هناك من يتهمهم بالعمل خارج القانون، ويعتبرهم من مؤسسي شبكة الجريمة الإلكترونية. وهناك من يتهمهم بالعمالة لصالح أجهزة معينة.. غير أنّ ل»قوات الردع المغربية» روايتها للموضوع. «المساء» تكشف النقاب عن هذا التنظيم السّري وتقرّبكم من بعض الحقائق المثيرة بعد مقابلة أجرتها مع مجموعة من أعضاء «الهاكرز» وبعض مؤسسي هذا التنظيم الشبابي، الذي نفذ عدة «هجمات» شرِسة على مواقع حكومية وغير حكومية للدول المعادية للمغرب. لم يتقو عمل «قوات الرّدع المغربية»، التي تأسست في الخفاء منذ حوالي 10 سنوات، ولم تظهر بقوة إلا بعد اندلاع أحداث العيون، وتحديدا بعد استغلال بعض الجهات صوراً لا علاقة لها بالأحداث وفبركتها ووظفها وكأنها وقعت في مخيمات «أكديم إزيك»، فكانت ردّة الفعل قوية، حيث بدأت عناصر «الهاكرز» المغربية قصفَ عدة مواقع إلكترونية للدول المعادية لصدّ لكل الهجمات. يقول أحد أعمدة «الهاكر المغربية»، في أول لقاء له مع الصحافة، والمعروف في الصفحة الرسمية لهم ب»مغربي حتى الموت»، إنّ الكلام كثر حول طبيعة أنشطتهم وحول الجهات التي تحرّكهم، غير أنه يؤكد أنّ ما يحركه وباقي أفراد التنظيم هو الحسّ الوطني والغيرة على البلد. يضيف «مغربي حتى الموت» أنّ النقطة التي أفاضت الكأس، والتي هزّت كيانهم هو رفضهم القاطع لكل عدو يسعى إلى زعزعة الاستقرار ونقل صورة قاتمة عن هذا البلد، الذي تحسده عدد من البلدان، خاصة بعد اندلاع الثورات العربية، التي لم تصل إلى المغرب.. قبل بدء الحديث مع أعضاء «الهاكرز»، فضّل هؤلاء اختيار مكان سري بعيدا عن أعين الناس، تحسّباً لأي مشاكل أو مضايقات، وطلبت العناصر التكتم عنه وعدم الكشف عن تواجده.. يؤكد «مغربي حتى الموت»، وهو ينظر يمينا وشمالا، وكأنّ شخصا ما يلاحقه، إنّ أول ردة فعل عملية قاموا بها هي تلك المتعلقة بنشر قناة إسبانية صورَ أطفال قتلى، فتم «تكييف» الصور واستغلالها في أحداث «أكديم إزيك» لإظهار الواقع في صورة أبشعَ بكثير من الواقع، حيث تمت فبركة الوقائع وتضخيمها. يوضح «مغربي» أنّ مجموعة من عناصر «الهاكرز» نزلت إلى الشارع وتمكنت من العثور على مصدر الصور، التي تم استغلالها، والتي تعود إلى جريمة بشعة نفذها أب في أحد الأحياء في حق أبنائه الأربعة.. خبايا المجموعة تتكون مجموعة «الردع المغربية» من حوالي 50 عنصرا، ولكل عنصر مجموعة يسهر على تنظيمها وتكوينها لمعرفة طرُق الاشتغال، غير أنه مهْمَا كان العدد كبيرا ومهْمَا اتسعت رقعة المجموعة فإنها لا تسير إلا بموافقة ثلاثة عناصر أساسية، هم «مغربي حتى الموت»، «جكتار صدام» و»باترييوت لكاسي». تتوزّع مجموعات العمل في ما بينها، كل فريق يتكلف بجانب معين، حسب التكوين الذي تلقاه في مجال الاختراق، لأنّ ما لا يعرفه عموم الناس هو أن المجموعات المكونة للتنظيم ليست كلها مؤهلة لاختراق المواقع المُستهدَفة، إذ يتكلف كل عنصر بمهمّة خاصة ودقيقة جدا، لأن المسألة تقنية، حيث إنّ هناك من يتكلفون بمجال التواصل، وهناك عناصر تتكلف بالبحث عن المعلومات الكافية عن المواقع والنقط المُستهدَفة، وهناك مفاتيح سرية يتم تشفيرها بناء على معطيات معلوماتية جد دقيقة تمكن «الهاكرز» من الوصول إلى الأهداف المنشودة. كما أن هناك فريقا خاصا بالترجمة وفريقا خاصا بفكّ الشفرات