قريبا سيحل شهر الصيام، وسيجد المدخنون بعض الصعوبة، خصوصا في الأيام الأولى، في التعود على غياب مادة النيكوتين داخل الجسم، مع ما يخلفه ذلك من ألم و معاناة داخلية. لذا ينصح خبراء علم النفس ومعالجة الإدمان بالتخفيف من عدد السجائر التي يدخنها الشخص في العادة، أو الكف عن التدخين كليا. لكن للإقلاع عن التدخين، والنجاح في الاستمرار في ذلك يتعين وضع استراتيجية متكاملة، حتى لا تسقط في فخ العودة من جديد للتبغ. لم تعد تفصلنا عن شهر رمضان الكريم سوى بضعة أيام. تزامنا مع شهر الصيام يعمد الكثير من المدخنين إلى استغلال فرصة الامتناع عن الأكل والشرب، والتدخين بطبيعة الحال، لأجل الإقلاع عن عادة التدخين. هذا الأمر جد ايجابي ويبعث على الفخر، لكن الانقطاع عن التدخين بشكل مفاجئ لا يؤدي في الغالب للنتائج المرجوة، بل ينبغي التخطيط للأمر، مع الانتباه بشكل خاص للجانب النفسي، حجر الزاوية لمن يسعى للتغلب على الإدمان. حسب منظمة الصحة العالمية تقتل السجائر نصف عدد المدخنين، فيما يقضي التبغ على حياة نحو 6 ملايين شخص سنويا. وللتدخين الكثير من الآثار السلبية المدمرة للصحة، بما فيها الرفع من خطر التعرض للأزمات القلبية، وسرطان الفم والقولون، وقصور التنفس، والتهاب الشعب الهوائية، فضلا عن ارتفاع مخاطر التعرض للسرطان بنحو 90 في المائة. ورغم الكم الهائل من الأدلة التي توضح الآثار السلبية للتدخين على الصحة، فإن الإقلاع عنه يظل أمرا صعب المنال حتى بالنسبة للأشخاص الذين يدركون جيدا المفعول السلبي للتدخين على الصحة. لحسن الحظ، فإن الإقلاع عن التدخين ليس معضلة يستحيل حلها. فقد أوضحت الأبحاث في مجال تغيير السلوك والكف عن التدخين عن وجود خمس استراتيجيات أثبتت نجاعتها في مساعدة الأشخاص على التخلص من هذه العادة القاتلة. الأمر الذي ينبغي تذكره هو أن الأوان لم يفت بعد للقيام بالتغيير. وحسب تقرير أعده فريق من أطباء التشريح الأمريكيين، يتراجع مستوى أول أوكسيد الكربون بعد مرور 12 ساعة على الكف عن التدخين، ليستقر عند المستوى العادي لدى أي شخص لا يقترب من السجائر. وبعد مرور 15 سنة على الإقلاع عن التدخين، تتراجع مخاطر التعرض لانسداد الشرايين أو الإصابة بالجلطة إلى المستويات العادية. حاول إذن أن تشرع في مشوار الإقلاع من خلال تنفيذ الاستراتيجيات التالية. 1 ثقف نفسك إن أحد أولى الخطوات التي ينبغي اتخاذها لدى الرغبة في تغيير أمر معين تتمثل في جمع كافة المعلومات حول الأمور السلبية والايجابية المرتبطة بتغيير سلوك محدد. حاول أن تلعب دورا أكثر فعالية في تثقيف نفسك حول المزايا والمحتملة ونتائج الاستمرار في التدخين. حاول مطالعة أكبر عدد ممكن من الكتابات حول آثار التدخين على الصحة، وحاول تدوين النقط المهمة حتى يكون في وسعك أخذ القرار الصائب. حاول كذلك تقييم المزايا المادية التي سيجلبها الكف عن التدخين. قد يكون صعبا التوقف كليا عن هذه العادة، إذا لم تتح لنفسك فرصة الاقتناع بضرورة تغيير الوضع. 