيّ، بل حتى رقم الشاحنة التي يسوقها لا وجود له، إذ تبيّن لدى تنقيطه في مصلحة ترقيم السيارات أنه غير مخول لأي وسيلة نقل في المملكة..
هذه المعطيات تزيد الملف التباسا، إذ يؤكد أحد محامي الدفاع في القضية أنّ كثيرا من الأسماء الواردة في القضية قد تكون مزيفة ولا وجود لها أصلا، وهو ما ينطبق على لقب «أوتانان»، الذي يحيل إلى منطقة «إداوتنان»، القريبة من أكادير، وهو لقب قد يتلقب به أي شخص يتحدّر من هذه المنطقة، بل حتى اسم «البوكيلي»، الذي تحوم حوله الشكوك وتشير عدد من المصادر إلى أنه دائم التردّد على ميناء أكادير ومعروف لدى كثير من مهنيي السمك هناك، كما تتناقل الألسن حكاية حضوره جلسات المحاكمة في القضية، دون أن يتبين أي أحد حقيقته! قد يكون مجرّد لقب اختير بشكل عشوائي من ملايين الألقاب التي يحملها المغاربة، لنقل مثلا لقب «كرم»، فما الذي يؤديه لقب مثل هذا في عالم المخدرات؟.. ثم ما الذي يضمن لنا وجود هذا «البوكيلي» في التراب الوطني أصلا، طالما أنّ الأمر مرتبط بشبكة دولية لتهريب المخدرات تمتدّ بين الضفتين!
أبرياء وتساؤلات..
تُظهر تفاصيل الملف كيف تمكنت الشخصية المحورية في العملية، وهي مصطفى البوكيلي، من ترتيب الأمور لصالحه كي يتمكن من البقاء بعيدا عن أي مساءَلة.. وحدهم أشخاص أبرياء وجدوا أنفسهم في خضمّ هذه القضية دون سابق إعلام.. أحمد غياض واحد من هؤلاء، وهو الذي ظلّ يردد أنْ لا علاقة له بالقضية ولا بالشّركة ولا بعمليات التصدير التي قامت بها، بدليل أنه لا يتوفر حتى على حساب بنكي أو بريدي.. وهو ضحية، مثله مثل الآخرين الذين حصرت «المساء» عددهم في 4 أشخاص، هذا إذا افترضنا «حسن نية» جميع مسؤولي شركات التعشير التي تورّط مسؤولوها في القضية، فضلا على احتمال كون المسمى عبد الوهاب سفياني، هو أيضا، مجرّد ضحية!
من بين هؤلاء شقيقان يقطنان في بوسكورة، القريبة من البيضاء، واتضح أن صلتهما الوحيدة بالقضية هي أنهما استعملا في وقت سابق رقما هاتفيا ورد في مراسلة السلطات الأمنية الإسبانية إلى نظيرتها في المغرب. وحسب المعطيات التي كشفها الأخوان «محمد ورشيد ت.» فقد سبق لهما أن اقتنيا الرقم من وكالة للاتصالات ببطاقة وطنية تخصّ أحدهما، لكنهما أكدا أنّ الهاتف ضاع منهما في ظروف غامضة، مشدّدَيْن على أنْ لا صلة تربطهم بأي شخص ممّن وردت أسماؤهم في القضية، وهو الأمر نفسه الذي أكده «س. أ.» القاطن في مراكش، الذي ورد اسمه في التحقيقات بناء على رقم هاتفيّ وجدته السلطات الأمنية الإسبانية في حوزة أحد الأظناء الإسبان، لكنه أكد للمحققين أنه لم يستعمل أبدا هذا الرقم، ويجهل بشكل كامل الكيفية التي تم بها اقتناء الرقم باسمه، ما عدا إمكانية أن تكون بعض نسخ بطاقته الوطنية التي أودعها ضمن ملف تأسيس شركة قد استعمِلت من أجل اقتناء شريحة هاتف باسمه!