السرية لقاعدة البيانات.. شروط الانضمام يقول «مغربي حتى الموت»: «ليس من السهل انضمام أي شخص يرغب في الالتحاق إلى التنظيم الشبابي، إذ لا بُدّ أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط، على رأسها أن يكون وطنيا حقيقيا، كما أنّ هناك خلية خاصة تقوم بتتبع جميع خطوات المنخرطين الجدد لمعرفة ما إذا كان ينتمي إلى أجهزة معينة.. «غير مرغوب فيها»، أو مدفوعا من قِبَل البعض، تحسبا لأي محاولة للتعرف على أسرار المجموعة وكيفية اشتغالها». ولم يُخف المتحدث ذاته، الذي رفض ذكر اسمه الحقيقي أو التطرق إلى أي وصف لملامح وجهه أو أي شيء قد يفيد في التعرّف على هويته، أنّ هناك عددا من الأشخاص أبانوا في البداية عن حسن نيتهم في الانضمام إلى المجموعة والسير على نهجها واحترام مبادئها، التي تسعى -في آخر المطاف- إلى مصلحة البلد الذي ننتمي إليه، على حد تعبيره، مؤكدا أنهم اكتشفوا وجود عناصر «أشباح» تسعى إلى تحقيق مصالح وأهداف شخصية، من ضمنها عنصر ينتمي إلى جهاز حسّاس..وأضاف «مغربي» أنه تم إسقاط قناع هذا الشخص عندما تم التشكيك في توجهه، بعدما بدأ يقترح بعض الأفكار على عناصر المجموعة بعيدة كل البعد عن مساعيها.. فتمت قرصنة حسابه الشخصي، ليتبيَّنَ بالأدلة أنّ «انضمامه» كان مجرّد وسيلة للحصول على معطيات تخدم الجهاز الذي يشتغل فيه والتجسّس على عناصر «قوات الردع المغربية»، فتم طرده من التنظيم، وبعد قضائه مدة ليست بالطويلة مع «الهاكرز» وتلقى تدريبا خاصا ظنّ أنه قد وصل إلى السر وفكّ لغزه، غير أنه لم يعرف من العمل إلا «الفُتات»..
«القرصنة».. سلاح فتاك
هناك من يعتقدون أنّ الانضمام إلى «قوات الردع المغربية» سيفسح أمامهم المجال لكشف حقائق مثيرة والاطلاع على أسرارهم، لكن عناصر «قوات الرّدع» يقولون لهم «إنكم مخطئون»، لأنّ المجموعة تحرص كثيرا على هذه الأمور وأن مئات المنخرطين لا يتوفرون إلا على جزء صغير من البرنامج أما التنفيذ فتصادق عليه «السلطة العليا» للمجموعة، التي لا تتعدى ثلاثة أشخاص يشكلون ما يطلق عليه «راسْ الحْربة»، أما باقي العناصر فمهامّها محددة وسطحية، لكنها تبقى أساسية في سير العمل، لأنّ «القرصنة سلاح فتاك لا يمكن أن نضع مفاتيحه بين يدَي أيّ كان». بدورها، قالت «س. ف.»، وهي فتاة من بين الناشطات في إحدى المجموعات المكلفة بالتواصل، والتي لا تمر وقفة أو لقاء دون أن تجسد حضورها، خاصة إذا تعلق الأمر بتنظيمات معروفة كحركة 20 فبراير والعدل والإحسان وغيرها (قالت) إنه لا أحدَ يعرف انتماءها إلى أعضاء قوات الرّدع المغربية. وتضيف هذه «الهاكر»، التي لا يتعدّى عمرها 24 سنة، أنها لم تكن تعرف أفراد المجموعة بالطريقة التي تعرفهم بها حاليا، حيث كانت بدايتها لا تتعدّى حدود تقاسُم الأفكار حتى وجدت نفسها عضوا نشيطا في المجموعة، بل الأكثر من ذلك أنها لم تكن تعرف الأعضاء المؤسِّسين ل»الهاكرز» إلا في العالم الافتراضي، وكانوا يلتقون في الميدان داخل الأحداث لكنْ لا أحد منهم كان يعرف الآخر.. تركت عملها وتفرّغت ل«الهاكرز» تتحدّث «س. ف.» بطلاقة وثقة في النفس قائلة إنها تركت عملها من أجل النضال والتصدّي لِمن وصفتهم ب»أعداء الوطن»، مشيرة إلى أنّ النضال يحتاج إلى التنازل عن كثير من الأمور في الحياة الشخصية للتفرغ للعمل، الذي هو أولى، لأنّ الأمر يتعلق بالوطن وليس بالفرد.. وتتابع المتحدثة ذاتها قائلة إنها تركت أنانيتها وبدأت تعمل بشكل مستمر مع أعضاء الردع المغربية، ومهمتها هي تغطية جميع الأنشطة واللقاءات السياسية والحقوقية التي تنظم في الدارالبيضاء والحصول، بطريقتها الخاصة، على جميع المعلومات الخاصة بالمنظمين وعلى حسابهم في الموقع الاجتماعي «فيسبوك» أو على بريدهم الإلكتروني، فتكون قد حصلت على «المفتاح»، لأنّ بعض المعلومات لا يمكن إلا أن يتم التوصل إليها بسهولة إلا من خلال البريد الإلكتروني، الذي يكشف طبيعة الجهات التي يخدمها المعنيون بالأمر، ويكشف النقاب عن «الوجه»، وبعض الحقائق التي يصعب الوصول إليها بالتحرّيات العادية وغير المعمَّقة. واستطردت المتحدثة ذاتها قائلة إنّ أول ما يتم التدريب عليه داخل التنظيم الشبابي هو كيفية حماية الحواسيب من أي «دمار»، وتعتبر «س. ف.» تواجدها ضمن المجموعة مفخرة بالنسبة إليها، على اعتبار أنه ليس من السّهل وضع الثقة في المنخرطين.
التخطيط لتدمير مواقع حكومية قبل تنفيذ أيّ عملية تدمير للمواقع يتم الاتفاق بين جميع عناصر الشبكة، التي تضمّ عددا كبيرا من المنخرطين، ويقومون بطرح الموضوع للنقاش، كل من موقعه الخاص، ليتم تحديد التوقيت المناسب لتنفيذ العملية.. وعادة ما يكون بعد منتصف الليل أو في الساعات الأولى من الأولى من اليوم، والأساسي في العملية هو أن تؤكد العناصر الأساسية في المجموعة حضورها في الموعد المُحدّد لإنجاح «المهمّة». ومن مبادئ وأخلاقيات عناصر قوات الرّدع المغربية أنها لا تهاجم بل تدافع، حسب ما أكدت مجموعة من العناصر التي قابلتها «المساء»، مؤكدين أنه قبل تنفيذ أي عملية يتم توجيه إنذار إلى الجهة المُستهدَفة، كما أنّ تنفيذ عملية تدمير مواقع رسمية لا يتم إلا إذا «تجاوز المستهدَفون حدودهم»!.. والذي لا يعرفه الجميع هو أنه عندما يكون موقع مغربي معيّن معرَّضا للقرصنة أو مستهدفا من طرف دولة معادية يتم إشعارهم من خلال مراسلات سرية بضرورة سد الثغرات وحماية مواقعهم.. وإطلاق اسم «قوات الرّدع» على المجموعة يوضح أنها تؤدّي دور «الرّادع» وليس «المهاجم»، فعندما تتم الإساءة إلى أي مغربي أو إلى الوطن تكون ردة فعل الهاكرز المغربي «أسرَع من البرق»، وفق وصفهم. أطر عليا و»عباقرة»
تتكون قوات الرّدع المغربية من أطر عليا، جلهم من فئة المهندسين والتقنيين وطلبة السلك العالي في مجال المعلوميات.. غير أنّ المؤسسين هم متخصّصون في الهندسة المعلوماتية والمعمَّقة، أحدهم حاصل على ثلاث دكتواره في الهندسة، إحداها في مجال الأمن المعلوماتي.. كما أنّ كل ما تقوم به المجموعة هو بدافع غيرة عناصرها على وطنهم وعزة أنفسهم، التي تدفعهم إلى المساهمة في أداء الواجب الوطني، ولو بأبسط الإمكانيات. يقول «جيكتار صدام»، أحد مؤسسي التنظيم المعلومياتي، الذي رفض -هو الآخر- كشفَ هويته، بل وفضّل إجراء مقابلة مع «المساء» فقط في العالم الافتراضي.. (يقول) إنّ أعضاء مجموعة «قوات الردع المغربية» هم من خيرة الشباب الحاصلين على دبلومات عليا، وليسوا ب»البْراهْش»، كما يعتبرهم البعض. واستطرد «جيكتار» قائلا إنّ المشكل الذي يزال بلدنا يتخبط فيه هو غياب التواصل بين عدد من الأجهزة والاستهانة بالمعطيات والمعلومات