حسنا فعلت حركة التوحيد والإصلاح، حتى بعدما ابتلعت الطعم، في بيانها الأخير عندما حذرت الشباب المغربي من دعوات الجهاد في سوريا، تلبية لنداء الدعاة والعلماء الذين اجتمعوا في القاهرة قبل أسبوع لتحريض الشباب على القتال في بلاد الشام. ورغم أنني أرى أن هذا الموقف مجرد نسخة منقولة عن المواقف التي صدرت بالمشرق، خاصة داخل المملكة العربية السعودية، التي لا تزال تداعيات الملف الأفغاني حاضرة لديها، إلا أن صدور البيان في هذا التوقيت هو محاولة لتبرئة الذمة ووضع مسافة مع الشبان المغاربة الذين يتوجهون إلى سوريا عبر تركيا، فالحركة تريد أن تقول أيضا إنها غير مسؤولة عن هؤلاء، وهذا صحيح لأن أصوات الخطباء في القنوات الفضائية تقوم بهذا الدور بشكل متطور، بسبب طغيان التوجه السلفي المتحفز باستمرار للبحث عن أي معركة يتصور أنها يمكن أن تخدم الإسلام، كما يراه هو. هذا الموقف الذي عبرت عنه الحركة كان هو الموقف الذي اتخذته منذ البداية، فهي أكدت على أن سوريا لا تحتاج إلى مقاتلين، بل إلى السلاح والمال. ولكن صدور البيان بعد مضي هذه المدة يعني أن الأمور بدأت تشهد انزلاقا منذ المؤتمر المذكور، ولذلك استعملت عبارة «التصور المختزل للجهاد»، وكان صاحب هذه الكلمات أول من كتب ساعات بعد المؤتمر محذرا من ترويج هذا المفهوم المغلوط الذي يخدم أجندة سياسية معينة ولا يراد به نصرة الدين لوجه الله، لأن أولئك الدعاة والعلماء ما تداعوا إلى القاهرة بالمئات إلا لأن هناك من أوحى لهم ما أوحى. ما لم أفهمه بشكل سليم هو صمت حزب النهضة والفضيلة، الذي عاد إلى الأضواء بعد التحاق بعض السلفيين به قبل أسابيع. فمحمد عبد الوهاب رفيقي حضر مؤتمر القاهرة الذي أصدر بيانا يدعو المسلمين إلى التطوع للجهاد في سوريا، وحصل ذلك مباشرة بعد حفلة الانضمام التي قال الحزب بعدها إنه يسعى إلى إدماج السلفيين وتطبيع وجودهم في الحياة السياسية، بل ذكر رئيس الحزب محمد خليدي أن السلفيين الذين التحقوا بحزبه وافقوا على خط الحزب وبرنامجه، ولا نعرف متى كان خط الحزب وبرنامجه يتضمنان بندا ينص على الجهاد، وبدل أن يصدر الحزب بيانا يوضح فيه موقفه سمعنا محمد رفيقي يقول إنه ذهب بوصفه داعية فقط، والسؤال هو: هل السلفيون هم الذين انضموا إلى حزب خليدي أم أن خليدي هو الذي انضم إلى السلفيين؟. قد يحرج هذا السؤال السيد خليدي، ولكن المشكلة ليست في الإحراج، بل في الفهم، فأنا لا أعرف إن كان حزب النهضة والفضيلة حزبا سياسيا أم حركة دعوية، أم أنه الاثنان معا؟. معروف عن حزب العدالة والتنمية أنه يشتغل برأسين، لكنهما رأسان مفترقان، بينما يريد حزب النهضة والفضيلة أن يشتغل بطريقة التوأم السيامي، بسبب عدم قدرته حتى الآن على تحديد هويته التي لا يزال يبحث عنها، وكنت قد كتبت هذا الكلام قبل عدة أشهر فعاتبني السيد خليدي على ما اعتبره قسوة من جانبي، مع أنه لا يعرف عني المحاباة، وأنا أقول له دائما نصيحتي الثابتة: تخلص من الرغبة في تقليد حزب العدالة والتنمية لكي تسير بشكل مستقيم، فالمقلدون يخسرون دائما. بسبب عدم الحسم في هوية الحزب، اليوم، سيصبح السلفيون عبئا في المستقبل، وما يضاعف من هذا العبء أن الحزب من الهشاشة ما يكفي، فالتقاطع بين ما هو دعوي وما هو سياسي تحت نفس الخيمة سوف يؤثر بشكل كبير على طريقة الحزب في التعاطي مع مختلف القضايا التي ستطرح عليه، ومن جملتها القضية السورية التي طرحت اليوم، ذلك أن حضور أبي حفص مؤتمر القاهرة من شأنه أن يُظهر بأنه يخدم نفس القضايا التي كان يتحرك في إطارها من قبل، لكنه يفعل ذلك اليوم من داخل الحزب، ولا يهم أن يقول إنه حضر بصفته داعية، لأننا سمعنا محمد خليدي يتحدث عن السلفيين الملتحقين بحزبه بصفتهم أعضاء في حزب سياسي لا بصفتهم دعاة في جمعية دعوية. هذا التداخل أيضا لن يخدم الصورة التي يريد السلفيون ترويجها عنهم في مرحلة ما بعد الاعتقال. ولهذا كان على الحزب أن يكون سباقا إلى إصدار بيان يوضح فيه موقفه منذ البداية، وأن يحذر من مخاطر الانزلاق في دوامة العنف والتكفير مجددا، مع أنه لا يفتأ يكرر بأنه يريد إدراج السلفيين في سلك الاعتدال، علما بأنه يعرف بأن ذلك فوق طاقته.