تتعلق الضحية الرابعة التي كشفت عنها تحرّيات المحققين بسيدة تدعى «إ. عائشة»، وصِلتها بالقضية هي فقط رقم بطاقتها الوطنية، التي استعملها مصطفى البوكيلي من أجل تحويل مبلغ 30 ألف درهم إلى الحساب البنكي لشركة «A.F» في العيون، ما يعني أنها بطاقة مزورة على شاكلة البطاقة الوطنية التي استخدِمت من أجل إنشاء شركة DORANT» PESCA»، حيث تضمّنت اسم عبد الوهاب سفياني ومعطياته الشخصية، في حين تضمنت رقم البطاقة الوطنية الخاصة بأحمد غياض من غفساي! وهذا يثير ملاحظة جديدة هي: هل مصطفى البوكيلي هو من يقف، فعلا، وراء هذه القضية برمّتها، أم إنه بدوره واحد من الضحايا ممن استعملت بطاقتهم الوطنية بعد تزويرها وإدراج رقم «عائشة إ.» ضمنها؟..
مرت الآن ثلاث سنوات تقريبا على كشف بعض فصول هذه القضية، ورغم التحقيقات المستمرّة لتوضيح ملابساتها فإنّ مساحة الغموض تستمر في التوسع، مع بروز عدد من المعطيات المتعلقة بعمليات محكمة لتزوير وثائق ومعلومات، من أجل التغطية على النشاط الأصلي لتهريب 11 طنا من المخدرات. وهي القضية التي تسرّبت بعض جوانبها مع وصول أسرة أحمد غياض إلى بناية وزارة العدل، إذ تحركت هواتف كثيرة في القضية بسبب الشكايات التي رفعها أفراد أسرة أحمد غياض وتنفيذهم اعتصاما أمام الوزارة، وكان ممكنا أن يقرر قاضي التحقيق إطلاق سراحه بمجرّد البحث في الوقائع المعروضة أمامه، إلا أن الأمور تعقدت وصار الكل يتهرب من أخذ قرار حاسم في ملف أخذ حجما كبيرا، مع التأكيد أن وزير العدل اكتفى بنقل رسالته إلى الأسرة عبر مدير ديوانه، وشدّد على أن الملف يأخذ مجراه العادي، وطبيعيّ أن يتم اتباع المسطرة، وفي حال تبين أن الأب بريء فسيطلق سراحه، وهو ما كان فعلا إذ اتضح للقاضي الذي يبتّ في الملف أن غياض -مثله مثل آخرين- هو مجرّد ضحية تم توريطها في الملف، ولهذا استفاد من السّراح المؤقت..
«هل يكفي أنّ أحمد غياض هو من منطقة غفساي، المعروفة بأنها واحدة من مناطق زراعة الكيف، لكي يثير الشبهات وهو الشيخ الذي يؤكد أبناؤه أن تدخينه السجائر انتهى منذ عقود، وأنه لم يدخن أبدا مادة ممنوعة؟.. أم هل كان كافيا أن يتم تنقيط رقم البطاقة الوطنية الذي تضمّنه ملف تأسيس الشركة ليساق إلى أيت ملول ويكون من نصيبه 45 يوما من السجن؟.. تساؤلات يرى مصدر خبِرَ كثيرا من تفاصيل القضية أنها مشروعة ويجب أن تثار، لتأكيد أنّ المحققين كانوا مستعجلين إحالة الملف على قاضي التحقيق، ولم يتم تعميق البحث بشكل مستفيض، ما كان سيمكنهم من التأكد من أنه ضحية للشبكة، ولنفترض، يضيف: «أنّ مسيري شركة «A.F» لم ينفوا أمام المحكمة معرفتهم بالمعنيّ بالأمر وأن صوته لا يشبه صوت الشخص الذي يتصل للحصول على طلبيات الشحنات، وكانت هناك نسبة ضئيلة من التردد لديهم أمام القاضي لكان مصيره هو العودة إلى الزنزانة واستمرّ محبوسا إلى اليوم، وحتى طلب خبرة على الخطوط الذي قدّمته المحكمة تحت إشراف الدرك الملكي، للمقارنة بين توقيعه والتوقيعات المثبتة في وثائق تأسيس الشركة، تأخر لأزيدَ من سنة، وهو ما كان سببا في تأجيل الملف إلى مواعيد شهرية تزيد متاعبه الصحية مثلما تزيد مخاوفه من مستقبل غامض!»..