التي يقدّمها فريق «الهاكرز المغربي» للجهات المعنية، بل واحتقارها، والأكثر من ذلك أنّ أول سؤال يطرحونه هو كيفية الحصول على المعطيات، بدل إجرائهم التحرّيات اللازمة لتدارك الخطر. «نشر الغسيل».. إذا كان «الهاكرز المغربي» قد نشَر وثائق ومعطيات في عدد من المواضيع، على صفتهم في موقع التواصل «فيسبوك»، فإنهم لا ينشرون جميع الوثائق، مبرّرين ذلك بكون الهدف ليس هو تشويه سمعة المُستهدَفين، مراعاة للخصوصيات الشخصية، وفي هذا الصدد يقول «مغربي حتى الموت»: «حتى الأعداء نعاملهم بشرَف، على عكس ما يعاملوننا به من احتقار».. وردّا على من ينعتهم بالمجرمين، وأن مكانهم هو السجن، أكد «الهاكرز المغربي» ل»المساء» أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام الأعداء، وأن ما يقومون به ليس مخالفا للقانون، الذي جاء في أحد بنوده: «كل مواطن من حقه أن يدافع عن وطنه بأي وسيلة»، وأن الوسيلة التي يملكونها هي الاختراق والقرصنة في حدود اللازم. والغريب في الأمر، يضيف «القراصنة»، هو أنهم يتلقون تهديدات بالقتل من طرف المُستهدَفين، وأنّ الدولة المغربية تكتفي بوصفهم ب»المجرمين».. كما أنهم يتعرّضون لعدد من المُضايَقات التي ستدفعهم في وقت قريب، إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، إلى وضع حد للعمليات التي ينفذونها دفاعا عن وطنهم، على حد وصفهم. واستطرد المتحدث ذاته قائلا إنّ مجموعة من المواطنين يوجّهون لهم شكايات سرية يطالبونهم فيها بتقديم يد المساعدة لهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بتعرّضهم للابتزاز والتهديد بنشر صور إباحية من طرف أشخاص معينين، فتقوم الخلية المكلفة بتلقي الشكايات بدراسة الملف وأخذ المعطيات الكافية حول المشتكى بهم، فيتم تحذيرهم للتراجع عمّا خططوا له، لأنّ الغاية من ذلك ليست هي الزج بالفاعلين في السجن، وإنما ردعهم للكفّ على مثل هذه الممارسات، التي تسيء إلى كرامة الأشخاص. وأضاف أنهم تمكنوا من «ردع» كثير من هؤلاء الذين يقومون بابتزاز المواطنين، والمثال على ذلك صاحب صفحة «سكوب مراكش»، الذي نشر عددا من الصور تعود لفتيات في أوضاع إباحية، فقد تمكنت عناصر «قوات الرّدع المغربية» من كشف هويته.
الحلقة المفقودة استأنف «مغربي حتى الموت» حديثه بعدما غادر المكان لهنيهة، قائلا إنّ «قوات الردع المغربية» هي الحلقة التي تملأ الفراغ والحلقة المفقودة التي لم تملأها الأجهزة المخول لها ذلك، ويتابع وهو ينظر إلى حاسوبه بين الفينة والأخرى، قائلا إنهم أصبحوا يشعرون بالمسؤولية وخطورة التنظيمات التي أصبحت تخرج من رحم المعلوميات.. وعندما بدأت القوة تزداد خطورة على بعض المستهدَفين كانت مواجهتهم بالانتقادات والاتهامات بأن المجموعة تابعة لجهاز استخباراتيّ، والحقيقة هي أن بعض الأجهزة، على حد تعبير المتحدّث ذاته، تحاول تبني العمليات التي تقوم بها المجموعة وإسنادها إلى نفسها.. فالكل يتذكرون حادثة اختراق «الأنونيموس العالمية» المواقع الإسلامية، كان أول مَن ردّ على الهجوم هم قوات «الهاكرز» الباكستاني»، وفي المرتبة الثانية «الهاكرز المغربي»، الذين نفذوا عملية الهجوم بطريقة مختلفة، حيث وجّهتوا رسالة إلى «الأنونيموس» يخبرنهم فيها أنهم «سيتلقون ضربة قوية»، وتم تنفيذ ذلك فعلا..