2 حدد المهيجات واقض عليها المهيجات هي محفزات مادية ونفسية منتشرة في المحيط الذي تعيش فيه، تعمل على تذكيرك إما بطريقة شعورية أو لاشعورية برغبتك في التدخين. وكلما كانت الفترة التي داومت فيها على التدخين طويلة، كلما تقوت حدة الروابط بين تلك المحفزات ورغباتك. ولذا فإن الخطوة تتمثل في الابتعاد قدر المستطاع عن تلك المحفزات. حاول البدء بخطوات صغيرة كالتخلص من أدوات التدخين، كالمرمدة والقادحة، وتنظيف أي ملابس عليها رائحة السجائر. بعدها اشرع في فك الارتباط بين التدخين وبعض العادات اليومية، كاحتساء القهوة، أو السياقة. يتعين محاولة القيام بهذه الأمور بدون تدخين السجائر، قبل الشروع في الكف عنه. اعمل كذلك على التقليص من مسببات الضغط في حياتك، لأن ذلك سيزيد من حدة إقدامك على التدخين. 3 الدعم الاجتماعي والأسري بشكل عام، يظل الإقلاع عن التدخين أمرا صعبا، لكن القيام بذلك بشكل منفرد يجعله مستحيلا. السبب الأول وراء ذلك هو حاجتك في أن تفضفض أمام صديق حميم، أو شريك الحياة، أو أحد أفراد الأسرة، وتبوح أمامه بالمعاناة التي تمر منها. ثانيا، في وسع هؤلاء الأفراد مساعدتك على الصمود في تحقيق هدفك، ورغما عن إرادتك أحيانا. حاول أن تخبر أكبر عدد من الأشخاص عن نيتك الإقلاع عن التدخين. إذا كان لديك أشخاص يدخنون، حاول أن تمتنعوا عن التدخين أجمعين. حاول كذلك أن تتذكر أن بعض الأصدقاء أو أفراد العائلة يمكن أن يدفعوك للتدخين. حاول أن تطلب منهم عدم التدخين بالقرب منك، وإذا كان ممكنا حاول الابتعاد عن إمضاء وقتك معهم خلال المراحل الأولى من الإقلاع عن التبغ. 4 فرص النجاح الإقلاع عن التدخين هو سيرورة جسدية وذهنية، ولذا عليك استغلال أي شيء متاح أمامك للمساعدة في الإقلاع عن السجائر. وفي هذا الصدد، توضح الأبحاث أن أقل من 7 في المائة من الأشخاص الذين يحاولون الإقلاع التدخين ينجحون في القيام بذلك بدون الاستعانة ببعض الأدوية، أو المنتجات التي تعوض مادة النيكوتين. كما أوضحت دراسة حديثة بأن العلاج السلوكي وبعض العلاجات الأخرى الموازية في وسعها أن ترفع من فرص النجاح في الإقلاع عن عادة التدخين بنسب أكبر. 5 واظب على المنجزات إن الكف عن أحد العادات، خصوصا إذا كانت مرتبطة بالإدمان، لا يتطلب فحسب الكف عن ممارسة السلوك، بل إحلال سلوك آخر محله. في علم النفس، يطلق على هذا الأمر مصطلح «المقاربة التي تتبنى الأهداف». عليك إذن وضع أهداف جديدة ضمن برنامجك اليومي. وبشكل أعم، احرص على ممارسة العادات الصحية، كممارسة الرياضة، وتناول وجبات طعام متوازنة. حاول كذلك أن تشرع في ممارسة هوايات جديدة في وسعها جعلك منشغلا عن التدخين. كما ينصح بمكافأة نفسك عن نظام الحياة الجديد، وإدراك إمكانية ظهور بعض اللحظات لا تستطيع خلالها سوى العودة للتدخين. إذا حدث ذلك فما عليك سوى التعاطي مع الأمر على أساس أنه سيرورة عادية في التغلب على هذه العادة. عليك كذلك أن تتذكر بأنه في حالة عودتك للتدخين، تكون على الأقل قد أثبتت لنفسك قدرتك على الامتناع عن السجائر لفترة زمنية معينة، وبأن أي فترة سواء قصرت أم طالت جد مهمة بالنسبة لك. * عن جامعة «ويست فيرجينيا»