عابرو معبر رفح من الأجانب سواء كانوا صحافيين أو أطباء أو غيرهم، يجب أن يدلو بمجموعة من الوثائق لأمن الحدود المصري ليمروا إلى المرحلة الثانية من التفتيش والتحقيق يجريها عدد من رجال المخابرات المصرية. لا يمكن الولوج إلى المعبر دون تزويد السلطات بإذن من سفارة بلدك بالقاهرة، إضافة إلى ترخيص من وزارة الإعلام المصرية بالنسبة للصحافيين بقي لجرحى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منفذ واحد للوصول إلى المستشفيات بالدول العربية والأجنبية لتلقي العلاجات، بعد أن عمدت الآليات العسكرية الصهيونية إلى تدمير مستشفيات مدينة غزة وغلق معابر بيت حانون والمنطار وغيرها في وجه الجرحى والمساعدات القادمة من الخارج، وتكتفي بفتحها في مناسبات قليلة، وبشكل جزئي، «رضوخا» للضغوط الدولية. على طول الطريق الرابطة بين مدينة العريش المصرية ومعبر رفح، والتي تبلغ حوالي 50 كيلومترا، تدفقت شاحنات كبيرة محملة بمختلف أنواع المساعدات إلى الشعب الفلسطيني الأعزل، حيث اختار أصحاب البضائع، المشكلة في الغالب من أغطية وأدوية وألبسة، إلصاق لافتات كبيرة على هذه المساعدة لإبراز مصدرها. نصف ساعة تعد كافية للوصول إلى المعبر عبر سيارة أجرة أو حافلة، غير أن المدة تتضاعف بفعل التفتيش الدقيق الذي تتعرض له كل العربات من طرف السلطات الأمنية المصرية المنتشرة على مجموع الطريق مشكلة نقاط تفتيش تضم كل مجموعة منها حوالي 6 إلى 10 عناصر من الأمن المصري باللباس الرسمي، وضعف هذا العدد بزي مدني يلبس غالبهم نظارات شمسية. عابرو معبر رفح من الأجانب سواء كانوا صحافيين أو أطباء أو غيرهم، يجب أن يدلو بمجموعة من الوثائق لأمن الحدود المصري ليمروا إلى المرحلة الثانية من التفتيش والتحقيق يجريها عدد من رجال المخابرات المصرية. لا يمكن الولوج إلى المعبر دون تزويد السلطات بإذن من سفارة بلدك بالقاهرة، إضافة إلى ترخيص من وزارة الإعلام المصرية بالنسبة للصحافيين. «المساء» التقت بعدد من الصحافيين الإيطاليين قضوا أربعة أيام أمام المعبر بعد رفض سلطات أمن الحدود التأشير لهم، بسبب عدم توفرهم على الوثائق اللازمة. وحتى إن توفرت هذه الأخيرة فمدة الانتظار تزيد عن الساعتين قبل أن يتم تحويل العابر على المخابرات المصرية. في هذه المرحلة يجتاز «الحالم» بالوصول إلى قطاع عزة الباب الحديدي الكبير في اتجاه «صالة السفر» وهي عبارة عن بناية حديثة كبيرة يوجد فيها مقرا للمخابرات المصرية ومصلحة للجوازات، حيث يتم التأشير على جواز السفر إما بالرفض أو السماح للعابر بالمرور إلى قطاع غزة. حالما يصل العابر إلى «صالة السفر» تواجهه رائحة مقرفة تزكم الأنوف، فيخيل للباحث عن «التأشيرة» أنه ولج «طواليط» كبيرة حديثة البناء ومجهزة بأحدث تقنيات المراقبة. أينما وليت وجهك «تصفعك» الروائح الكريهة من كل جانب، وهي تماما شبيهة بتلك التي تنبعث من دورات المياه التي لم تمر منها عاملات النظافة لمدة طويلة. بعد تسلم المخابرات المصرية لجواز السفر وترخيص السفارة ووزارة الإعلام المصرية، تطالب العابر بكتابة التزام على ورقة بيضاء يخلي فيه مسؤولية السلطات المصرية من أي حادث قد يصيبه وتحمله لجميع عواقب قراره بالدخول إلى قطاع غزة «المشتعل». العملية لم تنته بعد لأن عناصر المخابرات يرسلون، عبر الفاكس، معلومات حول العابر إلى مقرهم المركزي بالقاهرة وجواب هذه الأخيرة يتطلب وصوله عدة ساعات، لأن الأمر يتعلق ببحث دقيق تجريه المخابرات حول طالب تأشيرة العبور. في هذه الفترة بدأ الجرحى الفلسطينيون الذين أصيبوا في حرب غزة الأخيرة، يتوافدون على «صالة السفر»، معظمهم أطفال وشباب برفقة ذويهم، الوالد في الغالب. ثائر، طفل فلسطيني يبلغ من العمر حوالي 14 سنة يتحدر من مدينة بيت لاهية، بُثرت ساقه اليمنى جراء إصابته بصاروخ إسرائيلي في اليوم الأول للحرب وهو عائدا من المدرسة ي اتجاه بيته. «ذي مشيئة الله»، يقول ثائر، ثم يضيف «الجيش الإسرائيلي جبان لأنه لم يستطع مواجهة المقاومة اتجه نحو تصفية الأطفال والنساء». الطفل الفلسطيني، الذي كان يرافقه والده عبد القادر، قضى حوالي 15 يوما في أحد مستشفيات القاهرة، تحدث إلى «المساء» بتلقائية كبيرة، فلم يكن باديا عليه ملامح التأثر أو الخوف. في المقابل لم يتوقف والده عن البكاء، حيث صاح قائلا :» ثائر فقد 4 من أصدقائه جراء الصواريخ التي تهاطلت كالمطر علينا، وبيتنا تعرض لحوالي 30 صاروخا دمرته على الآخر، رغم أن ساكنته هم من الأطفال فقط، لو يضربوا أطفالهم ويقتلوهم إيش يقول العالم؟». هناك حرب في غزة قد تنطلق في أية لحظة وأنت عائد إليها؟ سألت «المساء» ثائر، فأجاب قائلا: «حروّح للبيت وبركب رجل اصطناعية وأرجع لممارسة حياتي الطبيعية». في كرسي قريب من الذي يجلس عليه ثائر، في ساحة الانتظار ب«صالة السفر» كان هناك شاب فلسطيني مصاب، عمره 29 سنة وينحدر من منطقة جباليا، تبين أن أصيب بشظايا صاروخ إسرائيلي منبعث من طائرة «إف 16» الأمريكية الصنع والتي استعملت بشكل كبير في الحرب الأخيرة. يحكي حمادة أنه خرج، في اليوم الثاني من الحرب إلى محل بقالة مجاور لبيتهم قصد شراء بعض الحلويات لإخوته الصغار الذين يبكون طول الوقت جراء سماعهم لأصوات القصف الإسرائيلي المتواصل. يتذكر حمادة أنه كان برفقة ثلاثة من أصدقائه، حيث فوجئوا بصاروخ موجه نحوههم أصاب أصدقائه الثلاثة، حيث استشهدوا في مكان الحادث، فيما أصيب هو بشظاياه في يده ورجله وفي أمعائه التي تم تقطيع جزء منها حتى يبقى على قيد الحياة. في هذه الأثناء صاح العسكري المصري مناديا: “الصحافي المغربي”، توجهت إليه فسلمني جواز السفر وعليه تأشيرة السلطات المصرية التي سمحت لي بالدخول إلى قطاع غزة حيث تتوزع “مدن الموت”.