خلال السنوات الأخيرة، تعرضت مناطق كثيرة من البلاد لتدمير ممنهج من طرف مجموعات عقارية عملاقة، حصلت على أراض كثيرة بالمجان أو ما يشبه ذلك وبنت أقفاص دجاج لمواطنين يفترض أن لهم أخلاقا وكرامة؛ وفي النهاية فشلت في تحقيق أي شيء، إلى درجة أن قاضيا، نزيها طبعا، يمنعه منصبه وهيبته من السكن في منطقة شعبية، ولا يجد سبيلا إلى شراء منزل متوسط لأن أباطرة العقار وزعوا السكن بين الشقق الغالية والشقق الحاطة بالكرامة. المشاريع العقارية الكبرى بدأت في المغرب منذ سنوات طويلة، ومنها جنى عدد من أباطرة العقار أرباحا خيالية لم يجنها حتى تجار الحشيش من حقول كتامة. وكان يفترض أن تنتهي أزمة السكن في البلاد بشكل نهائي تقريبا؛ لكن الدولة المغربية اعترفت بأن كل مخططات الإسكان فشلت، وبدأت التفكير في سن سياسة جديدة. الدولة منحت أراضي بالمجان، أو ما يشبه ذلك، لمجموعات عقارية شهيرة، وتمتع أباطرة عقار كثيرون بامتيازات ضريبية لا حدود لها، ثم جمعوا من وراء ذلك ما لم يجمعه قارون؛ وعندما ثبت أن كل ذلك لم يحل مشكلة السكن في هذه البلاد، لم يتحرك أحد لمحاسبة الذين تحولوا إلى مليارديرات في رمشة عين، بينما لا يزال المغاربة يتسابقون لكي «يدفعوا» للقياد والمقدمين والمنتخبين ورؤساء المقاطعات لكي يبنوا منازل عشوائية في أي مكان. في أماكن كثيرة، بنى وحوش عقار مشاريعهم المخجلة على حافة وديان الصرف الصحي أو فوق هضاب معرضة للانجراف؛ وفي أحيان أخرى، تم طمر أودية بأكملها وبنيت فوقها مشاريع عقارية، ومع ذلك لم يتحرك أحد.. لا أحد على الإطلاق. الوحيدون الذين ظلوا يتحركون هم الذين كانوا يتحركون دائما؛ فقبل بضعة أيام، طلب منعشون عقاريون من الدولة أن تمنحهم أراضي بثمن لا يزيد على 100 درهم للمتر المربع لكي يبنوا مشاريع عقارية جديدة... وكأن كل الامتيازات التي حصلوا عليها من قبل لم تكن كافية. المشكلة أن هذه الأراضي التي يطالب تجار العقار بالحصول عليها بمائة درهم ليست أراضي الدولة بل هي أراضي الشعب، والدولة مخولة فقط بالإشراف عليها من أجل المصلحة العامة، وليس من حقها بتاتا تفويتها إلى أناس فشلوا في كل شيء إلا في جمع الثروات، ولا زالوا يطلبون المزيد. إذا كانت هناك جهات يجب أن تحصل على أرض بمائة درهم فهي جهة المواطنين البسطاء الذين يحلمون كل يوم بالحصول على سكن لائق، والذين لا يجدون أمامهم إلا أحد اختيارين: إما السكن العشوائي غير المشروع الذي يدفعون من أجله الرشوة أو السكن العشوائي الذي يرعاه أباطرة العقار ويدفعون من أجله مدخرات عمرهم. بإمكان الدولة أن تمنح فرصا للناس العاديين لكي ينخرطوا في تعاونيات أو غيرها وينشئوا مشاريع عقارية خاصة بهم، مشاريع حقيقية وليس علب كبريت تتحول شتاء إلى ثلاجة وصيفا إلى فرن. من حق المغاربة أن يختاروا أين وكيف يعيشون، وليس من حق أحد أن يجمعهم في «غيتوهات» سكنية لا يختلف بعضها عن مراكز تجميع وإيواء اللاجئين. هناك أيضا مشكلة أخرى وهي أنه خلال زيارة رئيس الوزراء التركي، طيب رجب إردوغان، للمغرب مؤخرا، تخوف أصحاب المشاريع العقارية من فتح الباب أمام شركات العقار التركية التي تأمل الاستثمار في المغرب. هل يخافون من انهيار «العمارات التركية» بسكانها؟ هل يزعجهم ويقلقهم أن المشاريع التركية ضعيفة ومهينة للكرامة البشرية؟ هل يعتقدون أن الأتراك سيبيعون الشقق بأسعار خيالية؟ أبدا.. إنهم يخافون من المنافسة لأن المغاربة وقتها سيملكون حرية الاختيار بين أحسن ما يوجد في السوق، وفق إمكانياتهم طبعا، لذلك فإن الذين يربحون أكثر من المؤكد أنهم سيخشون على مستقبل أرباحهم. ثم هناك مسألة أخرى، وهي أن المغاربة يركبون سيارات فرنسية وإيطالية وألمانية، ويشربون مشروبات أمريكية وإنجليزية، ويدرسون في مدارس من مختلف الجنسيات، ويلبسون ملابس مصنوعة في كل القارات، ويأكلون موزا برازيليا وجبنا فرنسيا وتفاحا سويسريا وعصيرا إسبانيا، فلماذا يجب أن يسكنوا في شقق مغربية فقط؟ لماذا تُمنع المنافسة في العقار فقط؟ فالمنافسة إما أن تكون كاملة أو لا تكون.. وفوق كل هذا، فإن الدولة اعترفت رسميا بفشل المنعشين العقاريين المغاربة.. وفوق هذا وذاك لم يحاسبهم أحد، ولا يوجد منعش عقاري واحد خلف القضبان. أليس هذا كافيا لكي يعتبروا أنفسهم مدللين أكثر من اللازم؟