سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ولد أردوغان في حي شعبي فقير وكان والده يشتغل في خفر السواحل أجبر على ترك عمله لأنه رفضَ حلق شاربه الذي يعتبره «رمزا» لرجال الحي الفقير الذي ترعرع وعاش فيه..
في 26 فبراير 1954 وُلد رجب طيب أردوغان في حيّ شعبي فقير، في الجزء الأوربي من إسطنبول.. كان والده أحمد (والدته تنزيلة) والذي تتحدر أصوله من مدينة باطوم الجولرجية، قد هاجر إلى إسطنبول في أربعينات القرن الماضي، بحثا عن فرص أوسع للرّزق، حيث عمل في خفر السواحل التركية في مدينة «ريزة» على البحر الأسود، حيث أمضى أردوغان طفولته المبكرة وسط الأمواج العاتية، فتعلم الصّبر وشدّة البأس. وعاد والد رجب -مرة أخرى- إلى إسطنبول على أمل ضمان مستقبل أفضل لأطفاله الخمسة الذين رباهم تربية إسلامية ملتزمة. وكان رجب في الثالثة عشرة من عمره، حيث تلقى تعليمه الابتدائي (أنهى الابتدائية عام 1965) في مدرسة حكومية مع أبناء حارته الكائنة في حي قاسم باشا (المشهور بقوة رجالها وسرعة غضبهم ولهجة الكبرياء والفخر، وهو ما كان أردوغان دائما فخورا به). فتعلم هناك لهجة التحدّي والقوة التي تظهر في تصريحاته وخطاباته الرسمية، ثم التحق بعد ذلك بمعهد الأئمة والخطباء «إمام خطيب»، لينهي المرحلة الثانوية بتفوق (في 1973) وتعلم هناك الفقه والعقيدة والتجويد، فتهذب أسلوبه في الكلام والتفكير أكثرَ فأكثر. وخلال دراسته الابتدائية، أطلق عليه أحد أساتذته اسم «الشيخ رجب»، لأنه خلال درس التربية الدينية سأل المدرّس التلاميذ عمن يستطيع أداء الصلاة داخل الفصل ليتعلم منه بقية الطلبة، فرفع رجب يده ليكون قدوة لزملائه في أداء الصلاة.. فشكره المدرّس وفرش له جريدة على الأرض ليصلي عليها، فما كان من «رجب» الصغير إلا أن رفض الصلاة على الصحيفة لمَا عليها من صور لنساء سافرات.. دهش المدرّس لموقف الصبي وأثنى عليه وأعجب بذكائه وورعه.. وأطلق عليه لقب «الشيخ»، قبل أن يدخل ثانوية الأئمّة والخطباء.. وبعد إتمامه دراسته في مدرسة الأئمة والخطباء الدينية «إمام خطيب» درس إدارة الأعمال في مدرسة «آقصرى» للاقتصاد والعلوم التجارية، المعروفة الآن باسم كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة مرمرة في إسطنبول. وقد تأثر أردوغان بتعليمه الديني كثيرا، مما انعكس على شخصيته بشكل بالغ، وكان وما يزال يؤكد دائما أنّ الإيمان والأخلاق الإسلامية والإقتداء بأخلاق وسنة الرّسول -صلى الله عليه وسلم- هي السبب الرئيسي وراء النجاح. وخلال فترات تعليمه المختلفة، كان أردوغان يساعد أباه في إعالة إخوته وفي تحمّل مصاريف دراسته، حيث كان يبيع شراب الليمون والبطيخ في شوارع إسطنبول في مرحلتيه الابتدائية والإعدادية، وفي الثانوية كان يبيع نوعا من الكعك معروفا لدى الأتراك باسم «السّميدْ»، حيث كان يشتريه يابسا باردا بسعر زهيد ليسخنه في البيت على البخار حتى يصير طريا مستساغا، ثم يبيعه بسعر مناسب ينفقه على إخوته.. وهو ما ذكره أردوغان في مناظرة تليفزيونية مع دنيز بايقال، رئيسة الحزب الجمهوري، فيما نصه: «لم يكن أمامي غير بيع البطيخ والسّميد في مرحلتي الابتدائية والإعدادية، كي أستطيع معاونة والدي وتوفير قسم من مصروفات تعليمي، فقد كان والدي فقيرا». وأثناء فترة دراسته الجامعية تمرّس رجب على العمل في سوق الحي، دون إهمال هوايته المفضلة وهي كرة القدم، حيث مارسها منذ طفولته في ثلاثة فرق رياضية في إسطنبول.. ولمدة ناهزت السنوات