حوّل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، جلسة مساءلته في مجلس المستشارين، التي انعقدت مساء أول أمس الأربعاء، إلى ساحة لبعث «رسائل» سياسية إلى من يهمّهم الأمر، بدءا بالقصر، ومرورا بمعارضيه السياسيين، وانتهاء ب«العفاريت»، دون أن ينسى التخويف -مرة أخرى- من رياح الرّبيع العربي.. ووصف بنكيران، خلال تعقيبه على تدخل الفرَق في جلسة الأسئلة الشهرية، التي تمحورت حول موضوع المِلك الغابوي، المَلك محمدا السادس ب«الملك الممتلك للذكاء الكافي»، مذكرا بأفضاله على استقرار المغرب في مواجهة رياح الرّبيع العربي، وقال: «رياح 20 فبراير أربكت البنية، ولم يكن من المفروض أن يحدث ذلك.. كان مفروضا أن نقول سقف بيتي حديد، ركنُ بيتي حجر، فاعصفي يا رياح.. لكنّ الله لطف بنا ومنحنا ملكا كان له الذكاء الكافي، إذ لم تمرّ 20 يوما حتى ألقى خطاب 9 مارس، الذي حلّ الإشكالية الأساسية التي سادت منذ الاستقلال إلى اليوم، بالاستجابة للمَطالب الدستورية وتنظيم الانتخابات ووضع دستور جديد». ووجد بنكيران، في جلسة المساءلة الشهرية، الفرصة المناسِبة للعب ورقة الرّبيع العربي، مجدَّدا، في مواجهة معارضيه، كما حلفائه، بإطلاق تحذيراته من أنّ «المغرب لم يجتزِ الامتحانَ بعدُ»، رغم الإصلاح الدستوري الذي تلا ظهور حركة 20 فبراير. وقال: «اليومْ داخلينْ الامتحانْ وما زلنا ما خرجناشْ مْنو»، مشيرا إلى أنه «ما كان الناس ليخرجوا في 20 فبراير لولا وجود منطق مختلّ ومهتزّ، وما كان ليهتز أصحاب المصالح والفاسدون ويتزحزحوا من أماكنهم لولا إحساسهم بأنهم مفسدون وأنهم مهدَّدون».. إلى ذلك، شنّ بنكيران هجوما عنيفا على أصحاب النفوذ و»العفاريت» ومناهضي الإصلاح، وقال بهذا الخصوص: «الغابة، كغيرها، تعاني كثيرا من ذوي النفوذ الذين استغلوا خيرات البلاد بطريقة لم تراعِ المصالح الحقيقية للبلاد، ولم تأخذ بعين الاعتبار المواطنين الساكنين بجوار الغابة.. هناك تغوّلٌ لأناس لهم نفوذ، ومثل هذا التغول عانت منه خيرات البلاد في البحار والبرّ والغابة»، قبل أن يتابع قائلا: «حتى المصطلحات ديالنا دّيتيهومْ لينا.. أييهْ، العفاريتْ راه فعلا كاينينْ العفاريت الحقيقية.. العفاريت واكلينْ الغاباتْ». وفي معرض حديثه عن الفساد، كان لافتا حرص بنكيران على بثّ شكواه من «العفاريت» ومعارضي الإصلاحات ومحاربة الرّيع بالقول: «كلما فتحنا نقاشا حول أحد الملفات التي تتطلب إصلاحا ظهرت المواجهة، وهو ما شهدناه بمناسبة إصلاح المأذونيات والمَقالع ودفاتر التحمّلات». ولم يُخف رئيس الحكومة في هذا الصدد امتعاضه الكبير من سميرة سيطايل، مديرة الأخبار في القناة الثانية، حينما قال: «ملي كتولي موظفة تتعرّض لرئيس الحكومة بالعْلالي وما تلقاشْ اللي يْردّها».. وفيما أوضح رئيس الحكومة أنّ «محاربة الفساد ليست أمرا سهلا، ما دمنا اخترنا الاستقرار والإصلاح في إطار الاستقرار»، بعث برسالة واضحة إلى «جيوب مقاومة» الإصلاح، بتأكيده أنه «مُصرّ على الإصلاح مهما كلّف الأمر». وفي ردّه على المشككين في استمرار الحكومة التي يقودها، لم يجد بنكيران غيرَ السخرية سبيلا للرّد قائلا: «إذا طولْ الله العمرْ ديالْ هادْ الحكومة، وديال هاد المجلسْ حتى هو، راه الأعمار بيد الله».. من جهة أخرى، لم تخلُ جلسة المساءلة الشهرية، التي بدأت تفقد بريقها، من لحظات صاخبة بين بنكيران وفريق الأصالة والمعاصرة، كان من أبرزها «انتفاضة» رئيس الحكومة في وجه مستشاري «البام» ورئيسهم حينما همّوا بمقاطعته بدعوى «خروجه عن الموضوع»، إذ لم يتوانَ في وصف مقاطعتهم ب»البْسالة».. فيما لم يفوت حكيم بنشماس، رئيس الفريق الفرصة لإحراج بنكيران، بعد أن فتح من جديد ملفّ استغلال بعض وزراء العدالة والتنمية صفتهم الوزارية في بعض الأنشطة الحزبية خارج أرض الوطن وداخله، مشهرا في وجهه صورة تجمع بين الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، مع مجموعة من الطلبة المغاربة في تركيا من بينهم ابنه وأبناء قياديين إسلاميين.. وقال بنشماس، في تحدّ لرئيس الحكومة: «هذا برهاني، السيد رئيس الحكومة، فأين هو برهانك إنْ كنت صادقا؟ وهل ستلتزم بتعهّدك وتبشّرنا باستقالة الوزير المعني؟».