شهر رمضان ضيف يأتي كل عام مرة، فهو الشهر الذي نزلت فيه كل الكتب السماوية وعرف أشهر الغزوات والمعارك، وهو شهر المغفرة والثواب. فيه يجدد المرء علاقته مع الخالق فيقبل على الصلاة وينجذب بمجالس العلم أملا في الخيرات والبركات. رغم نفحات شهر رمضان، فهو أيضا شهر المحاكمات المثيرة وشهر الكرة التي تستقطب الراغبين في «قتل» المساحة الزمنية المفضية إلى آذان المغرب. رمضان زمن مصالحة المتفرج «اضطراريا» مع الإنتاج الوطني، وزمن ممارسة التسوق والخوف من اندلاع الأسعار، واندلاع المعارك اليومية في الشارع العام بين من تداهمهم «الترمضينة». في هذا الخاص ترصد «المساء» أبرز الأحداث التي عاشها هذا الشهر الكريم، ونقف عند أبرز القضايا التي هزت المغرب في رمضان التوبة والمغفرة. هل كان الأمر مجرد صدفة أن تتفجر في جل ربوع المملكة، فضائح بحجم كبير فقط في عز شهر رمضان والناس صيام؟ وهل للقضية وجه آخر غير هذه الصدفة، خصوصا حينما نكتشف أنه سواء تعلق الأمر بحكم الحسن الثاني، أو حكم محمد السادس، فالقضية واحدة. ندخل شهر الصيام، لتطلع علينا الأخبار عن واقعة قد ترقى إلى مكانة الفضيحة أو أزمة أو قضية تهز البلاد وتصنع الحدث بالطول والعرض، فتسيل حبرا غزيرا على ورق الصحف. ولا يملك المغاربة وقتها غير أن يتابعوا مسلسل القضية بالكثير من التشويق، تماما كما يتابعون «سيتكومات» رمضان أو مسلسلاته المدبلجة. غير أن الفرق بين هذا وذاك، هو أن فضيحة بحكم ما عاشه المغاربة مثلا في قضية الكوميسير ثابت، لم تكن من صنع الخيال، ولكنها كانت من صميم الواقع المغربي. ظل البعض يعلق على أن بعض الملفات التي تفجرت، وتحديدا حينما تتزامن مع حلول شهر رمضان، كانت للسلطة يد فيها. بل ويضيف بعض المتشككين: كيف أن السلطة تسعى بين الفينة والأخرى لإلهاء الناس عن القضايا الجوهرية التي تشغل بالهم، وتحديدا حينما يشد الخناق على قدرتهم الشرائية، فتخرج من كمها، مثل ساحر بارع وعارف بأدوات اللعب، قضية أو فضيحة أو ملفا، تريده أن يصنع الحدث، ويملأ الدنيا ويشغل ناسها من حرب أكتوبر، التي تزامنت مع شهر رمضان، إلى فضيحة الكوميسير ثابت، الذي ظل يتفنن في اغتصاب النساء بشكل وحشي وشاذ ما جعل من قصصه المثيرة والمستفزة، قضية هزت الدارالبيضاء والمغرب ككل. ومن حملة التطهير، التي قادها أقوى وزراء الحسن الثاني ادريس البصري، والتي أتت على الأخضر واليابس، وزادت في درجة تلك السكتة القلبية التي بشر بها الملك الراحل وتخوف من وقعها، خصوصا وأن الحملة دفعت بالكثير من رجال الاعمال إلى الافلاس، مع ما رافق ذلك من أزمة سياسية لم يكن بطلها غير محمد زيان، وزير حقوق الإنسان الشهير الذي سيستقيل من مهامه الوزارية. وصولا إلى فضيحة مدير القصور الملكية إيزو، الذي اتهم بالاتجار في المخدرات، بعد أن أسقط في طريقه الكثير من الأسماء سنوات على تولي محمد السادس الحكم. شهر رمضان لم يكن فقط شهر المغفرة بل شهر المؤامرات أيضا حيث عرف الشهر الفضيل محاولة اغتيال عبد الإله بنكيران في بداية التسعينات، حين كان يقوم بمهمة الوعظ والإرشاد في سانتيتيان الفرنسية، وذلك عن طريق رصاصة مرت قرب رأسه كادت ترديه قتيلا. وتعود هذه الواقعة