يثير المصدر ذاته عددا من الملاحَظات في هذه القضية، التي يبدو من الضروري تسليط الضوء عليها، وأولها أنّ «جميع «المتورّطين» في القضية ممن شملهم التحقيق استعملت هوياتهم عن طريق التزوير أو استغلت أرقام هواتف سبق أن توفروا عليها من أجل تنفيذ عمليات تهريب الحشيش، وهذا يعني أنّ الأمر يتجاوز مجرّد شبكة لتهريب المخدرات ويمتدّ إلى شبكات للتزوير والنصب، تستغل تواطؤ العديد من الجهات لتسهيل عملها وإبقائها بعيدا عن أي مساءَلة.. ولهذا سيكون من الضروري توسيع البحث ليشمل جهات أخرى لم ينتبه إليها، بدءا بالموظف الجماعي الذي «سهل» على صاحب الشركة التصديق على قانونها الأساسي ببطاقة مشكوك في أمرها، ثم من مكّن مسيري شركة «DORANT PESCA» من تأسيس «الشركة» دون احترام المساطر المعمول بها في هذا الصّدد، وأساسا وجوب تضمن الملف نسخة مصادقا عليها من البطاقة الوطنية لمسيّرها، وهذا إجراء يفترض أن يقوم به من يتلقى الملفات في المحكمة التجارية، إذ يتعين عليه مبدئيا رفضُ أيّ ملف لا يستوفي هذا الشرط، وهذا كفيل بكشف شخصية من وضَع ملف الشركة في شهر مارس 2009.. أما إذا تعلق الأمر بشركة تأسّست من خلال الاستعانة بخدمات وسيط أو شركة للمحاسَبة، فبإمكان اللجوء إليها أن يُزيح بعض الغموض المحيط بهذه العملية، خاصة أنّ التحقيقات التي باشرها المكتب الوطني لمكافحة المخدرات في هذه القضية كشفت وجود ارتباطات بينها وبين عملية مماثلة جرت أطوارها في مدينة الدار البيضاء إثر اكتشاف كمية 12385 كيلوغراما من مخدر الشيرا تم حشوُها وسط كمية من صناديق علب ورق النسخ والطباعة معَدّة للتصدير في اسم شركة «TECHNOR» إلى شركة «LOPEZ BREA CANCELA SL» في إسبانيا، وتبيَّنَ لاحقا أنّ الشركة المغربية يسيرها شخص من الدار البيضاء يدعى «هشام ب.» أثبت البحث أنْ لا علاقة له بالشركة ولا بعمليات التصدير التي قامت بها، وأنه كان ضحية سرقة سيارته وأوراق ملكيتها وبطاقة تعريفه الوطنية، ما يرجح أنها استعملت في تأسيس شركة «TECHNOR» في اسمه!..
يقول مصدر «المساء»: «من شأن البحث في دور مسؤولي الجمارك، سواء في العيون، حيث تم إعداد الشحنة، أو في أكادير، حيث مرّت الحاويات «بسلام» دون أن ترصدها تجهيزات المراقبة إلى حين وصولها إلى ميناء الجزيرة الخضراء.. أن يكشف عن حقائق كثيرة، ما يضع هذا الجهاز موضع استفهام، خاصة أنه بعد هذه العملية تمّ ضبط عدد من الشحنات في الميناء نفسه محمّلة بكميات من الحشيش داخل حاويات للسمك المجمّد القادم من العيون، من ضمنها شحنة ضبطت في السنة الماضية تضمّ 7 أطنان من الحشيش، تم دسها في شحنة للرخويات كانت وجهتها إنجلترا.. والغريب هو أن الأسلوب نفسَه اعتمِد في عدد من هذه العمليات، أيْ توريط عدد من الأبرياء وذنبهم الوحيد أنهم فقدوا بطاقات تعريفهم الوطنية أو سرقت منهم، أو سبق لهم استعمال أرقام هاتفية في أوقات سابقة دون أن يتخلوا عنها بشكل رسميّ لدى وكالات الاتصالات..
فكرة أخيرة أثارها مصدر على اطلاع بالقضية، وترتبط بالفكرة السابقة، وهي كم عملية نجح «المسير الخفي» لشركة «DORANT PESCA» في تنفيذها لتهريب الحشيش من ميناء أكادير عبر حاويات تحمل سمكا مجمّدا تم شراؤه من شركة «A.F» في العيون، والتي تتجاوز، حسب تصريحات أحد مسؤولي التعشير، 10 عمليات تصدير تم بعضها باسم «DORANT PESCA»، وبعضها الآخر باسم «A.F»؟.. مجرد سؤال، لكنه بالتأكيد غير بريء، يقول محدّثنا، «وقد يجد له بعض التبرير في كون الشّركتين أسِّستا في الشهر نفسه، أي مارس 2009 وبفارق أيام قليل فقط»..




أعد الملف - قسم التحقيقات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.