العشر، حيث كان يلعب في مركز»الليبرو»، واشتهر بين أقرانه ب«الشيخ بيكنباور»، لأنه كان يشبه نجم منتخب ألمانيا السابق فرانز بيكنباور في أسلوبه في اللعب.. إضافة إلى طوله الفارغ، وما زال الرّجل يذكر رفض والده انضمامه إلى نادي «فنار بخشبه»، أحد أكبر الأندية التركية، خشية أن تفسده الكرة وتحرمه من إكمال تعليمه، وحتى الآن لا يخفى أردوغان عشقه للكرة ولنادي «فناربخشه» تحديدا.. وداوم أردوغان على لعب كرة القدم إلى أن تخرَّجَ من الجامعة والتحق بالخدمة العسكرية كضابط احتياط... وفور تخرّجه عمل مستشارا ماليا لبعض الشركات الخاصة ومديرا لعدد من المؤسسات المالية، قبل أن يلتحق بالمعترَك السياسي في سبعينيات القرن المنقضي. بيئة سياسية ديناميكية في إسطنبول عاش الفتى أردوغان بين متناقضين.. الماضي التليد الذي حققه العثمانيون على مدار قرون والبادئ في القصور والمساجد والميادين، وبين رمز الحاثة التي قامت عليها الجمهورية التركية.. ومسخت الماضي فولكلورا لتحدّ من «رجعيته» في إعاقة الجمهورية، التي نشأت على شعارات مثل «سلام في الوطن.. سلام في العالم»، و»لا يوجد صديق للتركي سوى التركي».. حسمت عائلة أردوغان الخيار مبكرا في مجال التعليم، حين ألحقت ولدها بمدرسة «إمام خطيب»، وسرعان ما سار الفتى أردوغان على نهج أبويه وحسم خياره بين الحداثة والماضي بالمزج بينهما، فالتحق منذ صباه بحزب «السلامة الوطني»، الذي أسسه نجم الدين أربكان، أبو الأحزاب المحافظة في تركيا وأول رئيس وزراء إسلامي في تاريخ تركيا، والذي قابله أردوغان خلال فترة الجامعة، فأحدث في حياته تغييرا نوعيا في مفهومه عن العمل السياسي,، حيث بدأ يعرف طريقه إلى العمل التنظيمي عندما تدرّب على السياسة مع حزب السلامة الوطني، وفي سنة 1975 اضطلع أردوغان بقيادة الجناح الشبابي المحلي للحزب، الذي تأسس في 1972 بعد إغلاق حزب «النظام الوطني» وانتقال مؤسسه أربكان إلى سويسرا. وقبل حلّ الحزب كان قد تم اختيار أردوغان عضوا في المجلس الإداري للإدارة العامة للأجنحة الشبابية في حزب السلامة، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1980، بعد الانقلاب العسكري الذي ألغى جميع الأحزاب.. وجاءت أول مواجهة لأردوغان مع القانون والسلطة بعد ذلك التاريخ.. عندما أبلغه رئيسه في سلطة المواصلات في المدينة، وهو عقيد متقاعد في الجيش، أن عليه أن يحلق شاربه، وهو ما رفضه أردوغان وتعيَّن عليه أن يترك عمله، ومن وقتها وهو محتفظ بشاربه، الذي يعتبره رمزا لرجال الحي الفقير الذي ترعرع وعاش فيه.. وبحلول عام 1983 عادت الحياة الحزبية إلى تركيا وعاد نشاط أردوغان من خلال «حزب الرفاه، خاصة في محافظة إسطنبول، حيث ترأس رجب فرع الحزب الجديد في بلدة «بايوغلو» مسقط رأسه، وأحد أكبر بلاد الجزء الأوربي من إسطنبول في عام 1984. وسرعان ما سطع نجم أردوغان في «حزب الرّفاه»، فأصبح رئيسا لفرع الحزب في ولاية إسطنبول في 1985، ثم أصبح عضوا في اللجنة المركزية للحزب بعدها بعام فقط.. وتم ترشيحه من قبل الحزب لعضوية البرلمان التركي، في مرتين، إحداهما عام 1987، والأخرى عام 1991، لكنْ لم يحالفه الحظ في المرتين كلتيهما. وفي الانتخابات البلدية التي جرت عام 1994 فاز أردوغان بمنصب «عمدة» رئيس البلدية المركزية لمدينة إسطنبول الكبرى، وقد حقق العديد من الإنجازات في خلال فترة رئاسته لها، حيث قام بتطويرها وإضافة لمسة جمالية عليها، وهو الأمر الذي زاد من ارتباط أفراد الشّعب به.