إلى رمضان سنة 1991 حين تم إيفاد بنكيران ضمن وفد ممثل لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى فرنسا قصد تأطير الجالية المسلمة هناك. فبعد انقضاء صلاة التراويح تعرض رئيس الحكومة الحالي إلى إطلاق رصاصتين بعد خروجه من المسجد إحداهما أصابت مرافِقه وأردته قتيلا فيما نجا هذا الأخير من موت محقق. فيما ذهبت روايات أخرى إلى أن بنكيران لم يكن مستهدفا من الغارة، وأن الحادث عرضي. في شهر الإمساك عن شهوة البطن والفرج، أفرج مجموعة من الشباب، تقودهم شابة اشتغلت في الصحافة وتسمى زينب الغزوي، عن «شهوتهم» وعبروا عن استعدادهم للإفطار في عز يوم الإمساك. أما الموعد الذي حدد فقد كان محطة القطار بالمحمدية. كان لا بد أن يطرح السؤال الكبير عن خلفيات كل هذا، خصوصا وأن علاقة المغاربة بشهر رمضان تحديدا، خاصة جدا. ومن المستبعد جدا أن يتم الفطار العلني في الشارع العام. كما أن القانون المغربي يمنع ذلك بشكل صريح وعلني. لم تكن زينب الغزوي لتشكل اليوم واحدة من خصوم مملكة محمد السادس، وهي لا تزال صحافية مغمورة في أكثر من جريدة مغربية باللغة الفرنسية، لولا حكاية الإفطار العلني في رمضان، والذي كانت من أكبر المتحمسين لهذه الخطوة حينما شرعت، رفقة زملائها في الأكل بمحطة القطار. ومن يومها سنكتشف أن الغزوي، التي تحمل الجنسية المغربية والفرنسية، هي رئيسة جمعية أطلق عليها « مالي» وتعنى بحماية الحريات الفردية. ستغادر زينب الغزوي المغرب وتجاربها الإعلامية بعد أن اشتد عليها الخناق حينما ستضع بدها في يد علي عمار، صاحب « سوء الفهم الكبير»، لتجد عملا بجريدة «شارلي ايبدو»، الجريدة الفرنسية التي نشرت رسومات مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان لسوء التقدير. وتقدم زينب الغزوي نفسها على أنها مسلمة، لكنها لن تسمح ل»فئة قليلة من أصحاب اللحي بالحديث باسم مليار ونصف مليار مسلم ، مثلي لأنني أنا من ثقافة مسلمة ولو أنني ملحدة». إنها زينب الغزوي، الصحافية التي تزعمت الإفطار العلني في رمضان واعتبرته حرية شخصية، كما دافعت بجرأة عن نشر رسومات مسيئة للرسول « ص» في شارلي ايبدو، التي أصبحت تشتغل بها. وبذلك فقد أعلنت عدائها للمملكة. وتبقى الدروس الحسنية، التي كانت ولا تزال إلى اليوم تقليدا مغربيا بامتياز، هي واحدة من القضايا التي تحتاج للكثير من التفكير والتأمل ليس فقط على مستوى خلفيتها الدينية، ولكن على مستوى ما كانت تتركه خلفها من أحداث بعضها طريف، وبعضها فيه الكثير من الغرابة. هذه الدروس كانت تنظم قديما، وهي عادة تفردت بها منطقة المغرب الأقصى، فقد كان الملوك العلويون يقيمون هذه الدروس، بشكل أو بآخر، لأن الإسلام يحث على مجالس الذكر وحلقات العلم. وعندما جاء الحسن الثاني رحمه الله، أحيى تلك العادة الحسنة لكي يعطي للدولة المغربية هويتها الدينية التي تستحقها، وأدخل بعض التعديلات عليها، مثل طريقة افتتاح الدروس وختمه بالدعاء الصالح. رمضان، الذي أنزل فيه القرآن للناس هدى للناس، هو شهر الصيام والعبادة، وهو أيضا بالنسبة للمغاربة شهر القصص والحكايات المثيرة. وشهر الفضائح والملفات التي تجد لها ما يكفي من المسوغات لتنتشر وتتغدى.